الجنين البشري مزوّد بحويصلة سرية غامضة

02 : 00

يكون جنين الدجاج معزولاً عن جسم أمّه، ويقتصر مصدر غذائه على حويصلة صفراء ذهبية مليئة بالمغذيات. تنقل المشيمة الأغذية إلى أجنّة الثدييات، فلا تحتاج إلى وجبة شخصية للبقاء على قيد الحياة. لكن بعد أسبوع تقريباً على حصول الإخصاب، تستعمل حُزَم الخلايا الناشئة موارد قيّمة لإنشاء الحويصلة السرية. بحلول نهاية الثلث الأول من الحمل، يتوقّف نموّ هذا العضو المؤقّت من دون الاحتفاظ بأي كمية طعام، ثم يصبح غير قابل للرصد بحلول الأسبوع الرابع عشر.

يكشف فريق واسع من الباحثين من «معهد ويلكوم سانغر» في بريطانيا الآن أسباباً وجيهة للتمسّك بهذه الحويصلة غير النافعة ظاهرياً والمشتقة من ماضينا التطوّري العميق.

تقول طبيية الأمراض الجلدية، مظلفة حنيفة، التي أشرفت على دراسة جديدة حول مواصفات أنسجة الحويصلة السرية البشرية كجزءٍ من مبادرة «أطلس الخلايا البشرية» الدولية: «سيكون اكتشاف مسار تطوّر الحويصلة السرية خلال أول أسابيع الحمل أساسياً لفهم نموّ جهاز المناعة».

تكشف التحليلات المبنية على نماذج حيوانية متنوّعة أن الحويصلة السرية هي مصدر أولى الخلايا الدموية الناشئة في الجسم. لا تقتصر تلك الخلايا على الأنواع الحمراء التي تنقل الأوكسجين، بل تشمل أيضاً الخلايا البيضاء التي تطلق الاستجابات المناعية وتنتقل من الحويصلة إلى الكبد، ثم تصل لاحقاً إلى العظام حيث تستقرّ للمشاركة في تشكيل النخاع.

قد تبدو هذه الوظيفة واضحة، لكن تَقِلّ الدراسات التي تتطرّق إلى الحويصلة السرية البشرية تحديداً، ما يطرح أسئلة عدة حول كيفية إقامة مقارنات فاعلة.

لفهم طريقة عمل هذه الأنسجة الجنينية لدى الجنس البشري، عمد الباحثون إلى تجزئة أي أقسام من الحمض النووي الريبي الذي تنتجه الخلايا ووضعوا قائمة بالمواد المنبثقة من هذه العملية.

إلى جانب قواعد بيانات أخرى من هذا النوع، شملت هذه المكتبة المرجعية معطيات من 170 ألف خلية مأخوذة من حويصلات سرية بشرية، وطرحت دليلاً مفصّلاً فيه 15 فئة واسعة من أنواع الأنسجة التي تنتج خلايا الدم وتشارك أيضاً في مجموعة متنوّعة من أهم الوظائف الأولية.

بعد جمع عينات تغطي فترة النمو التي تتراوح بين 4 و8 أسابيع بعد الحمل، تمكّن الباحثون من تصميم جدول زمني للنشاطات، فكشف هذا الأخير أن هذه الكتلة الصغيرة من الأنسجة لها دور أساسي في إنتاج مجموعة واسعة من الأنظمة.

على غرار ما يحصل مع معظم الحيوانات الأخرى، تُستعمل الحويصلة السرية البشرية كأول مُنتِجة لخلايا الدم، وعناصر التخثر، والأنزيمات الأيضية. وحتى لو تلاشت تلك الحويصلة، يبقى دور هذه البنية العابرة مهماً لتفكيك السكريات والدهون، والتعامل مع السموم، وتسريع نمو الخلايا المناعية وانتشارها.

لكن من خلال الكشف عن العمليات الوراثية من الناحية الخلوية، رصد الباحثون اختلافات بارزة بين المسارات الخلوية والبيوكيماوية في أنسجة الحويصلات السرية البشرية وتلك الموجودة في نماذج مخبرية نموذجية مثل الفئران.

قد يُمهّد تحديد دور الحويصلة السرية في توجيه أجزاء أساسية من عملية نمونا الأولية لطرح نظريات مستقبلية حول الأمراض أو تحسين عمليات تطوير الأنسجة والأعضاء بطريقة اصطناعية.

في النهاية، يقول عالِم المعلوماتية الحيوية وأحد المشرفين على الدراسة الجديدة، أيزك غوه: «إنه أول استكشاف لمواصفات الحويصلة السرية على مستوى خلية واحدة، ما يمنحنا معلومات بالغة الأهمية عن طريقة عمل هذا العضو الأساسي في أولى مراحل النمو البشري. هو يعطينا أفكاراً جديدة عن أولى الخلايا الدموية والمناعية التي ينتجها الجسم، انطلاقاً من استنتاجات دراسات سابقة مأخوذة من «أطلس الخلايا البشرية». حتى الفترة الأخيرة، لم نكن نعرف أن الحويصلة السرية تقوم بهذه الوظائف».


نُشرت نتائـــــــــــــــج البحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــث في مجلة «ساينس».

MISS 3