ريتا ابراهيم فريد

في اليوم العالمي للتمريض

ممرّضو وممرّضات لبنان: سنبقى السدّ المنيع أمام أيّ مرض

12 أيار 2020

02 : 00

الثاني عشر من أيار، اليوم العالمي للتمريض. هم أصحاب المهنة الأكثر إنسانية. وقفوا وجهاً لوجه مع الخطر، تماماً كالمحاربين على جبهات القتال. قاتلوا جميع أنواع الأمراض، وواجهوا الحرب الأشرس مع فيروس الكورونا. تحمّلوا ساعات طويلة متواصلة من العمل، حتى باتوا أبطال الصفوف الأمامية في المعارك الصحية.

"نداء الوطن" تواصلت مع عدد من الممرضين والممرضات في لبنان، الذين تحدّثوا عن تجربتهم والإجراءات الوقائية التي تمّ اتخاذها خلال مرحلة الكورونا.



كارين غزالي: التمريض رسالة إنسانية قبل أن تكون مهنة


أشارت مسؤولة قسم العمليات في مستشفى خوري الممرضة كارين غزالي الى أنّ الطاقم التمريضي نجح اليوم في كسب ثقة الجميع، وفي إعادة مهنة التمريض الى مكانها الطبيعي. ولفتت الى أنّ حملات التقدير والشكر التي توجّه بها قسم كبير من اللبنانيين للجسم الطبي، "كان من شأنها أن تزوّدنا بقوة إضافية ودفع أقوى، وحرص على تقديم الأفضل. كما أنّ هذه الحملات وضعتنا أمام تحدٍّ أكبر كي نثبت أنّنا نستحقّ هذه الثقة"، حسب قولها.

هذا وتحدّثت كارين عن الدورات التدريبية المكثّفة التي شاركت فيها لاتخاذ كافة السبل الوقائية والإحترازية، مشيرة الى أنّها سهّلت الأمر عليهم كممرضين وممرضات، ولم يجدوا بالتالي صعوبة في العودة الى منازلهم بعد الإنتهاء من العمل. وأوضحت: "التزمنا بتطبيق كل القواعد في المستشفى والمنزل، والتخلص من ملابس العمل قبل ملاقاة العائلة، إضافة الى الاهتمام بتفاصيل النظافة وأخذ الحيطة والحذر في التباعد الإجتماعي حتى مع أقرب الناس".

كارين ترى أنّ الممرضين اليوم باتوا أمام مسؤولية أكبر، والهدف حماية صحة وحياة أبناء الوطن في ظلّ انتشار وباء كورونا، مشيرة الى أنّ التمريض هو أولاً وآخراً رسالة إنسانية قبل أن تكون مهنة. هذا ولفتت الى أنّ المستشفى التي تعمل بها، والتي عبّرت عن فخرها بالانتماء لها، وضعت خطة استعداد متكاملة لمواجهة تحدّيات أزمة انتشار الفيروس، حيث تمّ رفع الجهوزية الى أعلى مستوى، وتزويد الممرضين بكلّ المعدات اللازمة لحمايتهم، ولم يحصل أيّ تقصير في دفع الرواتب والمستحقات.






عبدالله ميقاتي: نحن الجنود المحاربون في المعركة مع الكورونا


يشير مسؤول قسم الطوارئ في مستشفى هيكل في طرابلس الممرّض عبدالله ميقاتي الى أنّ الأزمة الصحية التي يمرّ بها العالم اليوم سلّطت الضوء على دور الممرضين والممرضات في المجتمع، مشيراً الى أنّ الوسائل الإعلامية لعبت دوراً بارزاً في ذلك، وعبّر عن شكره لها، «علماً أنّ واجبنا تجاه مجتمعنا أن نعمل لرفع المستوى الصحي وتقديم كل ما نملك من معرفة لمحاربة هذا الوباء».

