مايز عبيد

"الحزب" في عكار: الحاضنة الشعبية أهم من الاستثمار السياسي

لا أهداف لنا في عكار إلا تقديم المساعدة

يعتقد كثيرون أنّ لدى «حزب الله» العديد من الأسباب لينشط في محافظة كعكّار ويعزّز حضوره فيها وينمّيه بشكل دائم. صحيحٌ أنّ وجوده السياسي والإنمائي لا يزال فتياً، لكنّ المعطيات على الأرض تؤكد أنه باقٍ في هذه المنطقة ذات الغالبية السنّية ويتمدّد. لكنّ دخول «الحزب» دخولاً واضحاً ومباشراً وعلنياً في عكار، جاء بعد ثورة 17 تشرين الأول 2019 وما تلاها من أزمات، قام «الحزب» وقتها بمدّ مناطق وقرى بالمازوت الإيراني الذي وصل إليه، وسجّل له التدخّل على خطّ انفجار خزان الوقود في «التليل» - عكار الذي وقع في العام 2021 فقدّم مساعدات مالية لأهالي الضحايا، وكذلك ساهم بتأمين الطاقة الشمسية، وآخر هذه المساعدات الخدمات الصحية والإستشفائية. يلخّص مرجع عكاري على غير صلة بـ»الحزب» هذا الدخول، بالقول: «إنّ أكثر الأسباب أهمية والتي تدفع «الحزب» للتواجد في عكار هو الحدّ من نفور القوى السنّية من أدائه، ومن هذا المنطلق يحاول دخول هذه المناطق كي يصبح طرفاً مقبولاً لديها».

تجدر الإشارة إلى أنّ دخول «الحزب» إلى عكار لا يزال محصوراً في المجالات الإنمائية وتقديم المساعدات، وهو اختار من أجل ذلك جمعية «وتعاونوا» كجمعية أهلية اجتماعية، ولم يختر أي ذراع عسكرية أو سياسية لتنفيذ مساعداته. ويؤكد مصدر ذو صلة لـ»نداء الوطن» أنّ «هذه المرحلة ليست للمناكفات السياسية أو لتسجيل النقاط بعضنا على بعض، إنما هي مرحلة تحتّم علينا الوقوف معاً من أجل الصمود في وجه الأزمة ودعم المحتاجين في المجالات الصحية والإنسانية والخدماتية، وذلك من دون تمييز بين اللبنانيين وطوائفهم ومذاهبهم».

ويضيف: «لا شك في أنّ وجودنا إنمائي خدماتي بحت لا نريد توظيفه في السياسة ولا الإنتخابات النيابية أو البلدية، ولا نريد مقابله أي مطالب، ومن لا يعجبه هذا الوجود فليقم هو بتعبئة الفراغ لنتنحّى نحن»، ويردف: «همّنا هو الناس والوحدة والتعاون بينهم، وتحقيق اللحمة الوطنية، والأمين العام لـ»حزب الله» اختار أن يقدّم هذه المساعدات باسمه الشخصي، لكي لا يحصرها أحد لاحقاً بأي هدف سياسي أو يظنّ أصحابها أن «الحزب» يريد في المقابل أي ردّ جميل سياسي، فغايتها أبعد ما تكون عن السياسة».

من جهته، يؤكد الشيخ حسن الأكومي أنّ «حزب الله» يقدّم منذ مدة مساعدات في عدة قرى ومنها قريته الحويش. ويتابع: «عندنا قدّم مساعدات صحّية وطاقة شمسية وغيرها، وأنا أشهد أنه لم يطلب مقابل ما يقدّم من خدمات أي طلب أو حاول تجيير ذلك بالسياسة، حتى أنه في فترة الإنتخابات النيابية الماضية لم يطلب منا دعم أي مرشح أو لائحة على حساب أخرى، ولم يبحث معنا في الأمر من قريب أو بعيد وكل همّه أن تعود المحبة لتسود بين اللبنانيين وتعود الأوضاع كما كانت أيام حرب تموز، عندما استقبل أبناء عكار النازحين من مناطق الجنوب والضاحية بكل ترحيب وفتحوا لهم البيوت والقلوب».

