أوّل رئيس منتخَب ديموقراطيّاً

تونس تفقد "القايد"

08 : 27

كان السبسي يمتلك ذكاءً سياسيّاً حاداً وبراغماتيّة استثنائيّة (أ ف ب)

توفي الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي صباح أمس عن 92 عاماً، بعد ساعات على إدخاله إلى وحدة العناية الفائقة في المستشفى. ويوصف الرئيس التونسي الذي توفي قبل بضعة أشهر من انتهاء ولايته، بالسياسي المخضرم، كونه شغل مناصب عليا في الدولة منذ الاستقلال، وأصبح أوّل رئيس منتخب ديموقراطياً بالاقتراع العام في تونس العام 2014 بعد ثلاث سنوات على الثورة. وبعد النبأ الحزين، أعلن حداد وطني في تونس لسبعة أيّام وألغيت عروض المهرجانات. ويأتي ذلك قبل أشهر من استحقاقات انتخابيّة مهمّة في البلاد، مهد الربيع العربي العام 2011.

وبعد ساعات قليلة من وفاته، أعلن مجلس نوّاب الشعب التونسي أن رئيسه محمد الناصر (85 عاماً) سيتولّى الرئاسة الموَقتة للجمهوريّة بعد ظهر أمس، كما ينصّ الدستور. كذلك، أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات في تونس نبيل بفون أن الانتخابات الرئاسيّة التي كانت مقرّرة في 17 تشرين الثاني 2019، سيُقدّم موعدها اثر وفاة السبسي. وأوضح بفون أنّه أمام الناصر، الذي يتولّى مهام الرئاسة الموَقتة، "90 يوماً لتنظيم انتخابات رئاسيّة، وستُقدّم الانتخابات لاحترام المهلة المحدّدة في الدستور"، التي تنتهي في 23 تشرين الأوّل. ومن المقرّر أيضاً تنظيم انتخابات تشريعيّة في 6 تشرين الأوّل 2019. ولفت بفون إلى أن "مسألة معرفة موعد تنظيم الانتخابات الرئاسيّة قبل الانتخابات التشريعيّة أو بعدها، سيحسمه مكتب الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات"، في تاريخ لم يُحدّده.

والسبسي هو ثاني أكبر رئيس دولة سناً في العالم بعد ملكة بريطانيا إليزابيت الثانية. وقد بدت عليه علامات الضعف في شريط فيديو بثته الرئاسة الاثنين في مناسبة لقاء مع وزير الدفاع. وأوضح نجله حافظ قايد السبسي في وقت سابق أمس أن الرئيس "في العناية الفائقة في المستشفى العسكري في العاصمة، والأمور ليست على ما يرام". وكان الرئيس التونسي أدخل المستشفى لأيّام عدّة في نهاية حزيران، اثر إصابته "بوعكة صحيّة حادة". وتزامنت الوفاة مع احتفال تونس بذكرى إعلان الجمهوريّة العام 1957، الذي يُلقي خلاله رئيس الدولة عادة خطاباً.

وعمل السبسي في ظلّ رئاسة الحبيب بورقيبة ثمّ مع زين العابدين بن علي، قبل أن يُصبح أوّل رئيس منتخب ديموقراطيّاً للبلاد العام 2014، مع مهمّة ترسيخ الديموقراطيّة الناشئة في البلاد. وتُواصل تونس، مهد "الربيع العربي"، طريقها في الانتقال الديموقراطي منذ 2011 على الرغم من الأزمات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الخانقة. وشهدت البلاد هجمات جهاديّة متكرّرة منذ الاطاحة بزين العابدين بن علي.

