جان كلود سعادة

الخروج من الفخ بشِراع الإقتصاد الجديد

19 أيلول 2023

02 : 00

حقيقةً لا نعرف إن كانت الخديعة مُحكمة جدّاً أمّ كنّا نريد أن نُصدّق سرديّة «النجاح من لا شيء»، لكنّ النتيجة هي نفسها في الحالتين. فقد تم إعلان وفاة النظام الإقتصادي القديم تحت وطأة ضربات الفساد والفشل والسرقة والتحاصص والكثير من التآمر على البلد والناس. في الوقت نفسه تنبّهنا الى أن الوقت لا يتوقف والحياة مستمرّة ودول المنطقة والعالم تتطوّر والتاريخ لا يتوقّف بل يكتبه الرابحون. فبعد الخراب المتعدد الأبعاد التي أنزلته المنظومة الحاكمة بالبلد، دعوا أموات المنظومة يدفنون أمواتهم، فهناك حياة أخرى خارج الحفرة التى صنعوها لإحتجازنا وأسرنا في ماضي التناحر والتخلّف ونظام تقاسم كعكة الفشل التي ضاقت وشحّت حتى اختفت. هناك حياة أخرى بالكامل خارج حفرة الجهل التى صنعها بضعة مجرمين وغطّوها بالوعود الكاذبة والإقتصاد الأجوف حتى سقطنا فيها غافلين. هناك عالم آخر يتقدّم ودول تتطوّر بينما همّ المنظومة الأول هو السرقات وجمع الثروات وتهريبها الى الجنّات الضريبة وهي بالمناسبة نوع «الجنّات» الوحيد الذي يؤمنون بوجوده.

مجموعة السياسات الخاطئة أوصلت البلد الى أزمة متعددة الأبعاد – سياسيّة، إقتصاديّة، نقديّة، ماليّة وكيانيّة أيضاً – وبما أنّ السياسة والإقتصاد مترابطان، وبما أن الإستقرار السياسي الدائم صعب جداً في بلد متنوّع ومنطقة متفجّرة، فلم يعد أمامنا سوى السعي الى حدّ أدنى من الثبات السياسي والتوافق الوطني الذي يسمح ببناء اقتصاد جديد ومتطوّر يكون هو الرافعة الوطنيّة الجامعة التي تؤمّن العيش الكريم والإستقرار والبحبوحة للجميع وبالتالي يصبح من مصلحة الجميع الحفاظ على هذا النموذج الإقتصادي وحمايته بجميع الطرق وجعل السياسة والعلاقات الخارجيّة في خدمته وليس العكس.

العبور إلى الإقتصاد الجديد

من شروط الدخول في النموذج الإقتصادي الجديد هو معالجة و «تنظيف» الوضع القائم بالقانون بهدف حفظ حقوق اللبنانيين ومحاسبة المرتكبن والمقصرين والذين تسببوا عن قصد أو عن تقصير في الأزمة الراهنة. فمن غير الممكن أن نجمع اللبنانيين حول مشروع إقتصادي مُختلف ومستقبل جديد إذا سُمح لبقايا المنظومة والمنظّمات القديمة والجديدة بسرقة ودائع المواطنين الشرفاء والسيطرة على أصول الدولة ومؤسساتها بالأموال التي تم نهبها وتهريبها من البلد. كما انّه يجب أن ننظر في خبرات الشعوب الأخرى عن كيفيّة منع المرتكبين من السياسيين والمحتكرين والمصرفيين والذين تسببّوا بالأزمة واستفادوا منها من أي يكون لهم أي دور في الإقتصاد الجديد.

من الخطوات المساعدة والتمهيديّة للعبور الى الإقتصاد الجديد التالي:

-ترشيق القطاع العام وإعادة تنظيمه مع تبدّل طبيعة الدور وتوفّر أدوات جديدة لتطوير الفعالية وتخفيض الكلفة.

-الإعتماد على الحكومة الرقميّة في المعاملات والمتابعة والدفع.

-إعادة النظر في طريقة عمل النظام التربوي الرسمي بهدف التطوير وزيادة الفعاليّة وضبط الهدر.

-تطوير النظام الضرائبي لتحقيق العدالة ومزيد من الفعاليّة.

-فتح الأسواق للمنافسة ومنع الإحتكار.

-التشدد الى أقصى الدرجات في الجباية وتحصيل الرسوم العائدة للدولة والمؤسسات العامّة.

