لا اتوانى عن الكتابة بأن النقد في هذه البلاد بليدٌ، تكراري، ويفتقر إلى منهجية تبنيه، وتجعله نافعاً، ويمكن التعويل عليه في بناء المعارف المناسبة لأنواع الأدب العربي، سواء القديم أو الحديث.
هذا النقد ينقل في الغالب أحوالاً وتجليات عن الإنتاجات البحثية في الجامعات العربية، ويعكس بالتالي حالة الجدب المقيم. وهي جامعات باتت تَقبل، في دراسة الدكتوراه، على سبيل المثال، أو في نشر البحوث المحكمة، من لا يحسنون غير... العربية، من دون أي لغة أجنبية.
كيف لهؤلاء أن ينتجوا علماً مناسباً وهم ضعيفو العدة المنهجية، أو تقوم عدتهم وحسب على مقاربات وصفية وتحليلية مبسطة.
هكذا تبدو أطروحات وبحوث محكمة أقل نفعاً وفطنة من بعض المتابعات الصحافية...
المشكلة منهجية، معطوفة على نقص في متابعة الجاري من بحوث في جامعات ولغات أجنبية، هنا وهناك.
وما يفاقم هذه الحالة، هو أن نقاداً أكاديميين باتوا ينصرفون إلى أعمال نقدية بمقادير عالية من التفلت من أي ضوابط لازمة في أي بحث.
المدهش في أحوال هؤلاء هو أنهم يعتقدون أنهم يُجرون مقارباتهم وفق النقد التفكيكي أو الثقافي، فيما يفتقرون إلى معرفة أكيدة بهذَين المنهجَين. هذا ما تتزايد مشاكله مع افتقار الدراسات العربية إلى "حواصل" ثقافية يمكن البناء عليها في علوم الإنسان المختلفة. كيف للنقد التفكيكي أو الثقافي أن ينتظم عمله، إذا كان لا ينبني على توصلات توفرها العلوم الإنسانية، وهي لازمة له!؟
من دون هذه التوصلات يكتفي الناقد التفكيكي أو الثقافي المحلي بما هو متاح، أي بالملخصات المتاحة والمبسطة عن هذه العلوم...
لهذا يقع مثل هذا النقد الأكاديمي في الذوقي والانطباعي والاستنسابي، أي ما لا يمكن الركون إليه.
سأثير أكثر من سؤال لإظهار ما أقول :
كيف يستقيم عمل هذا النقد الأكاديمي إذا كان لا ينبني على معاينة تاريخية واجتماعية، فضلا عن الثقافية والأدبية، لإنتاجات هذا الأدب!؟
كيف يستقيم هذا النقد إذا كان يرتكز إلى "سرديات" مكرورة، مستعادة، من دون فحص أو مراجعة، عن "أسبقية" هذا البلد أو ذاك، أو عن "عبقرية" هذا الأديب دون غيره ؟
الأكيد هو أن جانباً كبيراً من النقد الأكاديمي العربي يستعيد أساطير تأسيسية وطنية، ما ليس بعيداً عن الاحتفاء الذاتي بسياسات الحكم، أو بالرأسمال الرمزي لهذا البلد أو ذاك.
كيف يستقيم هذا النقد الأكاديمي إذا كان "يُقر" عملياً بما هو وارد في دعايات أجهزة الحكم، أو في سرديات "الوطن"، بمكانة هذا الكاتب أو ذاك، من دون أي مراجعة !؟ ألا يكون هذا النقد يستعيد بعض تعابير هذه الشعوبية السارية في أكثر تجلياتها التقليدية ؟
أما الفادح في عمل هذا النقد، فهو افتقاره الشديد إلى سردية تاريخية مناسبة لتجليات هذا الأدب، ولمسارات الأنواع الأدبية فيه. فمثل هذا التاريخ، وهذه المسارات، هي التي تفسر، وهي المعنية الأولى بالدرس، قبل "عبقرية" هذا أو ذاك...