رمال جوني

في بنت جبيل الحياة شبه طبيعية

23 تشرين الأول 2023

02 : 00

سوق بنت جبيل

وسط سوق بنت جبيل الأثري، يجلس تحسين مصطفى برفقة مجموعة من أبناء البلدة، يحتل الواقع الأمني حيزاً من حديثهم، خاصة بعدما بدأت بنت جبيل تخلو من أهلها، وأقفلت معظم محالها التجارية. يقول تحسين الرجل الستيني إنّ بنت جبيل ما زالت بألف خير، واقعها التجاري لم يتأثر كثيراً بالأحداث الأمنية، قلة فقط أقفلت أبوابها، ما زال اللحم والخبز والطعام حتى الملابس متوافرة وأبواب معظم المحال مشرعة».

أرخت الحرب الدائرة عند الحدود بثقلها على بنت جبيل، بوابة التحرير، وإن لم يكن له انعكاس كبير أقله حتى الساعة، غير أنّ كل المؤشرات تشي بأن الوضع في المدينة ليس على ما يرام.

داخل السوق، تكاد الحركة تكون شبه معدومة، على عكس السوق الخلفية، معظم محال هذه السوق التي تبيع الخضار والهواتف والأدوات المنزلية، مفتوحة، ومعظم رواد هذه المحال من التابعية السورية.

اللافت هنا، كما في العديد من القرى المجاورة الحضور السوري حتى في الحقول، عند الطريق المؤدية إلى بنت جبيل، يرعى تيسير السوري قطيعه، يكاد صوت القصف لا يهدأ، يصل إلى مسمعه، ومع ذلك يقول «لوين بدنا نروح باقيين هنا».

هذا الواقع يؤكده تحسين الذي يؤكد أن من غادر بنت جبيل همه الأطفال والنساء، فيما الرجال والكبار بقينا لحماية البلدة، لأنه كما قال «ما فيك تترك الضيعة فاضية».

تستعيد بنت جبيل واقعها المقاوم، فهي مهد النضال منذ عام 1920 حتى اليوم، ولقّبت ببوابة التحرير، هذه الرمزية جعلتها تصمد ولو بالحد الأدنى، لم تسجل نسبة نزوح كبيرة من البلدة، غير أنّ الطرقات شبه فارغة، وحدها رندا التي تملك محلاً لبيع الألبسة قررت أن تفتح، تريد أن تؤكد أنّ الوضع جيد، ولا شيء يستدعي القلق، في حسابات رندا الحياة طبيعية، غير أن الناس هي من فرضت الخوف.

تقف رندا في محلها، تدرك أنّ حركة البيع شبه متوقفة، ومع ذلك ترفض البقاء في المنزل، وعلى حد قولها «كيف نعيش إذا لم نعمل»، تعتمد على محلها في تأمين متطلبات عائلتها، ترفض فكرة المغادرة بالمطلق، وتقول «لماذا عند كل طلقة رصاص يفترض بنا توضيب ملابسنا لنرحل؟».

تتمايز بنت جبيل عن سواها من قرى الجوار، قد تكون البلدة الأكثر نشاطاً تجارياً مقارنة بحالة الشلل التي أصابت بليدا مثلاً، التي فرغت كلياً من سكانها. وهذا ما يشير إليه مختار بنت جبيل محمد عسيلي الذي رأى أنّ الحركة التجارية في المدينة ما زالت مقبولة، فأصحاب المحال يفتحونها كل يوم، ويغادرون البلدة ليلاً.

مما لا شك فيه أنّ حالاً من الحذر والترقب تسود بنت جبيل، تحديداً بعدما طالها القصف عند أطرافها لأول مرة فجر الأحد، ما عزز حال القلق عند السكان بزعم عسيلي الذي يصف الواقع بأنه «شبه نزوح، يأتون صباحاً ويرحلون مساء».

وحول الوجود السوري يقول عسيلي إنهم يعملون في قطاف الزيتون، ولا يمكن الاستغناء عن اليد العاملة السورية. بطبيعة الحال يؤرق الوجود السوري كل القرى، وليس فقط بنت جبيل، وتحديداً لجهة السرقات، وهنا يعقّب عسيلي بالقول إن البلدية اتخذت تدابير صارمة في حقّ السوريين، ووضعتهم تحت المتابعة اليومية، ووضعت خطة للتعامل معهم».

وأردف قائلاً «بيوتنا ليست متروكة فهناك من يحميها. لا يختلف اثنان على أنّ كلفة النزوح باهظة، وليست في متناول الجميع»، غير أنّ الوضع مختلف في بنت جبيل حيث يقول عسيلي إن «70 % من سكان بنت جبيل في الاغتراب و10% فقط في البلدة وهم يعتمدون على أموال الاغتراب وهو ما يخفف الضغط المعيشي والاقتصادي، إذ يغطي الاغتراب اليوم كل نفقات النزوح».


MISS 3