روي أبو زيد

إستشهدوا لكنّ كلمتهم ما زالت تنبض... صحافيّو لبنان بنوا بِيَراعهم مداد التحرير!

6 أيار 2020

02 : 00

"سنبقى نعمل من أجل تكريس الحرية وتثبيت الديموقراطية واسترجاع السيادة والقرار الحر وتحصين الاستقلال وتفعيل دور لبنان في العالم حتى آخر نقطة حبر في قلوبنا وآخر نقطة دم في أقلامنا..." 


الصحافي الشهيد جبران تويني



نحمل يراعنا كمشعل حرّ ونكمل المسيرة... تصادفنا عقبات عدّة لكن الباحث عن المتاعب لا يهدأ ولا يكلّ لأنه صوت الذين لا صوت لهم وصرخة حرّة يتردّد صداها في أقبية القمع والتبعيّة.

يحتفل لبنان بعيد الشهداء في السادس من أيار منذ العام 1936، بعدما أصدر وزير الداخلية آنذاك ميشال زكور قراراً باعتباره عيداً رسمياً في لبنان، الى أن اعتمدت هذه الذكرى كتكريم عيداً لشهداء الصحافة بدءاً من العام 1977.

يناضل الصحافيون في لبنان منذ عهد العثمانيين، حين عمد والي الشام العثماني آنذاك جمال باشا الملقّب بـ"السفاح" الى إنشاء محكمة صورية في منطقة عاليه بجبل لبنان، وأصدر أحكاماً بالإعدام بحق عدد من الوطنيين في دمشق وبيروت، متّهماً إياهم بالتخطيط لإنهاء الحكم العثماني والالتحاق بالثورة العربية ومطالبتهم بالاستقلال. ونفّذت أحكام الإعدام شنقاً على دفعتين: الأولى في 21 آب 1915 والثانية في 6 أيار 1916 في ساحة الاتحاد التي عُرفت في ما بعد بساحة البرج في بيروت، لتتحول بعد ذلك الى ساحة الشهداء. وكان اختيار يوم 6 أيار مناسبة للإحتفال بهذا العيد، لأن عدد الشهداء الذين أعدموا حينها كان الأكبر. لكن ما لبث أن أضحى عيد شهداء الصحافة في لبنان، لأن معظم الذين أُعدموا كانوا من أهل الصحافة والإعلام. منهم الشيخ أحمد حسن طبارة (صاحب جريدتي "الاصلاح" و"الاتحاد العثماني")، سعيد فاضل عقل (صاحب جريدة "البيرق" في بعبدا، ورئيس تحرير عدد من الصحف أهمها "النصير" و"الاصلاح" ولسان الحال")، عبد الغني العريسي (صاحب "المفيد" و"فتى العرب" و"لسان العرب")، الامير عارف الشهاب (المحرر السياسي البارز في جريدة "المفيد"البيروتية)، الصحافي الشهير جورجي حداد (كتب في جريدة "المقتبس" في دمشق، وجريدتي "لبنان" و"الرقيب" في بيروت) وصاحبا جريدة "الأرز" فيليب وفريد الخازن.





لكنّ مسيرة النضال لم تتوقّف عند حدود الدولة العثمانية، إذ في منتصف القرن الفائت قدّم صحافيون كثر أنفسهم كشهداء على مذابح الحرية، دفاعاً عن الحرية في وطنهم. إذ في العام 1958 اغتيل الصحافي نسيب المتني، وفي العام 1966 اغتيل المفكر والصحافي المؤسس لجريدتي "الحياة" و"ذي ديلي ستار" كامل مروه.

