جوزيف حبيب

أميركا في مواجهة "الطوفان"... عيون الأعداء شاخصة!

23 تشرين الأول 2023

02 : 00

المدمّرة "يو أس أس كارني" خلال إسقاطها صواريخ ومسيّرات حوثيّة الأسبوع الماضي (القيادة المركزية الأميركية)

فرضت «الخطوة الهجومية» الإيرانية على طاولة الشطرنج الشرق أوسطية عبر عملية «طوفان الأقصى» المُنفّذة من قِبل «البيدق الحمساوي»، تحدّيات عسكرية وجيوسياسية وديبلوماسية هائلة على السياسة الخارجية لبلاد «العم سام»، التي كانت تنحو لتعزيز «ثقلها الاستراتيجي» في أقصى شرق آسيا بغية مُحاصرة تمدّد «التنين الأصفر»، المُنافس الجدّي الوحيد للأمبراطورية الأميركية، في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وعموم منطقة المحيطَين الهندي والهادئ.

رَفعت الولايات المتحدة مستوى تأهّب قوّاتها في المنطقة وزادت تعزيزاتها العسكرية الدفاعية والهجومية، فيما وضعت خطّة طوارئ احترازية للاستعداد لنشر قوات إضافية بسرعة فائقة عند الحاجة. فمِن جهة، تُنفّذ واشنطن استعراضاً «رادعاً» للقوّة في وجه أعدائها، ومن جهة أخرى، تُهيّئ آلتها الحربية لاحتمال توسّع رقعة «الطوفان» حال دخول «أذرع» الجمهورية الإسلامية في الحرب، أو حتّى إيران نفسها. تضرب واشنطن الحساب للسيناريوات الأكثر تطرّفاً لكي تكون كلّ الأصول والأدوات والموارد اللازمة لـ»حرب شاملة» تحت تصرّف القيادة المركزية للجيش الأميركي.

القضية بالنسبة إلى الولايات المتحدة تتخطّى مسألة الدفاع عن حليفتها إسرائيل البديهية، فعيون أعداء واشنطن الدوليين، خصوصاً في بكين وموسكو وبيونغ يانغ، شاخصة إلى المنطقة تُراقب كيفية تعامل الجيش الأميركي مع التحدّيات العسكرية المستجدّة عليه، ومدى استعداد صانع القرار السياسي والعسكري في واشنطن لإعطاء الأمر باستخدام القوّة للدفاع عن الوجود الأميركي وحلفائه ومصالحه، وهو يتعرّض لامتحانات «جسّ نبض» متتالية بالصواريخ والمسيّرات من سوريا والعراق وصولاً إلى اليمن.

لا مكان للتهاون مع «الميليشيات الإيرانية» إذا ما أرادت الإدارة الأميركية الحفاظ على سلامة جنودها المنتشرين في الشرق الأوسط وتحصين وجودها وتأمين مصالحها، والبعث برسالة إلى كلّ من يعنيه الأمر حول العالم أن أي تجاوز للخطوط الأميركية الحمر سيُقابل بردّ عسكري قاسٍ من واشنطن، حسب «العقل الأمني» الأميركي. وهذا ما يستدعي، وفق هذا المنطق، ردّاً أميركيّاً فوريّاً وحاسماً على الهجمات الصاروخية والمسيّرة التي تستهدف القواعد الأميركية في المنطقة، لأنّ أي تقاعس أو تباطؤ في «الردّ الإنتقامي الرادع» سيُفاقم تدهور البيئة الأمنية بدل الحفاظ على «الستاتيكو» القائم.

تقف المنطقة قاب قوسين أو أدنى من حرب متعدّدة الجبهات والساحات، خصوصاً أنّ الدولة العبرية تتصرّف كـ»الذئب الجريح» المُصمّم على إفناء حركة «حماس» وإلغائها من الوجود، أو أقلّه «استئصالها» سياسيّاً وأمنيّاً وعسكريّاً من «خاصرته الرخوة»، وربّما تصفية الحساب مع الوجود الفلسطيني برمّته في قطاع غزة بالتهجير، ما سيؤدّي إلى تسعير الحرب وتعميق أبعادها الدينية وتوسيع نطاقها في الإقليم بشكل سريع وجنوني.

إنّ الساحات مترابطة بشكل متشعّب بفِعل انتشار «أذرع» الأخطبوط الإيراني وتغلغلها في مجتمعات المنطقة، بالتوازي مع نجاح طهران في استثمار قضية حساسة عند الشعوب الإسلامية بحجم القضية الفلسطينية، واستخدامها لهذه «الورقة الرابحة» للإنتقال من «الوضعية الدفاعية» إلى «الوضعية الهجومية» عبر حرب بالوكالة ردّت، حتّى اللحظة، صاع «الحرب السرّية» التي خاضتها تل أبيب في «العمق الإيراني»، صاعَين مدوّيَين في الهجوم المباغت يوم السابع من تشرين الأوّل على «غلاف غزة»، الذي هزّ «الأعماق» المجتمعية والسياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية، ووصلت تردّداته إلى المجتمعات الغربية والجاليات اليهودية في أنحاء المعمورة كافة.

وسط هذا المشهد القاتم تسير واشنطن على نهج المبدأ القائل: «تمنّى الأفضل، خطّط للأسوأ وتجهّز للمفاجآت!»، مع علمها مسبقاً أن أعداءها ولاعبين آخرين يُراقبون تحرّكاتها وخطواتها ومبادراتها وردّات فعلها ببالغ الدقّة، لاستخلاص العِبر من مختلف محطّات «المواجهة المفتوحة» في الشرق الأوسط، لتهيئة جيوشهم وتنويع خياراتهم وتوسيع «هامش المناورة» لديهم والاستعداد لاقتناص الفرص، إنطلاقاً من أوكرانيا وشرق أوروبا والبلقان، مروراً بالقوقاز ووسط آسيا، وصولاً إلى شبه الجزيرة الكورية ومنطقة المحيطَين الهندي والهادئ، حيث النار المشتعلة قد تتمدّد ألسنتها الحارقة والبراكين النشطة قد تقذف حممها القاتلة عندما تحين اللحظة الموَاتية.


MISS 3