وضع سياسة وطنيّة للعمل تُحدد حاجات القطاعات المختلفة في المديين المتوسط والطويل وكيفيّة تلبية هذه الحاجات عن طريق التنسيق والتزامن مع السياسات التربوية خصوصاً في التعليم الجامعي والمهني وبرامج التدريب المكثّف.

تبعاً لحاجات الإقتصاد يتم وضع لوائح سنويّة للقطاعات المسموح فيها بعمل الأجانب ضمن ضوابط ونسب مع الإجراءات القانونيّة المتوجّبة من تراخيص إقامة ومتابعة وضرائب.

في المرحلة الإنتقاليّة يُمكن البدء بتطعيم النظام الإقتصادي القديم بمناطق متخصّصة ذات نظام خاص وتتمتّع بكافة الخدمات الأساسية من إتصالات وماء وكهرباء وأمن ونظافة وصيانة على مدار الساعة الى أن تتوفّر هذه الخدمات تدريجيّاً لجميع المناطق والسكّان. يمكن لهذه المناطق المتخصصة أن تجذب الإستثمارت الخارجيّة المباشرة وأن تشكل بيئة متكاملة (ecosystem) لمهن أو قطاعات معيّنة.

ركائز الإقتصاد الجديد

يعتمد الإقتصاد الجديد على تطوير نقاط القوّة التي يتمتّع بها لبنان ومعالجة وتطوير مواقع الضعف مع التركيز على مواءمة الإقتصاد الجديد مع اتجاهات الإقتصاد العالمي والدور الذي يمكن للبنان أن يلعبه في تلبية حاجات المنطقة والعالم. يرتكز هذا الإقتصاد على تطوير ودعم مجموعة من القطاعات وتطوير مجموعة أخرى بهدف تأمين حاجات السوق المحلّي وتصدير المنتجات والخدمات ذات القيمة المرتفعة والتي تستطيع تأمين المداخيل والعملات الصعبة للبلد.

1 - القطاعات التي يجب التركيز عليها:

-التكنولوجيا.

-البرمجيّات.

-الإتصالات.

-الخدمات المالية الجديدة والتقنيّات الماليّة (Fintech).

-الطاقة المتجددة.

-البطّاريات.

-وسائل النقل الحديثة والكهربائيّة.

-الوسائل التعليمية الرقمية.

-الزراعات الجديدة والزراعات ذات القيمة المرتفعة (الأزهار، الكينوا، وغيرها).

2 – من القطاعات التي يجب تطويرها وتوجيهها لمزيد من الفعالية:

-الأسواق الماليّة وتفعيل وتطوير بورصة بيروت.

-الصناعات ذات القيمة المضافة المرتفعة.

-قطاعات الموهبة اللبنانية (أزياء، مجوهرات، ديكور، وغيرها).

-الرعاية الصحية المتطورة.

-الإعلام والميديا.

-الصناعات الإبداعية.

3– من القطاعات التي يجب الإستفادة من خبرتها ودعم تطوّرها وانتشارها:

-الزراعات اللبنانية الناجحة والمطلوبة من أسواق التصدير.

-الزراعات العضوية.

-الصناعات الغذائيّة ومنتجات «المطبخ اللبناني» التي يمكن تسويقها عالميّاً مع «علامات المصدر» المسجّلة.

-صناعة النبيذ والعرق اللبناني.

-الصناعات الكهربائية.

-الإنتاج الثقافي والنشر.

-صناعات التصميم والموضة.

-صناعة الذهب والمجوهرات.

هذا البلد لا تنقصه الأفكار ولا المواهب ولا يجب أن نكتفي بمراقبة نجاحات الدول الأخرى دون أن نحاول أن نبني نجاحنا الخاص. دعونا نرد الصفعة للمنظومة المجرمة التي أوصلتنا الى عمق الأزمة ونتركها في الحفرة التي صنعتها فنفرد شِراع الإقتصاد الجديد للذهاب نحو المستقبل. فإذا اجتمعت النوايا الحسنة والرُؤية فالحلول ممكنة والخروج من فشل الماضي ممكن أيضاً. فكما كانت نهاية النظام القديم بالإقتصاد، يمكن للإقتصاد الجديد ان يبنى مستقبل أفضل يجمع حوله اللبنانيين في الداخل على الإزدهار الحقيقي والبحبوحة ويستعيد ثقة ملايين المنتشرين فيصبح لبنان قادراً على المنافسة والنجاح وحجز مرتبة متقدّمة بين دول العالم.

@JeanClaudeSaade

(*)خبير متقاعد في التواصل الاستراتيجي


MISS 3