الطرق التجارية في عصر الفايكنغ امتدت على مئات الأميال وصولاً إلى القطب الشمالي

02 : 00

من المعروف أن الفايكنغ كانوا يغزون الأراضي، لكنهم كانوا تجاراً أيضاً وقد رسّخوا طرقات تجارية شهدت ازدهاراً لافتاً بين القرن الثامن والحادي عشر. تكشف دراسة جديدة الآن أن جزءاً من تلك الطرقات شمل مسافات طويلة على نحو مفاجئ، وقد كانت تربط بين مراكز تجارية حضرية واسعة ومناطق ريفية نائية اشتقت منها موارد طبيعية كثيرة.

حاول باحثون من المملكة المتحدة وأوروبا تقدير حجم تجارة الفايكنغ عبر تسليط الضوء على أمشاط الشعر الموجودة في مركز تجاري كان يعود للفايكنغ سابقاً في ألمانيا المعاصرة. كانت تلك الأمشاط مصنوعة من قرون الغزلان، لكنها تعود إلى فصيلة موجودة على بُعد مئات الكيلومترات.

كانت «هيدبي» من أهم البلدات التجارية في عصر الفايكنغ، وهي تقع بالقرب من الطرف الجنوبي لشبه جزيرة «يوتلاند» في المنطقة التي عُرِفت سابقاً باسم الدنمارك. أصبح هذا الموقع الآن جزءاً من شمال ألمانيا، مع أن البلدة بحد ذاتها باتت مهجورة منذ ألف سنة تقريباً.

كانت «هيدبي» من أكبر المستوطنات الحضرية في أوروبا خلال عصر الفايكنغ، وقد شكّلت صلة وصل بين العوالم الثقافية في بحر الشمال وبحر البلطيق، وبين الدول الاسكندنافية وشمال أوروبا.

كذلك، كانت تلك البلدة على ما يبدو معقلاً للغزلان، وقد بنى الباحثون فرضيتهم على اكتشاف 288 ألف قرن غزال في ذلك الموقع في بحث سابق. تشير هذه النتائج إلى مخلفات تشتق من إنتاج أمشاط الشعر.

من خلال دراسة الكولاجين في تلك الأمشاط، حاول الباحثون تحديد فصيلة الغزلان التي تشتق منها القرون، ما يسمح بالكشف عن أصلها الجغرافي.

إستعمل العلماء تقنية علم آثار الحيوان عن طريق قياس الطيف الكتلي واكتشفوا أن 90% من الأمشاط كان مصنوعاً من قرون حيوانات الرنة المعروفة أيضاً باسم الوعل.

بما أن قطعان حيوانات الرنة لم تكن تعيش إلا في شمال الدول الاسكندنافية، يعني ذلك أن القرون أو الأمشاط بحد ذاتها تم استيرادها إلى بلدة «هيدبي».

تذكر أبحاث سابقة أن 0.5% فقط من مخلفات القرون في «هيدبي» يشتق من حيوانات الرنة. ورغم وفرة الأدلة على وجودها في البلدة، ظهر معظمها على الأرجح في مراحل لاحقة من ذروة ازدهار البلدة، ولا شيء يشير إلى إنتاج الأمشاط في فترات سابقة هناك.

يزعم الباحثون أن هذه المعطيات كلها تشير إلى استيراد الأمشاط، مع أن بعضها قد يكون جزءاً من أغراض شخصية يملكها «أفراد متنقلون». في مطلق الأحوال، وصلت الأمشاط إلى «هيدبي» في نهاية المطاف بعد إنتاجها في أماكن أخرى، على بُعد مئات الكيلومترات من مرتفعات النروج أو السويد على الأرجح. لكن يشير استيراد الأمشاط أيضاً إلى وجود علاقات تجارية قديمة وواسعة النطاق بين «هيدبي» وأقصى الشمال.

تكشف النتائج التي توصلوا إليها أن تلك العلاقات نشأت منذ العام 800 بعد الميلاد، بعد سبع سنوات فقط على إقدام الفايكنغ على غزو «ليندسفارن» في إنكلترا، وهي الحقبة المعروفة بفجر عصر الفايكنغ.

تعليقاً على الموضوع، يقول ستيفن آشبي، عالِم آثار في جامعة يورك: «لقد بدأنا نجيب على مجموعة كاملة من الأسئلة حول توقيت السفر والتجارة في بريطانيا والدول الاسكندنافية في عصر الفايكنغ».

لا تزال المعلومات قليلة حول الحياة في ذلك العصر، بما في ذلك طريقة تنقل الناس وكيفية تواصلهم مع مختلف أجزاء عالم الفايكنغ بشكل عام.

تُعتبر الدراسة الجديدة جزءاً من نزعة بحثية مستجدة حول عصر الفايكنغ، وهي تهدف إلى فهم الروابط بين مراكز حضرية مثل بلدة «هيدبي» وبلدات في أقصى الشمال مثل «كوبانغ» أو «بيركا» في اسكندنافيا.

في النهاية، يستنتج آشبي: «يبدو البحث في «هيدبي» مثيراً للاهتمام، فهو يكشف معلومات عن الروابط بين الجبال في مرتفعات اسكندنافيا أو في القطب الشمالي منها، وهذه البلدة الكبيرة الواقعة على مدخل أوروبا القارية. هو يشير أيضاً إلى فترة معينة في القرن التاسع، حيث كانت تلك الروابط الشمالية قوية على نحو خاص».


نُشرت نتائــــــــــــــــــج الدراســــــــــــــــــــــــــة في مجلة «أنتيكويتي».

MISS 3