لا نلوم الأجيال الشابّة التي تحمل شهاداتها وتهرول إلى المطار لتجرّب حظّها في بلاد أخرى، فاللوم يقع على أجيال متعاقبة من اللبنانيين الذين فشلوا في بناء دولة حديثة وقادرة، أو في أسوأ الأحوال وقفوا يتفرّجون على المنظومة الفاجرة وهي تأكل المال العام والحرام، ثم استدارت على مال الناس الخاص وسرقته «بخفّة يد» تستحق عليها الجوائز العالميّة.
١ - النظام السياسي خارج الخدمة منذ زوال الوصاية وهو يتعطّل كلّ ست سنوات لأنّ التركيبة السياسية عاجزة عن انتخاب رئيس للبلاد مع علمنا المسبق أن الرئيس، أي رئيس، لا يملك عصاً سحريّة ولا الصلاحيات الواسعة لاجتراح المعجزات. تأليف الحكومات ليس وضعه أفضل، فلا تأليفها سهل ولا عملها مُرضٍ عندما تتشكّل. أمّا المجلس النيابي فتحوّل من التشريع والمحاسبة الى أعمال أخرى بينما قراره مُختزل عند بضعة أشخاص وجهات.
٢ - النظام القضائي خارج الخدمة وخارج الضمير أحياناً. فأكثره مندمج بالسياسة ومصالحها إلى حدّ بعيد ولا يجد أي إحراج في الاستفادة من قروض مدعومة ودعم سياسي وخدمات مختلفة، وفي المقابل يتفرّج بلامبالاة غريبة على توالي الجرائم الكبرى المرتكبة بحق هذا الشعب وكأنها وقعت على كوكب آخر. فلا التحقيق في انفجار المرفأ وصل الى نتيجة ولا رأينا خلال خمس سنوات تحرّك للقضاء على قدر السرقة الكُبرى والمتعمَدة لمدّخَرات شعب كامل. فالنظر في السرقات الصغيرة ودعاوى الأحوال الشخصية لا يُعفي القضاء من تقصيره الفاقع في الدفاع عن الحقوق وعن دولة القانون.
٣ – القطاع العام والخدمات العامّة خارج الخدمة وخارج الزمن أحياناً. فهي تنقسم إلى عدّة أنواع تُعرف من عناوينها ولسنا بحاجة لكثير من التفسير لشرح أوضاعها. النوع الأول هو «المغارة» والنوع الثاني هو «المتحف»، أمَا النوع الثالث فهو «الغابة». وعلى سبيل المثال فقط نسأل لماذا يكون هناك أزمة طوابع في العام 2024، لا بل السؤال الأصح لماذا تكون هناك حاجة للطوابع في العام 2024؟
٤ - الإقتصاد خارج الخدمة وفاقد الرؤية. فالمصارف سرقت مودعيها في أكبر إفلاس احتيالي في التاريخ وما زالت حتى الآن تحاضر بالقانون والحقوق وأنواع الأزمات المصرفية. أمَا معظم ما تبقّى من قطاعات فهو عبارة عن كارتيلات واحتكارات متداخلة في السياسة والأحزاب والمصالح والتهريب والتهرّب الضريبيّ. أما المبادرات الفردية فما زالت مُستفردة ومهما حاولت تبقى محكومة بظروف البلد الصعبة والمنافسة غير المتكافئة مع الشركات الأجنبية.
٥ - المجتمع المدني خارج الخدمة وبعضه خارج القانون أيضاً. فلا الثورات نجحت ولا الأحزاب لديها مشاريع واضحة لتطوير البلد وخدمة الناس، ولا آلاف الجمعيات تُعرف أهدافها الحقيقية. فالهارب من الدولة التي تتنازعها الطوائف، وقع في حفرة الجمعيات التي تعمل لحساب مُشغّلين ومموّلين وحسب دفاتر شروط لا تدخل فيها مصلحة لبنان ولا اللبنانيين إلا صُدفةً.
أيها اللبنانيون، البلد الذي تعيشون فيه خارج الخدمة حاليّاً. فنرجو منكم المحاولة لاحقاً، والمحاولة دائماً إلى أن تنجحوا في بناء دولة.
(*) خبير في التواصل الاستراتيجي