كوكب حديدي بحجم الأرض يدور حول نجم قريب

02 : 00

لا يمكن فهم الطبيعة من دون معرفة نطاقها. يتّضح هذا الجانب في علم الكواكب الخارجية والنظريات المرتبطة بتشكيل الكواكب. تزيد المظاهر البعيدة والغريبة في الطبيعة الضغط على النماذج العلمية المتاحة وتشجّع العلماء على التعمق في أبحاثهم.



يُعتبر كوكب «تاهاي» جزءاً من تلك المظاهر الغريبة، فهو يعود إلى الفترة فائقة القُصر ويدور حول نجمه خلال 7.7 ساعات فقط. يُعتبر هذا الكوكب أيضاً شديد الكثافة، إذ تساوي كثافته ضعف كثافة الأرض تقريباً، ما يعني أنه مصنوع من الحديد بشكلٍ شبه كامل.

إكتشف علماء الفلك كوكب «تاهاي» في بيانات جمعها «القمر الاصطناعي العابر لمسح الكواكب الخارجية» في العام 2021. لكن بدأ بحث جديد نشرته «رسائل مجلة الفيزياء الفلكية» يعيد قياس كتلة الكوكب الغريب ونصف قطره عبر تحسين القياسات المعتمدة.

كجزءٍ من البحث في العام 2021، استعمل الباحثون مطياف «الباحث الكوكبي بالسرعة الشعاعية عالية الدقة» («هاربس») في المرصد الأوروبي الجنوبي لتحديد كتلة «تاهاي» وكثافته، فاكتشفوا أن نصف قطره يساوي 72% من نصف قطر الأرض وأن كتلته تبلغ 55% من كتلة الأرض، ما يعني أنه كوكب حديدي على الأرجح وهو جزء من مخلفات كوكب أكبر حجماً بكثير.

إستعمل الباحثون في الدراسة الجديدة مطياف «هاربس» أيضاً لقياس الكوكب الصغير، وتكشف نتائجهم أنه أكثر كثافة من المستوى الذي رصده العلماء في العام 2021. تبيّن هذه المرة أن الكوكب يساوي 63% من كتلة الأرض، وقد انكمش نصف قطره من 72 إلى 70% من نصف قطر الأرض. بعبارة أخرى، تساوي كثافته ضعف كثافة الأرض.

في دراسة مختلفة من العام 2020، فشل الباحثون في تكرار البيئات الغنية بكميات فائقة من الحديد لتفسير تشكيل كوكب عطارد. وإذا كانت نماذج الأقراص تعجز عن تفسير كيفية نشوء عطارد الغني بالحديد، يعني ذلك أنها لن تتمكن من تفسير طريقة تشكيل كوكب «تاهاي». كان هذا الكوكب مختلفاً عند تشكيله على الأرجح، ثم اتخذ شكله الراهن مع مرور الوقت.

يعني «التجريد التصادمي» أن يخسر الكوكب مادته الخارجية بسبب اصطدام واحد أو أكثر. وبما أن المادة الخارجية تكون أقل كثافة من المادة الداخلية في مختلف الكواكب، أدت الاصطدامات المتكررة على الأرجح إلى زيادة كثافة كوكب «تاهاي» عبر إزالة المواد الأخف وزناً.

لكن ثمة مشكلة واحدة على الأقل في هذه النظرية: تكشف قياسات الكثافة الظاهرية للكوكب أن التجريد التصادمي نجح في نزع مواد غير الحديد من الكوكب، إذا افترضنا أن ما حصل اقتصر على هذه العملية.

تبرز ثلاثة احتمالات لتفسير ما حصل: نشأ الكوكب في بيئة غنية بالحديد، أو كان الكوكب في السابق أكبر حجماً وخسر طبقاته الخارجية بسبب الاصطدامات المتكررة، أو يُعتبر الكوكب جزءاً من مخلفات عملاق غازي ضخم اقترب من نجمه بدرجة مفرطة وتَجرّد من غلافه الغازي. أو قد لا يكفي احتمال واحد لتفسير ما حدث.

يكتب الباحثون في تقريرهم: «ربما ساهمت هذه العمليات الآنف ذكرها في نشوء تلك الكتلة الحديدية شبه الصافية المعروفة باسم تاهاي».

لا نملك اليوم إلا مجموعة احتمالات. يشبه هذا النظام الأحجيات المعقدة، ومن مسؤولية علماء الفلك أن يحلوا هذا اللغز. يُعتبر الكوكب غريباً بسبب خصائصه غير المألوفة، ويحبّ العلماء هذه الأجسام الغريبة عموماً لأنها تحفّزهم على التعمّق في أبحاثهم. إذا عجزت النظريات الراهنة عن تفسير تلك المظاهر الغريبة، يعني ذلك أنها تحتاج إلى التعديل.

في النهاية، يستنتج الباحثون: «سيكون هذا النظام الاستثنائي ومتعدد الكواكب، الذي يستضيف الكوكب المشابه للأرض وعالي الكثافة، هدفاً فريداً من نوعه لاستكشاف طريقة تشكيل الأنظمة في الفترة فائقة القُصر واقتراح سيناريوات عن مسار تنقلها».


MISS 3