محمد دهشة

الغلاء في صيدا يُسقط مقولة "خبّي القرش الأبيض لليوم الأسود"... الأيام كلها سوداء

8 أيار 2020

02 : 00

تحوّل الناس إلى الأولويات في الأساسيات دون الكماليات

لم يعد "التصفير" أو "التصفيق" عجباً، عند قراءة أسعار المواد الاستهلاكية، يُجدي نفعاً، أمام ذهول الناس وهي تتأفّف من الغلاء الفاحش وارتفاع الاسعار وقد طاول بمجمله طعام الفقراء الذين كانوا يعتبرونه "ملاذاً آمنا" لهم وقت الضيق، فسقطت عبارة "بفتح علبة طون لمشّي حالي"، او اشتري صحن الفول والحمص أو آكل المنقوشة او حتى رغيف فلافل، كلها باتت بعيدة المنال وناراً، امام الارتفاع الجنوبي للدولار والذي لامس 4300 ليرة لبنانية في السوق السوداء.

في جولة ميدانية لـ "نداء الوطن"، يُمكن رصد مشاهد مختلفة في المدينة تشي بطول أمد الضائقة الاقتصادية. حركة خفيفة داخل الاسواق التجارية بعدما فتحت المحال ابوابها، وتحول الناس الى الاولويات في الاساسيات دون الكماليات، اقفال غالبية محلات الصيرفة نتيجة الالتزام بالاضراب المفتوح، ازدياد عدد المتسولين وبشكل لافت، ووقوفهم لم يعد يقتصر عند المستديرات والاشارات بل تغلغل الى عمق شوارع المدينة، وتحديداً امام المحال التجارية حيث يتوافد الناس لشراء احتياجاتهم، واحيانا بثياب أنيقة توحي بأنهم ليسوا متسوّلين، يسألون الناس ثمن "ربطة خبز" او "أكلة اليوم" أو "اجرة الطريق"، ارتفاع عدد بسطات بيع العصائر الطازجة في شهر رمضان المبارك وعربات الخضار الجوالة كمصدر لتأمين لقمة العيش، بعد توقّف كثيرين عن العمل، بسبب التعبئة العامة وحال الطوارئ الصحية، او الصرف من المؤسسات والمعامل، تراجع حركة سير سيارات الاجرة لانها لم تعد تجدي نفعاً، امام "اجرة التاكسي" اليومية و"النمرة العمومية" الشهرية.

الايام سوداء

حيثما جلت في صيدا، تشعر كأن أبناء المدينة يبحثون عن "طوق نجاة" من الازمة الاقتصادية الخانقة، بعد توالي الازمات وتراكمها من تداعيات الانهيار المالي، الى الثورة الشعبية الى وباء "كورونا". ايام عصيبة لم يعرفها الصيداويون، سقطت معها مقولة "خبّي القرش الابيض لليوم الاسود"، باتت الايام كلها سوداء ومن دون اي قروش، يتساءلون بحيرة ومرارة، اين مراقبو الاقتصاد؟ من يردع جشع التجار والتلاعب بالاسعار، اذ تُسجّل على رفوف السوبرماركت بسعر، وعند المحاسبة بسعر آخر، وفق ما تقول عبير حمود لـ "نداء الوطن" التي صدمت من ارتفاع الاسعار المضطرد قبل أن تضيف "باتت أسرع من ارتفاع الدولار نفسه"، متسائلة الا يخشون الله ونقمة الفقراء؟؟ فيما يؤكد محمد بسيوني "ان أقل واجبات الدولة تفعيل الرقابة على الاسعار كي تثبت للمواطنين انها تشعر بجوعهم وفقرهم واقعاً لا كلاماً، وصولاً الى وقف جشع التجار الذي لم يعد يطاق ومحاسبة الفاسدين".




شكوى من الغلاء في صيدا



على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات "واتساب" في المدينة، تشعر بمدى الثورة والغضب. ناشطون بمختلف الاتجاهات تلاقوا على رفض استغلال الازمة، بعضهم تحدّث عن ارتفاع سعر علبة الطون من 7000 ليرة إلى 10000 ليرة وردّدوا العبارة اللبنانية الشهيرة "بتتذكروا بس كنا نقول بفتح علبة طون لمشّي حالي"؟ بعضهم الآخر تحدّث عن غلاء البطاطا والبيض والارز والجبنة وحتى سندويش الفلافل باتت بعض المحال تقدّمه بلا بندورة بسبب الغلاء.

ويقول المختار محمد بعاصيري: "لا تظلموا الفقراء والشرفاء.. كفى"، بينما ينصح مصطفى البابا "رسالتي لكل مواطن مزعوج من الاسعار، ان يشتري البديل وأؤكد لكم ان الاسعار تنهار فجأة.. والربح واقع على التجار اصلاً"، بينما يسأل محمود اليمن "هل بات الزيت ذهباً وارتفع سعره فجأة، بماذا يأكل الفقراء، بالمي كمان ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء".

صرخة وجع

وانضم الى صرخة الوجع، سائقو الشاحنات الذين أقفلوا اوتوستراد الزهراني ونفذوا اعتصاماً مفتوحاً للمطالبة بتحقيق ثلاثة مطالب: السماح بنقل "الستوكات" من البحص والرمل من الكسارات والمرامل في لبنان، تسجيل اللوحات العمومية التي تقدر بحوالى 16 الف لوحة شاحنات، عدا عن 10 آلاف لوحة سيارة "بيك آب" و"رابيد"، وهذه اللوحات تدخل الى الخزينة مبالغ طائلة أكثر من الاموال التي تسعى الدولة لاستدانتها من الخارج على حد تعبيرهم، ووقف ملاحقة القوى الأمنية الشاحنات في قضاء جزين والبقاع الغربي لانها تعمل في باقي المحافظات بصورة طبيعية.

واكد سعيد جمول باسم المعتصمين، ان المشهد على الزهراني سيبقى على حاله من الاعتصام وقطع الاوتوستراد وربما ستُتّخذ خطوات تصعيدية ما لم تُستجب مطالبهم في اطار القوانين المرعية الإجراء، مشيراً الى ان المعتصمين أبقوا الطريق الساحلية مفتوحة حيث شهدت زحمة سير خانقة بالاتجاهين وابقى السائقون مسرباً واحداً مفتوحاً على الاوتوستراد، للحالات الطارئة والاطباء والسيارات الامنية والعسكرية.

مقابل صرخة الجوع، أعلنت بلدية صيدا عن إطلاق المرحلة الثانية لتوزيع قسائم مساعدات البلدية الشرائية (بقيمة 100 ألف ليرة لبنانية لكل قسيمة) للمواطنين الصيداويين خارج نطاق صيدا الإداري وباشرت توزيعها، خطوة اضافية قامت بها البلدية لترفع عدد المساعدات المالية الى ثلاثة مليارات ليرة لبنانية، ولكن قيمة القسيمة الثانية انخفضت كثيراً نتيجة الغلاء نفسه.


MISS 3