إكتشاف توقيت تشكيل أولى القارات في الكون

02 : 00

تُعتبر القارات ضرورية لاستمرار الحياة على كوكب الأرض، فهي تطفو فوق وشاح الأرض اللزج، وتمنع الحرارة المنبثقة من نواة الكوكب ذلك الوشاح من التصلب وتثبيت القارات في مكانها.

تكون النواة ساخنة بسبب وجود عناصر إشعاعية تشتق من اصطدامات النجوم النيوترونية. يُفترض أن يكون احتساب توقيت تشكيل أولى القارات في الكون ممكناً إذاً. هذا ما حاولت الباحثة جين غريفز فعله. هي خبيرة في علم الفلك من «كلية الفيزياء والفلك» في جامعة «كارديف»، في ويلز. يُركّز بحثها على تكوين الكواكب وقابلية السكن فيها.

أخذت غريفز بيانات من دراسات سابقة حول الوفرة النجمية لعناصر مختلفة، ثم جمعتها مع أعمار النجوم وراقبت مجموعتَين منفصلتين من النجوم للتوصل إلى أدق نتائج ممكنة: نجوم بأقراص رقيقة، ونجوم بأقراص سميكة. تكون المجموعة الأولى أحدث من المجموعة الثانية وأكثر غنى بالمعادن عموماً.

تشير النتائج إلى قيمة متوسطة لتوقيت ظهور القارات على كوكب الأرض. ظهرت الصفائح التكتونية على الأرض منذ 3 مليارات سنة تقريباً، أي بعد 9.5 مليارات سنة على بدء الكون. وفق عيّنة غريفز، ظهرت أولى القارات قبل مليارَي سنة من ظهور النجوم ذات الأقراص الرقيقة على الأرض. أما النجوم ذات الأقراص السميكة، فقد أنتجت الكواكب الصخرية التي تشمل قارات ظهرت في حقبة سابقة، قبل 4 أو 5 مليارات سنة من تكوين الأرض.

تبيّن أيضاً أن القارات تتشكل في معظم الكواكب بوتيرة أبطأ من الأرض. تحتاج الكواكب إلى كميات مناسبة من الحر لتشكيل القارات، ويكون الحرّ المفرط سلبياً.

تشكّلت القارات في جميع الكواكب الخاضعة للدراسة في العيّنة التي اختارتها غريفز بوتيرة أسرع من الأرض، ما يعني أن الحياة المتقدمة ممكنة هناك، حتى أنها قد تكون أكثر تقدماً من حياتنا على الأرض.

كذلك، تبدو النجوم ذات الأقراص السميكة مثيرة للاهتمام لأنها طوّرت القارات بسرعة على الأرجح. توضح غريفز: «تبدو أنظمة الأقراص السميكة أكثر تقدماً بكثير، وهي تستحق المزيد من الاستشكاف. من بين جميع النجوم التي تشمل كواكب خارجية، تقتصر نسبة النجوم ذات الأقراص السميكة على 7%».

لن ينطلق «مرصد العوالم الصالحة للسكن» قبل سنوات، وتملك الأوساط العلمية الوقت الكافي لتحديد معاييرها البحثية ومواصفات أفضل المواقع المستهدفة.

تضيف غريفز: «يقتصر مرصد العوالم الصالحة للسكن على 46 نجماً من فئة «إف» أو «جي» أو «كي» في قائمة أهداف الدرجة الأولى، لكن تشمل نتائجنا 15 منها. إذا تأكدت صحة النتائج الجديدة، قد تشمل هذه العينة وحدها نظامَين بمحيطات حيوية أكثر تقدماً من كوكب الأرض. تبدو فرصة إيجاد كواكب صالحة للسكن مع قارات قديمة فيها إيجابية. نحن أمام مشهد واعد جداً، فقد تسمح لنا هذه النتائج باكتشاف كواكب خارجية صخرية فيها قارات، بما أن النجوم المجاورة مثل الشمس سبق وأنتجت مجموعة محتملة من المساحات المضيفة».

تقضي الخطوة المقبلة باستكشاف الوفرة النجمية في نظائر الثوريوم والبوتاسيوم المسؤولة عن التدفئة الإشعاعية. قد يسمح هذا الاكتشاف بإيجاد أنظمة قديمة بدأت الحياة فيها قبل الأرض بفترة طويلة.

تُعتبر حرارة الكوكب الداخلية أساسية لأنها تتحكم بالغلاف المغناطيسي الذي يدعم استمرار الحياة، حتى أنها تشارك في تهيئة الظروف المناسبة للصفائح التكتونية والقارات.

تشير أبحاث سابقة إلى احتمال وجود كواكب مشابهة للأرض ومليئة بالقارات منذ حقبة سابقة من تاريخ المجرات. لكن يفتقر العلماء حتى الآن إلى معلومات كافية حول الكواكب الخارجية، وصلاحيتها للسكن، والتدفئة الإشعاعية، والقارات والصفائح التكتونية، ومسائل أخرى كثيرة.

لا يمكن التأكيد إذاً على إيجاد مظاهر حياة في تلك الكواكب أو تحديد بيئتها الجيوفيزيائية. كل ما يمكننا فعله هو التنبه إلى كوكب الأرض، ومتابعة بناء التلسكوبات الفاعلة، والتحلي بالصبر.


MISS 3