مروان الأمين

لبنان بين دوره التاريخي و"شركة للخدمات الأمنية"

12 أيلول 2023

02 : 00

تمّ الإعلان خلال إجتماع قادة G20 في الهند عن مشروع ممر إقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا. يتضمن هذا المشروع شبكة سكة حديد تمر في السعودية والإمارات والأردن وإسرائيل ومن مرفأ حيفا إلى أوروبا… كان يمكن للبنان أن يكون مكان إسرائيل، ومرفأ بيروت مكان مرفأ حيفا في هذا المشروع، لكن لبنان خارجه. هذا يعني بأننا أصبحنا خارج «المستقبل» الذي يُرسم للمنطقة.

كان يجب أن يكون لهذا المشروع وقع مزلزل على البلد، يكاد يوازي زلزال إغتيال الرئيس رفيق الحريري وتفجير المرفأ. أو ربما هذا الخروج من المستقبل هو مفعول إرتدادي للزلزالين.

هذا المشروع يعلن بشكل رسمي موت دور لبنان في المنطقة، وموت دور لبنان الجسر بين الشرق والغرب. انتهت مقولة إن مرفأ بيروت هو مرفأ دول الخليج على البحر المتوسط، وبوّابة الغرب نحو الشرق.

أفول نجم دور لبنان هو نتيجة لسطوع نجم المشروع الإيراني وسيطرته بشكلٍ كاملٍ على لبنان بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي كان قد بدأ بالتنامي مع سقوط بغداد عام 2003 التي فتحت ممراً واسعاً للنظام الإيراني لتحقيق حلم الهلال الشيعي.

أنهى «حزب الله» دور لبنان التاريخي كنافذة لدول الخليج على البحر المتوسط، ومستشفى وجامعة العرب، وعنوان للسياحة والإستثمار، ومساحة للحرية والتنوع والتلاقي، ونجح في تحويله إلى «قلعة الموت» يتحصن بها. جعل منه منبراً للشتائم والسياسات المعادية لهم، وقاعدة لتصدير الخلايا الإرهابية إلى العبدلي في الكويت وإلى البحرين والسعودية، وحُصناً لتهديد الأمن القومي السعودي من خلال دعم وتدريب الحوثيين، ولا ننتهي في تصدير الكبتاغون والتدخل العسكري في سوريا.

هذا الدور الأمني والعدواني الذي استحدثه «حزب الله» للبنان يضعه على نقيض مع دوره التاريخي ويفوق قدرة البلد على تحمله.

بعد تحويل لبنان إلى «قلعة الموت»، إتخذت دول الخليج قرارها بالإنسحاب الكلي من أي دور تعاوني أو داعم للبنان. أمّا المجتمع الدولي فقد ذهب إلى مكانٍ آخر يبحث فيه عن مساحة للتقاطع بين مصالحه من جهة وما يمكن أن يؤمنه له النفوذ الإيراني من جهة أخرى. وآخر باكورة هذا التقاطع الدولي مع «حزب الله» كان إتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل برعاية أميركية.

أنتج النفوذ الايراني دوراً مستحدثاً للبنان وهو دور أمني بحت. تكيّف المجتمع الدولي مع هذا الدور المستحدث، أصبحت نظرته للبلد محصورة في كيفية الوصول إلى تفاهمات مع «حزب الله» تحفظ الهدوء على الحدود الاسرائيلية، وتؤمن سلامة منابع النفط والغاز… يقوم «حزب الله» بالدور الأمني الذي يريده المجتمع الدولي مقابل لامبالاة دولية تجاه إطباق «حزب الله» قبضته على لبنان… «دور خدمات أمنية»، هذا أقصى ما يريده الغرب من لبنان، وهذا أقصى ما يمكن لـ»لبنان - «حزب الله» أن يقدمه.

إنّ دور لبنان التاريخي بكل ما يمثله بالنسبة للعرب وللغرب سقط، هذا النموذج الذي كان منافساً ونقيضاً لإسرائيل أسقطه «حزب الله»، وبإسقاطه هناك مستفيدان: أولاً اسرائيل التي خلت لها الساحة وأصبحت النافذة الوحيدة على البحر المتوسط التي لا بديل عنها، بحيث لن يجد مشروع الممر الإقتصادي من الهند إلى أوروبا بديلاً عن إسرائيل لإتمامه. ثانياً إيران التي تمكنت من حصر دور لبنان بالعامل الوحيد الذي يحترفه «حزب الله» ألا وهو الدور الأمني.

نجح «حزب الله» في إسقاط دور لبنان التاريخي وحوله إلى «شركة للخدمات الأمنيّة»، إلى «ڤاغنر إيرانية» في لبنان.

(*) ناشط سياسي


MISS 3