رامي الرّيس

النظام الرسمي العربي القديم سقط... فما البديل؟

16 أيلول 2023

02 : 01

الأكيد أن النظام "الرسمي" العربي بشكله القديم لم يعُد قائماً (أ ف ب)

المنطقة العربيّة تشهد تحولات كبيرة وغير مسبوقة على أكثر من صعيد، ولا سيما لناحية التفاوت الهائل في المسارات المستقبليّة بين بلدانها المختلفة. ففي الوقت الذي تتّجه فيه بعض الدول، خصوصاً الدول النفطيّة منها، نحو اتجاهات جديدة في الحداثة والتقدم الاقتصادي والازدهار، تعاني دول أخرى من الانكسارات المتتالية، وتكاد تُصنّف بأنها دول فاشلة.

ليس العنصر المالي هو المعيار الوحيد الذي يُمكن من خلاله توقع نجاح الدول أو فشلها، على الرغم من أهميته. لا بل على العكس، ثمة حالات يكون فيها المال عنصر إفساد كبير وهذا أمر شائع في عدد لا بأس به من الدول العربيّة، كما في الغالبيّة الساحقة من الدول المصنّفة في «العالم الثالث». المهم هو بناء الرؤية الاستراتيجيّة التي يُمكن من خلالها للدول أن تتطور وتنهض وتواكب المسار العالمي في الحداثة والتقدم، لا أن تبقى أسيرة الماضي وموروثاته القديمة التي قد تقف كعائق كبير في طريق تحديث المجتمعات، وهذا لا يتحقق ما لم تكن منزهةً عن الفساد. الأكيد أن النظام «الرسمي» العربي بشكله القديم لم يعد قائماً، والرابط العروبي الذي لم يكتمل أساساً بين الدول أصبح أكثر ضعفاً على ضوء الخيارات الكبرى التي اتخذها عدد من الدول في مسيرة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وتراجع الاهتمام الرسمي بقضيّة العرب المركزيّة، قضيّة فلسطين، رغم أنها لا تزال حيّة وقوية في الوجدان العربي وفي نضالات الشعب الفلسطيني نفسه. لم تكن التجربة العربيّة يوماً مكتملة، والتراجع التدريجي لفكرة القوميّة العربيّة التي نشطت منذ أواسط القرن التاسع عشر، لم تحقق نجاحاً مع نمو الفكرة القوميّة واستقلال الدول العربيّة الواحدة تلو الأخرى من نير الاستعمار أو الانتداب. لم يترافق هذا المسار التحرري، على أهميته التاريخيّة، مع بناء أنظمة ديموقراطيّة، فانتشرت العسكريتاريا والأنظمة القمعيّة في معظم أرجاء العالم العربي ما أسقط أحلام القوميين العرب وطموحاتهم بالوحدة العربيّة.

ثمّة مفارقات قاسية فرضت نفسها على الشعوب العربية قاطبة، ولا سيما مع ربط الاستقرار بالقمع. بمعنى آخر، لا تحظى الدول العربيّة بالاستقرار ما لم تحكمها أنظمة ديكتاتوريّة قمعيّة، وهذه معادلة قاسية لا يمكن الركون إليها أو القبول بها على أنها المسار الطبيعي لصيرورة التاريخ.

من غير المنطقي وضع الشعوب العربيّة بين خياري الديكتاتوريّة أو الفوضى، ففي ذلك الكثير من الظلم والكثير من الافتئات لحقوق تلك الشعوب وتطلّعاتها المستقبليّة للعيش بكرامة. ليس صحيحاً أن الشعوب العربيّة لا تستحق الديموقراطيّة، بل على العكس تماماً، إنها تستحق أن تختار من يمثلها ومن يدير العمليّة السياسيّة في بلدانها بشفافيّة وديموقراطيّة.

السؤال البديهي الذي يطرح نفسه: إذا كان النظام العربي القديم قد وضع أوزاره وطوى صفحاته القديمة ورحل، فما هو النظام العربي البديل وكيف ستكون معالمه؟ وعلى أية أسس سوف ترتكز موازين القوى الجديدة ووفقاً لأية حسابات؟ وماذا عن تنامي نفوذ الأطراف غير العربيّة في المنطقة العربيّة، وفي مقدمها إسرائيل وتركيا وإيران؟

إنها أسئلة مركزيّة عميقة لن يكون من السهل الإجابة عليها ولو أن الحاجة تبدو ملحة لمعالجة هذه القضايا الجوهريّة، ليس من الناحية النظريّة أو بمقاربات الترف الفكري، بل من خلال خطوات عمليّة وتنفيذيّة تتيح بالفعل بالحد الأدنى «ضبط» تمدّد النفوذ الخارجي في مختلف أوساط المنطقة العربيّة.

إذا كانت الفكرة العربيّة قد تعرّضت لتشوّهات عميقة وانتكاسات كبيرة وفرص نجاحها لم تعد متوفرة، أقلّه في اللحظة السياسيّة الراهنة، فإنّ الحدّ الأدنى المطلوب هو عدم السماح بانتهاكها يومياً من خلال فتح المجال للاعبين الإقليميين بأن يسرحوا ويمرحوا في الساحات العربيّة دون حسيب أو رقيب.

المنطقة مقبلة على تحولات كبيرة، على أمل ألّا يكون العرب العنصر الأضعف فيها!


MISS 3