استحقاقات ولا استثمارات

في هذه الأثناء، أكثر من استحقاق مرّ على عكار خلال السنوات الأربع الماضية، أبرزها الإنتخابات النيابية وانتخابات الإفتاء السنّي، ولم يُلحظ لـ»الحزب» أي تدخّل واضح في الاستحقاقين ولم يستثمر قواعده فيها، مع أنه يمتلك هيئة ناخبة لأي استحقاق، وهي جاهزة ومؤيّدة وداعمة، تتكوّن من شخصيات اجتماعية وبلدية واختيارية ورجال دين، وحركات سياسية ومن كل الفئات. وعلى هذا الأساس أصبح وجود «الحزب» وزيارات مسؤوليه التنمويين والسياسيين إلى عكار في خانة القبول الشعبي، لكنّ ذلك لا يمنع أنّ هناك فئة من أبناء المنطقة لا تزال تتحفّظ عن هذا الوجود وتضعه في خانة التغلغل في زمن الفراغ بهدف تغيير الهوية السياسية للمنطقة، وأكثرية هذه الفئة من مؤيدي وبقايا «تيار المستقبل» وقواعد 14 آذار. ليس بين «الحزب» وسنّة عكار خلافات أعمق من السياسة، إذ كان خلاف تيار «المستقبل» و»حزب الله» هو ما يغذّي التباعد بين «الحزب» أو الشيعة وبين سنّة لبنان وعكار. في النهاية عقد سعد الحريري تسوية مع «التيار الوطني الحرّ» ومن خلفه «حزب الله» وقوى 8 آذار لكنها لم تؤد بسهولة إلى تليين موقف مؤيدي «المستقبل» وجمهور كبير من الطائفة السنيّة تجاه «الحزب»، حتى أن تيار «المستقبل» برئيسه وأمينه العام عانيا كثيراً من تأمين تمرير هذه التسوية لدى القواعد الشعبية من دون جدوى.

أمّا الأزمة الإقتصادية الأخيرة فقد استطاعت أن تفعل ما لم تفعله السياسة، وبات هناك رأي عام واسع يريد المساعدات والخدمات من أي جهة أتت بغضّ النظر عن السياسة، وبات «حزب الله» خصم الأمس اللدود طرفاً مقبولاً لدى هذه الفئة، بمقابل فئة أخرى لا تزال إلى اليوم تردّد أن «الحزب» هو سبب انكشاف البلد والمقاطعة العربية الحاصلة للبنانيين بسبب تعنّته وتدخّله في شؤون الدول العربية، ولولاه لما وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه اليوم.

ما كان مستحيلاً على «الحزب» بالأمس أصبح ممكناً اليوم، وفرض حضوره على الساحة العكارية بالخدمات في زمن غاب فيه «المستقبل» عن الظهور ولم يقدّم بالمقابل بهاء الحريري الذي يصوّر نفسه على أنه البديل أي بديل. قد تكون لـ»الحزب» أهداف سياسية وقد لا تكون، وقد يكون بالفعل هدفه استعادة حاضنة شعبية لـ»الحزب» وجمهوره في عكار كانت في يومٍ من الأيام ملاذاً لهم، لكنّ الواضح حتى حينه أن «الحزب» لم يستثمر وجوده في السياسة ولن يستثمر ولا يحتاج لذلك، على حدّ ما يقول مقرّبون منه. وقد يكون «الحزب» على حقّ في يقينه بأن حاضنة شعبية من طوائف أخرى تتقبّله وتحتضنه في وقت الشدّة أهم بكثير من نائب داعمٍ هنا أو رئيس بلدية مؤيدٍ هناك.