سيلفانا أبي رميا

معرض "بيروت 1840 - 1918"... صور وخرائط توثّق تاريخ العاصمة المدفون

6 أيلول 2023

02 : 02

بين الخرائط والصور (تصوير رمزي الحاج)

حطّ معرض «بيروت 1840 - 1918 صور وخرائط» رحاله أمس (يستمرّ حتى 8 تشرين الأول المقبل)، في «بيت بيروت»، بعدما أنهى محطةً أولى تكلّلت بالنجاح في متحف «نابو» في منطقة الهري، موثقاً عبر مئات الصور النادرة التغيرات التي طالت وجه ودور العاصمة منذ نشوء التصوير الشمسي حتى العام 1918. كما يتزامن مع إطلاق النسخة الإنكليزية من كتابBeirut 1840 – 1918 a visual and descriptive portrait للباحث بدر الحاج والسفير سمير مبارك والذي منه انطلقت فكرة هذا النشاط الثقافي.



في هذا المعرض «الصورة بألف كلمة»، تُخبرنا عن بيروت التي لم نعرف تحوّلاتها بهذه الدقّة، عن العاصمة التي اندثرت لتحل مكانها مدينة ضائعة في هويتها الهندسية والإجتماعية والإقتصادية، بُنيت بالباطون المسلّح على كتف الدمار والقهر والمجاعة والإحتلالات المتعاقبة.


واستوحي اسم المعرض من بداية التصوير الشمسي في العام 1838 في فرنسا، وأقدم صورة لبيروت التي تعود إلى العام 1840، هي صورة التقطها فريديريك غوبيل - فيسكه، بتاريخ 30 كانون الثاني، ويظهر فيها جزء من بقايا قصر الأمير فخر الدين، ومئذنة مسجد السراي، وجزء من البرج.



300 صورة معروضة على جدران «بيت بيروت» منها ما اقتناه متحف «نابو» العام الماضي وضمّه إلى مجموعته، رسمت للمُشاهد حقبة بصرية كادت تكون مفقودة من تاريخ العاصمة، فشكلت تآلفاً بين الصورة الفوتوغرافية والنصّ، مؤرخةً لما كان قابعاً في سلّة النسيان، من منازل وجدران وحارات وشوارع وأبراج داخل السور القديم وخارجه في صور فوتوغرافية نادرة. كما التقطت الصور عدسات المصوّرين المحترفين والهواة على حد سواء، الذين ردموا من حيث لا يدرون، الهوّة التي كانت قائمة في التاريخ المصوّر لتحوّل هذه المدينة، كماكس فون أوبنهايم مثلاً.



كذلك يحوي المعرض مجموعة نادرة من الخرائط القديمة التي استُخرج معظمها من كتاب «البحرية» (1525)، وهي مجموعة مخطوطات عثمانية رسمها الرحالة بيري ريس والتي تُظهر خطوط وتفاصيل الساحل السوري قديماً، بالإضافة إلى خريطة من العام 1863 تُظهر المخطط القديم لمنطقة المرفأ، وأخرى من العام 1908 تُبرز تفاصيل نقل شركة مياه بيروت.



جانب من الحضور مع الوزيرة السابقة زينة عكر (تصوير رمزي الحاج)


جولة في بيروت القديمة


نبدأ رحلة «بيروت 1840 – 1918» مع لوحتين مائيتين قيّمتين بريشة الفنان بنجامين ماري، حيث برج «الشلفون» الذي ازيل ليحلّ مكانه دير الراهبات العازاريات ليندثر هو الأخير ويحلّ في موقعه مبنى «العازارية» المعروف العام 1955. نكمل مع صور بانورامية تُظهر المساحات التي كانت مزروعة، والأحياء والأزقة والمنازل المتواضعة والفنادق الزهيدة، كما القصور ومراكز القنصليات ومنازل الوجهاء بهندستها الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى السراي الكبير والمدارس والمستشفيات ومجمّع الحجر الصحي ومرافقه الذي يُعرف اليوم باسم «الكرنتينا». وتحمل صور أخرى مشاهد الساحل والقوارب الراسية، والمرفأ الذي تمّ توسيعه على مراحل، بكامل الحياة التي يختزنها بين العاملين والحمّالين والمستقبلين لشخصيات زارت بيروت كالإمبراطور الألماني ويليام الثاني وزوجته. بالإضافة إلى حكايات مأسوية عن قصف العاصمة ورسو أساطيل أجنبية محتلّة في مياهها.



(تصوير رمزي الحاج)
 


محطة ثالثة قريباً


وعن سبب اختيار الصور بين عامَي 1840 و1918، تجيب الباحثة في الشؤون الثقافية في متحف «نابو» أمية درغام، قائلةً: «بتمويل فردي من مؤسّسي «نابو» تمكّنا من احتضان 300 صورة بين هذين العامين أي منذ بداية التصوير الشمسي. للأسف ازيلت كل معالم المدينة القديمة ونأمل أن تتم المحافظة على ما تبقى منها، وأن نستخلص العِبر والدروس لصون المدن الأخرى مثل صيدا وطرابلس وبعلبك وصور وإنقاذها قبل فوات الأوان»، مضيفةً: «اخترنا «بيت بيروت» ليحتضن محطة المعرض الثانية لما يشكّله هذا المكان من رمزية للطراز المعماري القديم ولحياة بيروت كما عرفناها في مجدها. هو الذي عُرف بـ»مبنى بركات» في 1971، يبقى واحداً من الأدلة القليلة المتبقية على عراقة العاصمة ومكانتها التي أَخفتها تدريجياً أصوات الحرب والقتل والدمار ومشاهد الباطون المسلّح الشاهق».

وأكدت أنّ «بيروت 1840- 1918» سيحطّ رحاله قريباً في محطات جديدة تشمل الجنوب والبقاع، خاتمةً: «يحضّر متحف «نابو» حالياً لمعرضَين ضخمَين، يتضمّن أحدهما الأعمال المشاركة في مسابقة دولية عن ضحايا قوارب الموت، حيث ستكون هناك لجنة فنية ستختار العمل الأكثر تعبيراً وتكاملاً لتنفيذه في حديقة المتحف».

بدوره، ألمح رئيس جمعية «تراثنا بيروت» سهيل منيمنة إلى أنّ وجه بيروت التراثي ليس مهدداً فحسب، بل وصل إلى مرحلة التشوّه ويواجه اليوم خطر الزوال. وقال: «إنّ هذا الأمر خطير ويمكن إدراجه تحت عنوان «التفلّت الأمني والسياسي» بما فيه الثورات والعصيان المدني وتحكّم الميليشيات، في بلدٍ تتعدد فيه الطوائف والمذاهب ويعتلي منابره زعماء لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية على حساب الموروث الوطني والثقافي والحضاري»، لافتاً الى أنّ التخطيط المدني العشوائي وجشع المقاولين بدّل وجه العاصمة العريق، مردفاً: «حاولت كثيراً وطوال سبعة أعوام التنبيه إلى هذا الخطر الكبير الذي يهدد هويتنا، مع ناشطين ومهتمين بهذا الأمر، من دون الوصول إلى نتيجة فعّالة وملموسة من قبل المعنيين». وختم: «صحيح أن المعرض عن بيروت لكنه يهم كلّ لبناني، لأنه دعوة إلى الأصالة والعودة إلى الجذور والتمسّك بهوية حضارية نقية راقية ستبقى شامخة مميزة رغم كلّ التحديات. لذا أدعو الكل إلى استكشاف المكان والصور والتعمّق بمكنوناتها».













(تصوير رمزي الحاج)





MISS 3