قافلة شهداء الصحافة في لبنان طويلة جداً، ففي العام 1980 وفي خضمّ الحرب الأهلية اللبنانية تم اغتيال الصحافي المخضرم ومؤسس مجلة "الحوادث" سليم اللوزي وبعده نقيب الصحافة اللبنانية رياض طه. لربّما أدرك سمير قصير أنّ شعار "انتفاضة الاستقلال" الذي أطلقه في شباط 2005 بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قد يسلبه حياته، لكنّ هذا الصحافي الحرّ أدرك أنّ الحرية لا تحدّ بزمان أو مكان فأكمل حتى الرمق الأخير ودافع عن بيروت وحرية الشعوب العربية، ليتم اغتياله في الثاني من حزيران العام 2005 بانفجار داخل سيارته في منطقة الأشرفية. أضحى قصير "منتفضاً مستقلاً" وشهيد "ربيع بيروت" الذي نادى به وانتظره طويلاً.

حمل اليراع حينها وكان أوّل المدافعين عن الحرية إبّان إطلاقه القسم الشهير في 14 آذار 2005... هو الشهيد جبران تويني، الصحافي الحر وابن غسان تويني الذي صدح صوته في منتصف ثمانينات القرن الفائت بالأمم المتحدة وصرخ: "دعوا شعبي يعيش!".

كتب جبران في افتتاحيته الأخيرة يوم 8 كانون الأول 2005: "ليت الوزير فاروق الشرع "وزير الخارجية السوري" يفهم ويقتنع بأن عهد الوصاية السورية على لبنان قد ولّى، وبأن اللبنانيين يعرفون مصلحتهم ويغارون عليها أكثر مما يغار عليها النظام السوري الذي يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، من أجل معاودة وضع اليد على لبنان وفرض وصايته عليه، بينما هدف اللبنانيين هو تحصين استقلال بلادهم وحماية سيادة وطنهم ووحدته بعد انتفاضة الاستقلال وانسحاب القوات السورية منه".

اغتيل تويني بتفجير سيارته في المنطقة الصناعية في المكلّس في 12 كانون الأول 2005، فقتل على الفور مع إثنين من مرافقيه هما اندريه مراد ونقولا الفلوطي. وأضحى تويني شهيد "لبنان العظيم" الذي دافع عنه حتى الشهادة.

اغتيال تويني أبكى وزيرة التنمية الإدارية والإعلامية الحرة مي شدياق خلال مكوثها في مستشفى بباريس، بعد تعرّضها لمحاولة اغتيال في 25 أيلول من العام نفسه. وأصيبت شدياق آنذاك بجروح خطيرة في تفجير عبوة ناسفة بسيارتها في جونية كما فقدت يدها وساقها اليسرى.





جيزال خوري:
نفتقد أساليب النقاش في عالمنا العربي



أشارت الإعلامية جيزال خوري رئيسة مؤسسة سمير قصير وزوجة الشهيد قصير في حديث إلى "نداء الوطن" الى أنّ "حرية الصحافة لا تقترن فقط بالتعبير بل هي منظومة متكاملة تضمن هذه الحرية، بدءاً من تغيير القوانين المتعلّقة بالإعلام، وعدم ممارسة الضغوطات على أصحاب وسائل الإعلام الأحرار".

ولفتت خوري الى أنّ "قانون المطبوعات تخطّاه الزمن خصوصاً وأنه لا يضمن الحريات، ناهيك عن قانون تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي الذي يشكّل وصمة عار في أي بلد ديموقراطي، إذ أيّ ناشط على "السوشيل ميديا" يعبّر عن رأيه قد يتمّ توقيفه وحتى يساق الى المحكمة العسكرية في بعض الأحيان". ورأت أنه "لا يمكننا الحديث عن حريّة صحافة في ظلّ تحريم انتقاد الرؤساء، الزعماء، رجال الدين وغيرهم، ما يشكّل انتهاكاً لحرية الصحافة".





