بشارة شربل

التعايش مع الكارثة!

7 أيلول 2023

02 : 00

لم يعد التحذير من تحوُّل النزوح السوري الى كارثة يشكل إضافة مفيدة. المصيبة وقعت، عدا عن أنّ «لا حياة لمن تنادي». فالحكومات تخاذلت حين كانت قادرة على القرارات، ولا يمكن لشبه حكومة تصريف أعمال أن ترتفع الى مستوى حدث جلل من نوع توقّع استضافة مليون سوري إضافي، لا يفرون هذه المرة من الحرب أو بطش النظام، بل من فشل بشار الأسد في سدّ رمقهم ما دام يتعامل مع أزمة بلاده المتغيرة الظروف والتوازنات بالعقلية نفسها التي تسببت بتدمير سوريا وتحويلها ملعباً لخمسة جيوش وبؤرة للإرهاب ومصنعاً ضخماً لتصنيع المخدرات.

من سخرية الصدف أنَّ تدفق السوريين بدأ زمن حكومة «القمصان السود» التي رأسها ميقاتي في 2011، ووصل ذروته زمن حكومة «الأيام السود» في ظل حكومته التي يمسك بتلابيبها «حزب الله»، سواء بسطوته المباشرة، أو بتأثيره السلبي على إمكان أن تحظى بتأييد دولي لخطواتها في ملف النزوح، فيما لو سعت صادقة في هذا الإطار، أو عادت القوى الدولية الى الأخلاق والضمير في تعاملها مع قضية تدمّر مستقبل اللبنانيين والكيان.

وصلت أزمة النزوح اليوم الى خطورة لا تستطيع معها حكومة ميقاتي فعل أي شيء لجملة أسباب: أوّلها أنّ الأسد لا يريد أصلاً إعادة النازحين، فتعديل التركيبة السكانية أحد أهداف النظام. وثانيها أن الأسد تحدث بنفسه عن التطهُّر من «الجراثيم»، أي المعارضين. وثالثها أنّ النظام أعجز اقتصادياً عن استيعاب عودة ولو بسيطة لافتقاده البنية التحتية وإمكانات توفير فرص عمل، ولأنه يستخدم النازحين مادة ابتزاز في مفاوضاته مع المانحين الغربيين الذين يطالبونه بالإصلاحات. ولا ننسى أنّ حليفتيه الفعليتين، روسيا وايران، لا تسخيان إلا على السلاح وزعزعة الاستقرار.

أما أهم أسباب استحالة إعادة النازحين فهو غياب الإرادة السياسية لدى «المنظومة» المتحكمة في لبنان، واعتمادُها لعبة «تبادل النفاق» مع دمشق في مسرحية إعادة بضعة آلاف على مدى سنوات. ولا نُعفي ميقاتي من واجب مواجهة كارثة النزوح كونه اختار أن يكون في موقع القرار بلا «مهمة إنقاذ»، ويُلام على تقطيع الوقت بلجانٍ وشلّة وزراء تافهين، وهو أول العارفين أنهم ليسوا على قدر المقام.

على أي حال، «سبق السيف العذل». صار النازحون واقعاً شديد التعقيد، خصوصاً بفعل الإصرار على إبقاء الحدود مشرّعة والدولة سائبة في إطار «وحدة الساحات». ثم إنّ الأسد الذي احتفل مع حلفائه في لبنان بالعودة الى الجامعة العربية ولقاء محمد بن سلمان، يقف عاجزاً اليوم أمام انتفاضة السويداء، وإزاء «لعبة الأمم» في شمال سوريا وشرقها التي تتيح عودة الإرهاب، وبالتالي يستحيل على دمشق إعادة نازحين، بل على العكس، فإنها تشجع على هجرة مزيد من السوريين للعمل في لبنان لكسب دولارات تفتقدها بفعل انهيار تعانيه في كلّ مجال.

ربما كُتِب علينا التعايش مع عدد نازحين يساوي عدد سكان لبنان. أما الذي شرَّع الأبواب بعدما سَكِر بتفوقه العسكري والديموغرافي، فسيكتشف حتماً كيف سيحوّله النزوح أقلية، مع ما يستبطن ذلك من تاريخ شقاق يصعب أن تمحوه محاور ممانعة أو «ساحات».


MISS 3