وعلى المستوى العائلي، اتخذ عبدالله مع زوجته (وهي ممرضة أيضاً) كل الإجراءات الوقائية اللازمة في المنزل. قاموا بعزل أولادهم عند أهل زوجته لمدّة ثلاثة أسابيع. وباتوا يرونهم فقط عن بُعد، «وهو أمر بغاية الصعوبة، حتى أنّ ابنتي الصغيرة باتت تناديني «كورونا». ولفت الى أنّه في ظلّ هذه الأزمة تبدّلت حياته العمليّة والشخصيّة على حدّ سواء: «في المستشفى مثلاً قمنا ببناء غرفتين خارج قسم الطوارئ الأساسي، مجهزتين بكل وسائل العلاج والوقاية من الكورونا. وتمّ تدريب الفريق الموجود في القسم على كيفية ارتداء وخلع ملابس الوقاية».

وعن العامل النفسي للعاملين في قسم الطوارئ، قال: «بالطبع كنّا خائفين ولكن لا أحد يُظهر هذا الخوف خاصة عندما شاهدنا صعوبة الوضع في أميركا وأوروبا. ولكن كنا نحاول أن نخفّف من هذا الخوف بالقول اننا إن شاء الله إذا اعتمدنا أساليب الوقاية العالية، فنحن سنكون بأمان». وتابع: «نحن مثل الجنود المتجهين نحو الحرب. علينا أن نكون مجهزين بالأساليب الدفاعية لاستقبال وتقديم العناية اللازمة لأي مريض مشتبه بإصابته بالكورونا. ويجب أن تكون المعنويات مرتفعة لدى فريق العمل ولديهم التدريب الكافي. فأي خطأ ممكن أن يعرّض الممرّض وفريق العمل كله للإصابة».

من ناحية أخرى، أشار عبدالله الى أنّه والممرضين في المستشفى التي يعمل فيها ينالون حقوقهم ، لكنه على تواصل مع زملاء له على كل الأراضي اللبنانية إذ أن عدداً كبيراً منهم غير حاصل على أبسط حقوقه. وأوضح: «مستشفيات عدة لم تلتزم بسلسلة الرتب والرواتب والحقوق التي وضعتها النقابة. كما أنّ لنا حقوقاً عند السلطة أيضاً، ومن أهمّها الموافقة على قانون تنظيم مهنة التمريض الجديد، فآخر قانون لتنظيم هذه المهنة كان عام 1979. ومهنة التمريض تطوّرت كثيراً خلال هذه المدة، ويجب تحديث القوانين التي تنظّم المهنة من الناحية العملية والعلمية أيضاً، فتوحّد المناهج التعليمية بإشراف النقابة». وختم بالقول: «إننا نعاني اليوم في لبنان من نقص في عدد الممرضين نسبة إلى عدد السكان. ونحذّر من ازدياد هذا النقص بسبب الأوضاع الإقتصادية، مما يعرّض القطاع الصحي في لبنان إلى أزمة».






ميرنا ناصيف: اللفتات التقديرية أثمرت قوة واندفاعاً


تعمل الممرضة ميرنا ناصيف في قسم الكورونا في مستشفى «سيدة المعونات» الجامعي، وتجربتها لها حيّز مختلف، فتقول: «أمام أشرس الحروب وأعتى الأعداء، وقف الجسم الطبي من ممرضين وممرضات وأطباء سداً منيعاً من دون كلل أو تعب لإنقاذ الأرواح». ناصيف التي أشارت الى الظلم اللاحق في هذا القطاع، اعتبرت أن اللفتات التقديرية من المجتمع ومن أصحاب الأيادي البيضاء أثمرت قوة واندفاعاً أكبر لحماية وإنقاذ المرضى. وأضافت: «كل ابتسامة مريض ولهفة أهل ورجاء شفاء، أصبح لها طعم آخر في زمن الكورونا. والدافع الأساسي الذي كان يحفّزنا على متابعة مهنتنا، هو إيماننا القوي بأننا نشارك ربنا في تأدية هذه المهنة».

