شربل داغر

صلاح ستيتيه وشعرية الافتتان

23 أيار 2020

02 : 00

كثيرون احتفوا ويحتفـــون بغياب الشاعر صلاح ستيتيه (1929 - 2020)، فيما قد غاب عن جمهوره، عن أقرب المقربين منه، منذ سنوات، في "بيت الراحة" (كما يسمى في فرنسا)، وفي خليط الذكريات.

نهاية لا تناسب، ولا تترجم ما كانت عليه حياة هذا الشاعر اللامع بالفرنسية، وهذا الدبلوماسي المتميز في منظمة اليونيسكو...

من يتمُّ وداعه، بغيابه، أبعد من شاعر معروف دولياً، ومترجَم الى اكثر من لغة. فله إنتاج كتابي متعدد وخصب، وألمعية شعرية ملونة التقاطيع، فيما كان شعرٌ فرنسي يجفّ في ينابيعه الاخيرة. لن يتأخر ستيتيه عن الكتابة، ذات يوم، إنه من مواليد قوس قزح، بل إنه لون وحسب (مثلما كتب بول كلي قبله). كما سيكتب: "الازرق وطن". هذا الافتتان اللوني متوسطي، لبناني حكماً، يغرف من زاد ما حصله في سماء بيروت، ومن معين مدرسة المنظر اللبناني في ثلاثينات القرن المنصرم، ومن الافتتان الكتابي والعناية الغنائية بجمال الموقع.

افتتانٌ واحتفاءٌ، ما يجعل الشاعر اقرب الى الباني الجمالي، على أن القصيدة كيان بديل، بل "الحقيقة" (مثلما وصف سعيد عقل لبنان في مقدمة "قدموس" في الثلاثينات عينها). لهذا بقي ستيتيه، في شعره، أميناً لتلك الجذوة البعيدة، التي علمته الشعر (بالعربية) مع والده، وفي مناخ الأمل بما يعد به لبنانٌ "كبير". وهو ما التقى، بمثاليته، بشعر بول فاليري، الذي بقي الاقرب الى خزينه الشعري. وهذا ما تطلع إليه في شعر ستيفان مالارميه مثل بلوغ ختامي لكيان القصيدة... وكان، في ذلك، يُخلي الارض من موجوداتها، من عناصرها، لكي يهوى تأليفها، "تأثيثها"، من جديد: بقوة التسامي، وبعنفوان الكلمة. وهو ما تعزز بزاد صوفي، في مساعيه الكتابية الاخيرة (بين شعر وتأمل فني)، أمدَّه بسعةِ فضاء، من دون حاجة إلى تجارب الحياة نفسها.

لهذا يبقى ستيتيه شاعراً لبنانياً، ولكن بلغة فرنسية. وسيط على وزن متوسطي. بل يمكن اعتباره (مع غيره) من صانعي الافتتان اللبناني بالفرنسية، وبوطن جمالي قريب من المتعاليات، من دون أن تخدشه الفتنة في الحرب.


MISS 3