جاد حداد

One Piece... نسخة جديدة من ملحمة يابانية شهيرة

9 أيلول 2023

02 : 00

تعرض شبكة «نتفلكس» نسخة جديدة من مسلسل One Piece (قطعة واحدة) الذي كان في الأصل سلسلة من الكتب الهزلية اليابانية التي تصدر منذ عقود، وقد تم تحويلها سابقاً إلى مسلسلات أنيمي رائجة أو رسوم متحركة ناجحة، لكنها قد لا تُحدِث الضجة المطلوبة هذه المرة.

بصورة عامة، يشمل المسلسل عناصر مشابهة لسلسلة Pirates of the Caribbean (قراصنة الكاريبي)، فهو يتمحور حول عصابة محبوبة من الخارجين عن القانون. هم يبحثون عن كنز ثمين يمنح كل من يعثر عليه لقب «ملك القراصنة». لكنهم يتعرضون في الوقت نفسه لمطاردة من خصومهم القراصنة وعدد من البحارة المزعجين والفاسدين. لكن يبدو بطل القصة «مونكي دي لافي» (إيناكي غودوي) أبعد ما يكون عن شخصية «جاك سبارو» الشهيرة، فهو شاب حالم ومرح وفضولي، وله أطراف قابلة للتمدد، ويريد أن يصبح الملك وقبطان القراصنة من دون سرقة شيء أو ترهيب أحد. سرعان ما ينضم إليه المبارز ومطارد القراصنة «رورونوا زورو» (ماكينيو) والسارقة المخادعة «نامي» (إيميلي رود)، وتعجّ خلفية قصتهما بتفاصيل كثيرة لملء الموسم المؤلف من ثماني حلقات.

في إنتاج آخر من هذا النوع، مثل الفيلم الجديد One Piece Film: Red, Monkey D Luffy (فيلم ون بيس: القرد الأحمر دي لافي)، يتسم العمل بحيوية فائقة ويتمتع بطل القصة بقوى تمدّد شبه غريبة، ما يسلّط الضوء مجدداً على سحر الكتب الهزلية. في الفيلم الجديد، تُعرَض تلك القوى بتقنية الصور المنشأة بالحاسوب ولا تبدو مقنعة عموماً. وعند التركيز على صفات «لافي» البشرية، يتكل غودوي بدرجة مفرطة على صفاته الصبيانية الساذجة لدرجة أن تصبح ابتسامته المتكلفة الدائمة رتيبة وأحادية التعبير.

يُعتبر أداء غودوي جزءاً بسيطاً من قلة التناغم التي تطبع العمل ككل. يجسّد بعض الممثلين شخصيات كرتونية حيوية بكل مرح وإيجابية، بينما يقدم آخرون أداءً ساخراً بعض الشيء. يضفي ماكينيو ورود مثلاً بعض الجوانب الغريبة إلى تسريحات شعرهما المصبوغة بألوان ساطعة، ما يؤدي إلى إضعاف مزايا غودوي اللامحدودة. في غضون ذلك، تحدّق مجموعة من الشخصيات الثانوية بالكاميرا وكأنها تشارك في نسخة مقلّدة من أعمال المخرج تيري غيليام.

يصعب لوم أحد على التمثيل المبالغ فيه أو الأداء الجامد إذا كان المسلسل يقلّد أصلاً أجواء أعمال غيليام الثقيلة والمعقدة، فيستعمل عدسات ضيقة ولقطات مقرّبة ومتواصلة من زاوية منخفضة. يفتقر العمل بكل وضوح إلى عناصر التشويق من الناحية البصرية، كتلك التي تميّز أعمال غيليام، لكنّ جوانبه المبهرجة لا تشبه أي أعمال تلفزيونية أخرى، وهو عنصر إيجابي. ومثلما تتصادم أساليب التمثيل التي يستعملها الممثلون أحياناً، تُنافس الأجواء الخيالية الطاغية على القصة ميزانية العمل التي تبدو سخية لكنها تبقى غير كافية لتقديم المستوى المطلوب. تستفيد عناصر أخرى من هذه المزايا المتفاوتة أكثر من غيرها، لا سيما مواقع التصوير (مثل قلعة ذات أسلوب قوطي وموقع انعطاف أساسي في الحلقة الثانية) وبعض التفاصيل المتفرقة (لا تُستعمل أجهزة الراديو ومكبرات الصوت مثلاً إلا عند إطعامها لقواقع كبيرة الحجم يعرضها صانعو العمل على شكل دمى). في المقابل، تبدو المعارك في أعالي البحار غير مقنعة أحياناً.

مع تقدم أحداث الموسم، يتوسع فريق «لافي» في نهاية المطاف ويشمل «أوسوب» المثير للاهتمام (جاكوب روميرو غيبسون)، وهو خبير رماية وراو منحدر من سلالة قراصنة، بالإضافة إلى «سانجي» (تاز سكايلر)، رئيس طهاة طموح وخبير في الفنون القتالية. سيكتشف المشاهدون أصله المفاجئ في مرحلة متأخرة من الموسم. يرتكز الموسم الأول على أسلوب معاصر في البث، فتُركّز اللقطات الطويلة على المواقع التي كانت تُستعمل سابقاً لتصوير الحلقات التجريبية التي تدوم لمدة مضاعفة. ونظراً إلى وفرة التفاصيل المرتبطة بخلفية الشخصيات وضيق الوقت المخصص لكل حلقة، لا مفر من أن تصبح مدة المغامرات في الحلقات محدودة. إنه أمر مؤسف لأن الوجوه الجديدة المشارِكة في العمل والأجواء الغريبة التي تطغى عليه كانت لتتماشى مع صيغة الأعمال الناجحة اليوم.

حين يحاول المسلسل تجميع عناصره المتفرقة للتطرق إلى مسألة أكثر عمقاً، هو يريد بذلك أن يناقش عدم استعداد الجيل الأكبر سناً للتنازل عن السلطة لصالح الجيل الشاب. لكن تبدو الحوارات سطحية ومصطنعة حين تحاول الشخصيات التكلم عن أهمية تحقيق الأحلام بأي ثمن. يبقى فيلم One Piece Film: Red أكثر غرابة وهوساً بدرجة معينة، لكنه يطرح تجربة عاطفية أكثر قوة رغم جوانبه الهوسية. قد تتعلق المشكلة بالعجز عن تقديم شخصيات شريرة مؤثرة، أو ربما كان الشرير في الفيلم السابق أكثر قدرة على إثارة تعاطف المشاهدين لأنه شخص مُضلَّل بدل أن يكون العقل المدبر للخطط الشريرة. في المقابل، يكون الشخص الشرير في مسلسل «نتفلكس» الجديد عبارة عن قرصان ذاتي التفكيك اسمه «باغي المهرج». لكن رغم هذا التخبّط في تقديم شخصيات خيالية من هذا النوع، يحافظ العمل على جوانب ممتعة وغريبة بفضل تميّز مفاهيمه وتفاؤله بشأن المسائل الأكثر تداولاً اليوم، حتى لو كان يقترح تدابير جزئية لمعالجة المشاكل المطروحة. باختصار، لا يمكن اعتبار المسلسل متقناً بمعنى الكلمة، لكنه ليس مملاً بأي شكل.


MISS 3