جورج العاقوري

"التكاذب الديني" اللبناني المستدام

22 أيلول 2023

02 : 00

المواطنة الحقة المحصّنة بالقوانين تشكّل رابطاً يستطيع أن يوفّر على البشرية الكثير من الاشكالات والصراعات الدموية، فهي عابرة للحواجز الدينية والعرقية والاتنية. كما أنّ بإمكانها - متى كانت هي المعيار الأساس- أن تؤمّن المساواة بالحقوق والواجبات وكذلك تكافؤ الفرص.

في المجتمعات المركّبة كلبنان، بإمكان المواطنة أن تشكّل مدخلاً لحل الكثير من المشاكل، بشرط أن تكون كاملة المواصفات لا مواطنة مجتزأة. إذ إن المساواة في المواطنة تستدعي المساواة في الخيارات على الصعد كافة بما فيها الأحوال الشخصية من زواج وإرث وكذلك في القيم الانسانية كتجريم الاغتصاب الزوجي ومنع زواج القاصرات.

هذا الأمر يتطلب مساراً نضالياً تراكمياً طويلاً إلا أنّ المناخ السياسي في البلاد وكذلك التشريعي في ساحة النجمة لا يبشّران خيراً، حيث شاهدنا تصدّياً لإقرار أي قوانين تجرّم الاغتصاب الزوجي ومنع زواج القاصرات أو تشرّع القيام بالزواج المدني على الأراضي اللبنانية.

لكن للأسف، يشكّل «التكاذب الديني» عندنا إحدى آفات لبنان القاتلة. فعوض البحث عن القواسم الانسانية الجامعة وسبل وضع حدّ للعنصرية والكراهية على أسس دينية ما يعزز ركائز التعايش بندية واحترام بين المكونات، يغالي بعضهم إلى حدّ «التكاذب» في مقاربته للمفاهيم الدينية ويقع في «مستنقع لاهوتي – فقهي» مصرّاً على الجمع بين يسوع المسيح وعيسى ابن مريم وعلى «التكامل» بين الإنجيل والقرآن.

عبر هذا النهج يُضرب جوهرا المسيحية والاسلام اللذين كخطين متوازيين لا يلتقيان لاهوتياً وفقهياً، لكن بإمكاننا أن نتلاقى كمسيحيين ومسلمين على قواسم إنسانية عدة. هذا الموقف ليس تقليلاً من شأن أي من الديانتين، وأنا المسيحي الملتزم لدي الكثير من الاصدقاء المسلمين المؤمنين والممارسين لشعائرهم.

«التكاذب الديني» اللبناني المستدام يمتهنه كثر من أهل السياسة وحتى من رجال الدين، وما كيفية مقاربة «عيد البشارة» في 25 آذار إلا خير دليل على ذلك. في هذا الإطار، كان لافتاً موقف النائب نعمة افرام الذي جاء عبر مطالعة في مؤتمر الإمام الحسين الثامن تحت عنوان «القيم الإنسانية تجمعنا»، الذي نظمه المجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات الإسلامية وحوار الأديان.

أفرام حامل لواء «مشروع وطن الانسان»– ووفق البيان الصادر – «تناول في مطالعته التكاملية بين الوجدان الإيماني في الديانات ومحوره قضية الإنسان، وبين إصلاح السياسة والدولة والمؤسسات على قاعدتي الإصلاح القيمي والإنساني، فشدد على أنّ «بناء مؤسسات الدولة لتكون في خدمة قضية الإنسان هو المشروع الجامع وهو ما نحن في أمس الحاجة إليه اليوم».

لكن للأسف، لم يلتزم أفرام حدود المواطنة والقيمة الانسانية، بل انضم إلى جوقة «التكاذب الديني» اللبناني المستدام عبر مواقف مما جاء فيها «أنا مقتنع كمسيحي مؤمن، أنه ليس من تناقض بين يسوع، كلمة الله ومن روح الله في الإسلام، وبين يسوع كلمة الله وابن الله الحي، الذي تجسّد وصار إنساناً في المسيحية». أما قوله بشكل إستباقي «لست لاهوتياً ولا فقيهاً، ولا أدعي ما أنا لست عليه، فاعذروني إذا كنت مخطئا»، فلا يعفيه من عضوية هذه الجوقة.

في المسيحية، المسيح هو ابن الله وأحد أقانيم الثالوث الاقدس وخاتم الانبياء الذي صُلب وقام في اليوم الثالث «وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم» (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس - الفصل 15 الآية 14).

في الاسلام، محمد هو نبي ورسول الله و»لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72 – سورة المائدة). كذلك، «وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚوَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا» (157- سورة النساء).

بكل محبة أنت مخطئ أيها النائب أفرام. لذا الأجدى، التوقف عن «التكاذب الديني» إحتراماً للمسيحية والاسلام والتركيز عوض عن ذلك على تعزيز مفاهيم المواطنة والمساحات الانسانية المشتركة فوحدها قد تشكّل بارقة أمل لقيام وطن.


MISS 3