شربل داغر

أمين معلوف، أهو كاتب فرنكوفوني أم كاتب فرنسي؟

2 تشرين الأول 2023

02 : 00

مثل هذا السؤال طرحَه أمين معلوف على أقرانه من الكتاب الفرنسيين قبل نيف وعشر سنوات، في مقال نشره في جريدة "الموند" الفرنسية، عشية افتتاح معرض الكتاب في باريس.

هذا السؤال لم يعد ذا جدوى بعد انتخاب الكاتب ذي الأصل اللبناني سكرتيراً دائماً لـ"الاكاديمية الفرنسية" في الأسبوع الماضي، لأسباب عديدة.

فقد بات الفتى، المتحدر من أسرة المعالفة ذات الإسهام الأدبي النوعي في الثقافة العربية، ومن قرية "عين القبو" في المتن الشمالي، والذي يرقى انتقاله إلى فرنسا إلى العام 1976، قيماً عاماً على أعرق مؤسسة فرنسية، والمعنية الأولى بحياة الفرنسية، بين راهنها ومعجمها الكبير.

الأكيد ان فوز أمين معلوف مأثرة فردية، إلا أن لها طعماً لبنانياً أكيداً، بما فيه "الصمت" اللبناني "الرسمي".

فمن وَضعَ على "سيفه" الأكاديمي صورة "ماريان" (أيقونة فرنسا الجمهورية) وأرزة لبنان، كان يستحق من دون شك احتفاءً أجلى في بلد يفتقر أهله إلى أبسط أنواع الافتخار والاعتزاز بأبنائه.

فالكاتب الذي حل في مقعد كلود ليفي-شتراوس (المقعد 20) فاز مؤكداً بالمنصب العتيد لصيته الأدبي اللامع، بعد أن "انفتحت" سياسات الأكاديمية على اختيار عدد من أعضائها من غير الفرنسيين "الأصليين". هذا ما بدأ بانتخاب مارغريت يورسونار فيها، المرأة الاولى والبلجيكية الأصل، ثم تتالت الانتخابات مع كتاب فرنكوفونيين، مثل: ليوبولد سيدار سنغور، وآسيا جبار، وصولاً إلى أمين معلوف.

إلا أن انتخاب معلوف الأخير يستكمل شراكة لبنانية واسعة من أدبائه في أدب فرنسا، مع: شارل القرم، وجورج شحادة، واندريه شديد، وصلاح ستيتيه، وفينوس خوري-غاتا وغيرهم.

إلا أن انتخابه يعود، في المقام الأول،

إلى طول باع معلوف الواسع في اللغة الفرنسية. فمن يعد إلى رواياته وابحاثه، يتحقق من معرفته الواسعة بالفرنسية، بين تاريخيتها وراهنيتها.

هذا ما يعرفه عنه أعضاء الأكاديمية، في اجتماعاتهم الدورية، إذ يلتقون أسبوعياً لفحص ألفاظ الفرنسية في اتجاهَين: فحصُ ما يمكن قبوله من ألفاظ "مستجدة" لإقرار تنسيبها إلى المعاجم الفرنسية في طبعاتها السنوية. ثم فحصُ ألفاظ المعجم الكبير للفرنسية، الذي بلغ الأحرف الأخيرة، حسبما أفادني في لقائي الأخير به قبل شهور قليلة.

"الأكاديمية الفرنسية"، أعرق المؤسسات الفرنسية، منذ الربع الاول في القرن السابع عشر،

يدير أعمالها واجتماعاتها وسياساتها، كاتبٌ لبناني الأصل، دخل إلى عالم الكتاب الفرنسي قبل أربعين عاماً، ويتولى المسؤولية مدركاً لصعوبة أدوار الأكاديمية في العقود الأخيرة: تراجع مكانة الفرنسية، وتهديدها المتعاظم، ليس من الإنكليزية وحدها، بل من الإسبانية خصوصاً.

في زمن الانهيارات اللبنانية المتدافع لن نبخل بتحية لمثل هذا النجاح، الذي يؤكد بأن أبناءه- لو أتيح لهم ما يُبقيهم في بلدهم- لكانوا جددوا حضوره وألقه.


MISS 3