تسرّب محتمل في نواة كوكب الأرض

02 : 00

قد تكون الكميات الاستثنائية من نظير الهيليوم داخل صخور عمرها 62 مليون سنة في القطب الشمالي أفضل دليل حتى الآن على حصول تسرّب بطيء في نواة كوكب الأرض.

انطلاقاً من نتائج تحليل سابق لتدفقات الحمم البركانية القديمة، أصبح فريق من علماء الجيوكيمياء في «معهد وودز هول لعلوم المحيطات» و»معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا» أكثر اقتناعاً اليوم بأن الهيليوم الذي بقي عالقاً في النواة أثناء تشكّل الكوكب بدأ يتجه نحو السطح.

الهيليوم ليس من النوع الذي يقيم الصداقات بسهولة. بما أنه خفيف وغير تفاعلي، تتراجع العوامل التي تمنع الغاز من الانتشار إلى خارج الصخور المكشوفة والتوجه نحو الغلاف الجوي وصولاً إلى الفضاء. هذا ما يجعل الهيليوم مادة نادرة على نحو مفاجئ فوق سطح الأرض. لكن تبقى كمية الهيليوم التي لا تزال عالقة تحت أقدامنا من أكبر الألغاز في عالم الجيولوجيا.

بعد مرور حوالى 4.6 مليارات سنة على قذف الحمم البركانية، كان يُفترض أن تُقذَف معظم كميات الهيليوم التي ابتلعتها الأرض في بداية نشوئها إلى مكان بعيد، ما يعني أن أي آثار للغاز الموجود في كميات جديدة نسبياً من الصخور البركانية تشتق على الأرجح من جيوب وشاح الأرض التي لم تقذف الهيليوم الموجود فيها بعد أو من مخزون احتياطي يشهد تسرّباً بطيئاً.

منذ بضع سنوات، اكتشف عالِم الجيوكيمياء فوريست هورتون من «معهد وودز هول لعلوم المحيطات» نظائر هيليوم بنسبة أعلى بخمسين مرة من المستويات الموجودة في الغلاف الجوي، داخل عيّنات من معدن الأوليفين كانت قد جُمِعت من حقول الحمم البركانية في جزيرة «بافن» الكندية، ما يجعلها وافرة حتى بالنسبة إلى وشاح الأرض.

كانت هذه الكمية غير المألوفة من الهيليوم-3 موجودة أيضاً في الحمم البركانية المأخوذة من أيسلندا، على جزء من القشرة التي يُفترض أن تقع فوق حزامها الناقل لنشاطات الوشاح.

لم يستبعد هورتون وفريقه احتمال أن تكون هذه الظاهرة مجرّد صدفة، لكنهم تساءلوا أيضاً عن احتمال أن تتلقى هاتان النقطتان الساخنتان الهيليوم من خزان قديم ومجاور للوشاح.

لكن يبدو الآن أن حدسهم الداخلي كان صائباً. شمل أحدث تحليل قاموا به مجموعة من معادن الأوليفين المأخوذة من عشرات المواقع المحميّة في أنحاء «بافن» والجزر المحيطة بها، فتوصّلوا إلى أعلى كمية على الإطلاق من الهيليوم-3 نسبةً إلى الهيليوم-4 في الصخور البركانية، ما يساوي كمية أكبر بسبعين مرة من أي عنصر آخر موجود في الغلاف الجوي.

من خلال أخذ كميات نظائر أخرى بالاعتبار، بما في ذلك السترونتيوم والنيوديميوم، قد يستبعد الباحثون العوامل التي غيّرت على الأرجح هوية الهيليوم بعد الانفجار البركاني، ما يدعم الفكرة المتعلقة بأصل الغاز غير المألوف.

كذلك، يتماشى قياس كمية نظائر النيون (نوع آخر من الغازات النبيلة) مع الظروف التي كانت قائمة عند تجميع الأرض منذ مليارات السنين.

لن يكون تعقب النيون والهيليوم في نواة الأرض عملاً جامحاً بقدر ما يوحي به للوهلة الأولى. تكشف التجارب التي تحاكي الديناميكا الحرارية، والضغوط، وتركيبة عمق الأرض، أن مخزوناً احتياطياً من الغازات النبيلة العالقة في النواة كان يمكن حمايته أثناء نمو الأرض قبل أن يتسرب إلى الوشاح المجاور مع مرور الوقت.

تقبع نواة الأرض وراء آلاف الكيلومترات من الصخور الكثيفة والساخنة ويصعب الوصول إليها. لدراسة تلك النواة، تقضي الطريقة الوحيدة إذاً بالإصغاء بإمعان إلى طبيعة الأصداء المترددة تحت سطح الكوكب.

إذا كان التسرّب موجوداً، قد نحصل على طريقة أخرى لدراسة جوانبه، فنتعلّم بعض المسائل عن كيفية تشكيل الكواكب التي تشبه الأرض، انطلاقاً من حفنة غبار وغاز بدائي.

نُشرت نتائج الـــــــــــــبـــــــــــــحـــــــــــــــــث في مجلة «ناتشر».


MISS 3