خبرة سياسيّة

ولد السبسي لعائلة بورجوازيّة في 29 تشرين الثاني 1926 في سيدي بوسعيد، الضاحية الشماليّة للعاصمة تونس، وتابع تعليمه العالي في كليّة الحقوق في العاصمة الفرنسيّة باريس وأصبح محامياً. وبُعيد الثورة التي أطاحت في 14 كانون الثاني 2011 بنظام بن علي، عاد إلى السياسة إذ عيّنه الرئيس الانتقالي فؤاد المبزع رئيساً للحكومة في 27 شباط من العام نفسه، في مستهلّ مرحلة انتقال ديموقراطي في بلد "ثورة الياسمين". وكان السبسي يمتلك "ذكاءً سياسيّاً حاداً وبراغماتيّة استثنائيّة"، بحسب مقرّبين منه.

وكلّفه الرئيس الحبيب بورقيبة بمهام في ديوان الوزير الأوّل، في أوّل حكومة تشكّلت بعد الاستقلال سنة 1956. وتدرّج في مسؤوليّات عدّة وتولّى 3 وزارات سياديّة هي الداخلية (1965-1969) والدفاع (1969-1970) والخارجيّة (1981-1986). وفي عهد الرئيس زين العابدين بن علي، تولّى قايد السبسي رئاسة البرلمان (1990-1991). وكانت هيئة الحقيقة والكرامة المكلّفة بالتحقيق في جرائم تخصّ تجاوزات حقوق الانسان، وجّهت إليه في نيسان الفائت تهمة بكونه كان على علم بممارسات تعذيب طالت معارضين في تلك الفترة.

ويمتلك السبسي خبرة سياسيّة واسعة مكّنته من نيل منصب رئيس حكومة انتقالي في 2011، في فترة حسّاسة مرّت بها البلاد آنذاك، وتمكّن من الوصول بها إلى انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. وأسّس الباجي حزب "نداء تونس" العام 2012، ودخل به الانتخابات على قاعدة مناهضة للاسلاميين، وتمكّن من الفوز بغالبيّة مقاعد البرلمان آنذاك وبرئاسة الجمهوريّة، وأعلن في وقت لاحق دخوله في تحالف وتوافق سياسي على الحكم مع حزب "النهضة" الاسلامي.

وأصبح قايد السبسي أوّل رئيس منتخب لتونس بعد فوزه في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسيّة التي أجريت في 23 تشرين الثاني 2014 على منافسه الرئيس المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي. وحصل حينذاك على نسبة 55.68 في المئة من الأصوات مقابل 44.32 في المئة للمرزوقي. ومنذ 2015، دخل حزب الباجي في صراعات داخليّة على القيادة، وبدأت مشكلات تبرز داخل الحزب والاتهامات الموجّهة إلى نجل الرئيس حافظ قايد السبسي في السيطرة على القيادة تؤثّر على صورته، واستقال من كتلته البرلمانيّة العديد من النوّاب ليصل عددهم حاليّاً إلى 37 بعدما كانت تضمّ 86 نائباً.

وواصل الباجي العمل على قاعدة التوافق السياسي مع حزب "النهضة" إلى حدود خريف 2018، ليُعلن في موقف هزّ المشهد السياسي "نهاية التوافق"، بعدما رفض الحزب الاسلامي تغيير رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد وتشبّث في المحافظة عليه على عكس رغبة الباجي.وألغى السبسي الذي يرفع راية الدفاع عن حقوق المرأة ويتبنّى أفكار الحبيب بورقيبة في ذلك، تعميماً وزاريّاً يمنع زواج التونسيّة المسلمة من غير المسلم. كما أعلن في آب الفائت، دعمه لمشروع قانون غير مسبوق في العالم العربي، يضمن المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً في البلاد. والقانون المطبّق حالياً المستمدّ من الشريعة الاسلاميّة، يقضي بأن يرث الرجل ضعف ميراث المرأة، في حال كانا على المستوى نفسه من القرابة. ولم يُطرح مشروع القانون للمناقشة والمصادقة عليه منذ أن قدّم إلى البرلمان في تشرين الأوّل الفائت.


MISS 3