"دخلت أجهزة المخابرات الى مطابخ الصحافيين الاعلامية"، لفتت خوري وتابعت: "لا يمكن أن يصل الى معلومات معيّنة إن لم يكن من "أزلام" زعيم سياسي"! وقالت: "بعض الصحافيين دفع دمه ثمناً للحفاظ على الفكر الحر وتعزيز النقاش، خصوصاً وأننا نفتقد لأساليب النقاش والحوار الحر في العالم العربي"، وشدّدت على أنّ "لبنان ما زال ملاذاً آمناً للأقلام الحرة والصحافيين الأحرار، ونحن نكشف قدر المستطاع الانتهاكات التي يتعرّضون لها". وأكدت أنّ "الديموقراطية بخطر لأن الحرية بخطر وما نشهده ناتج عن خطورة النظام الليبرالي الذي يحكمنا، إذ كل المنظومة "مضروبة" في لبنان. وطننا هو واحة حرية في هذا الشرق لجأ له كل المثقفين والاعلاميين الأحرار هرباً من بلادهم للتعبير عن حريتهم، لكن يسعى البعض الى إفقاد لبنان هذه الميزة"، مضيفةً: "قال الاب ميشال حايك رحمه الله: لا وجود للموارنة من دون حرية، أما أنا فأقول لا وجود للبنان من دون حرية". وأوضحت قائلة: "نحن ما عنّا صحافة حرّة، نحن عنّا صحافيين أحرار"!

وختمت خوري: "أنا أول صحافية عربية كنت في لجنة تحكيم جائزة غييرمو كانو لحرية الصحافة المعطاة من اليونيسكو، وترأست هذا العام اللجنة كما سلّمنا الجائزة لصحافية كولومبية اسمها جينيت بيدويا ليما، كانت الأجهزة اختطفتها واغتصبتها وهي اليوم من أهم الصحافيين في بلادها".



أيمن مهنّا:
لإقرار قوانين إعلامية حديثة

لفت المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير أيمن مهنّا في حديث إلى "نداء الوطن" الى أنّ "وسائل الإعلام العريقة في لبنان قد تطوّرت على حساب الدعم المالي السياسي الذي تهبه الأحزاب وحتى بعض الدول لأغراض سياسية معيّنة،

ما تسبّب بعطل بنيوي أضعف الإستقلالية في الإعلام بالرغم من تكريس الحرية فيه". وأشار الى أنّ "هناك إعلاميين أحراراً جبابرة يحاولون العمل على تعزيز هذه الحرية على صعيدين:

الأول يكمن في مضمون ما يكتبونه والجرأة التي يعرضون فيها للأفكار والآراء، فيدفعون الثمن ليس عبر الشهادة فحسب، إذ البعض منهم اضطرّ الى المغادرة والتعبير عن فكره الحر في بلاد أخرى.

والثاني نلحظه حين يعمد البعض الى تعزيز الحرية عبر إطلاق وسائل إعلامية ONLINE يعبّرون فيها على منصات مواقع التواصل الاجتماعي. التحدي لهؤلاء ليس فقط جسدياً بل يكمن أيضاً في إيجاد النموذج الاقتصادي للحفاظ على استدامتهم وفهم عمل هذه التكنولوجيات الحديثة كي لا يذهب عملهم من دون نتيجة".





ورأى مهنّا أنه على الصحافيين الاتكال على المعرفة والحداثة ودورنا كلبنانيين مواكبة ذلك من خلال الضغط على السلطات، لإقرار قوانين إعلامية حديثة توافق العصر الذي نعيش فيه، إذ إنّ بعضها ما زال فضفاضاً ويمكن استعماله انتقاماً لجهات إعلامية معيّنة.

«يجب الضغط لمحاسبة ومعاقبة كلّ من اعتدى على الصحافيين بأي شكل من الأشكال خلال تغطياتهم الإعلامية للتظاهرات مثلاً، إن كان من قبل المتظاهرين أو قوى الأمن»، يُشدّد مهنّا، معتبراً أنه «لا يمكن حماية الصحافة في ظلّ السيطرة السياسية على بعض النقابات الصحافية». وتساءل: «إذا كانت تركيبة الأحزاب السياسية في لبنان تغيب عنها الديموقراطية إذا سنكون أغبياء إن انتظرنا منها حماية للحريات».

وختم مهنّا بالقول: «يكمن عمل مؤسسة سمير قصير في اعتماد الدقة بموضوع رفض الانتهاكات وتحديد المكامن القانونية والاقتصادية للمشاكل في الصحافة، واعتماد التقنية والمهنية بالدفاع عن الإعلام».


MISS 3