«الصحة النفسية والدعم المعنوي هما أقوى سلاح وأهم مناعة للجسم لمواجهة المرض» تقول ناصيف، وتضيف: «كان لنا الدور الأساسي في تأمين الراحة والأمل والأمان لمرضانا. وكان شفاء أي مريض بمثابة جائزة نحصل عليها، وانتكاس أي مريض يجعل همنا الأساسي أن نحاول إنقاذه ونخفف الوطأة عن أهله».

أمّا عن الخطر الكبير الذي يتعرض له الممرضون في قسم الكورونا، فقالت: «من الطبيعي أن يخاف كل إنسان على نفسه وعلى عائلته. ومع فيروس كورونا ازداد هذا الخوف وسيطر علينا وأرعبنا، لأن الوباء خطير وسريع الانتشار، فبتنا نخاف من مكتبنا ومن أقلامنا ومن زملائنا في المكتب. وشعرنا أننا مكبلون وضعفاء وغير متأكدين من جهوزيتنا. لكن في النهاية هناك مريض وممرضة، وهناك وجع وتخفيف وجع، والهرب ممنوع».

وعن خوف عائلتها عليها قالت: «نحن مجتمع عائلي بامتياز وقراراتنا متعلقة بعائلتنا في أغلب الأحيان. فكيف الحال في زمن الكورونا؟ من هُنا كانت الأولوية أن نشرح لهم عن أهمية عملنا مع التزامنا بالتدابير الوقائية في العمل، وعند عودتنا الى منازلنا». وأشارت الى أنها لا يمكن أن تنسى نظرة الخوف في عيون أطفالها وعائلتها، والتردد والارتباك في أسئلتهم عندما كانوا يتحدثون إليها. فحاولت أن تخفف من ذلك بالصلاة، والقول أنها مرحلة وستنتهي.

وفي الختام، تشدّد ميرنا على أهمية الوعي والالتزام بإرشادات وزارة الصحة، «فنحن نواجه اليوم هذا الفيروس، وغداً يمكن أن نكون أمام تحدٍّ جديد. والأهمّ أن يعلم المريض والمجتمع أن المرض ليس وصمة عار أو عيب».







زينة صدقة خاطر: التقدير المعنوي هو أكثر ما يعني لنا


من جهتها، تشير مسؤولة قسم العمليات في مستشفى تل شيحا - زحلة الممرضة زينة صدقة خاطر، الى أنّ «التقدير والدعم المعنوي الذي حصل عليه الجسم الطبي، وإشادة الناس بعمل الممرضين والممرضات هو أكثر ما يعني لنا. وهو أكثر أهميّة من الدعم المادي ومن راتبنا». وتابعت: «منذ أن اخترنا التخصّص في هذا المجال، كنا نعلم أنّ مهنة التمريض ليست فقط تأدية رسالة، إنّما هذه المهنة تضعنا أيضاً تحت خطر دائم حتى في الأيام العاديّة. وهذا ما يزيد اليوم من إصرارنا على المتابعة والمواجهة في ظلّ أزمة انتشار فيروس الكورونا، رغم كل الخطر والتعب النفسي والجسدي».

وعن الوقاية، أكّدت زينة على أنّها تطبّق الإجراءات الوقائية نفسها في المستشفى وفي المنزل، لناحية تعقيم اليدين وتغيير الملابس فوراً، وخلع الأحذية خارج البيت، وذلك من أجل حماية عائلتها وأولادها. هذا وأسفت لأنّ الدولة لا تدفع مستحقّات المستشفيات كما يجب، لتتمكّن الأخيرة من الإستمرار. وختمت بالقول: «نحن كجسم طبي نختلف عن بقية القطاعات. إذ لا يسعنا أن نعلن الإضراب أو أن نتوقّف عن العمل للمطالبة بحقوقنا كما يفعل الباقون. فنحن ملتزمون بالحفاظ على حياة وصحة المرضى الموجودين في عهدتنا. وهذا الأمر يحتلّ الأولوية بالنسبة لنا قبل أي شيء».




MISS 3