روي أبو زيد

أصدر كتاباً يعكس الواقع المرير لجائحة كورونا

اسكندر نجار: على الثورة في لبنان أن تُنظّم

27 أيار 2020

02 : 00

يعمد الكاتب الفرنكوفوني اسكندر نجار الى وضع الإصبع على الجرح وتسطير الأحداث بيراع يعتمد الواقعية ويحدّد الأطر الإنسانية لدفع القارئ الى الغوص في أعماقه وإيجاد الحقيقة المدفونة في داخله. وأصدر نجار أخيراً رواية تتحدّث عن جائحة كورونا. فما مميّزات هذا الكتاب وما الذي أراد نجار إيصاله عبر صفحاته؟


كيف تغيّرت نظرتك الى الحياة في ظلّ أزمــــــة كورونا؟


لا شكّ في أنّ هذه التجربة كانت صعبة على الجميع، لا سيما وأنها شلّت الكرة الأرضية وأجبرت ملايين الناس على ملازمة منازلهم، كما قطعت طرق التواصل وأقفلت المدارس والجامعات والمتاجر والمكاتب.

اللافت في هذه الازمة أنها وضعت أناساً من بلدان مختلفة أمام التجربة نفسها، فخلقت نوعاً من "الأخوّة" والتضامن في هذه المحنة، على رغم أنّ بعض السياسيين حاولوا استغلال الوباء لمهاجمة خصومهم (كالصين) أو للتقوقع خشية من "الغرباء"!

إنسانياً، فقد دفعت هذه الأزمة الناس الى إعادة النظر في الأولويات، والى مقاربة الزمن والوقت بصورة مختلفة. كما دفعتنا الى العودة الى الذات والتأمّل. لكنّها بالمقابل ولّدت شرخاً بين جيل الشباب والمسنّين وستؤدي الى أزمة إقتصادية خانقة ستنتج عنها أعداد هائلة من العاطلين عن العمل وإقفال العديد من المؤسسات لا سيما في لبنان حيث نعاني قبل الكورونا من أزمات إقتصادية ومالية.

برأيك هل سيتّخذ الناس العِبر بعد هذه المرحلة أم سينسونها فور عودة الحياة الى طبيعتها؟

بعد الحرب العالمية الثانية، اعتقد البعض أنّ نشوء الأمم المتحدة سيضع حدّاً للحروب وأنّ قادة العالم استخلصوا العبر من تجربة الحرب. لكنّ الحروب بقيت موجودة والضحايا تُحصد بالمئات يومياً. أخشى ألا يتعلّم قادتنا شيئاً من هذه التجربة المريرة!

لكني آمل أن يعي جيل الشباب أهميّة البيئة والصحة فينكبّ في المستقبل على حماية هذين المجالين الحيويين لما يصبّ في مصلحة البشرية.

أخبرنا عن إصدارك الجديد ولماذا اخترت هذا التوقيت تحديداً لنشره؟

يتكلّم الكاتب الفرنسي ألبير كامو عن "عناد الشهادة"، أي أنه يقتضي على الكاتب أن يكون شاهداً في عصره بعناد وإصرار.

هذه الشهادة هي الوسيلة الفضلى لمحاربة الجريمة أو الكارثة تماماً كما في وضعنا الحالي. فارتأيتُ انطلاقاً من هذه القناعة أن أكتب عن الواقع المرير الذي نعيشه عن طريق رواية يتنقّل فيها الراوي بين ثمانية بلدان مختلفة هي الصين، اليابان، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، إيران، لبنان والولايات المتحدة الأميركية. ويدخل القارئ الى ذاتية ثمانية أشخاص متواجدين في هذه البلدان فيرى من خلالهم كيف يتعاملون مع وباء كورونا وما هي العقبات الإنسانية والصحية والسياسية والأمنية التي يواجهونها.

تناولتُ في هذا الكتاب "الفصل الأول" من المأساة التي نعاني منها، أي الأشهر الأولى من أزمة كورونا. ووضعتها بصورة روائية لأن البدايات هي دائماً محورية ومهمّة في تاريخ الحروب والأزمات وحتى في قصص الحب!

كيف يمكن ترجمة أفكار الناس وهواجسهم في كتاب؟

الكاتب منخرط في المجتمع ولا يعيش في برجه العالي. هو مراقب دقيق لمعاناة الناس ولكيفية مواجهتهم الكارثة التي اجتاحت العالم. ارتأيتُ إذاً أن أدخل الى خصوصيّة شخصيّات متواجدة في بلدان مختلفة لترجمة أوجاعها وتطلّعاتها وآمالها. كذلك لمراقبة كيفية مقاربة واقعها في عالم البعض يتعامل معه بجرأة فيما البعض الآخر يبدو خائفاً أو جباناً!





هل سيصدر الكتاب بالعربية؟


صدر الكتاب إلكترونياً عن دار Plon في فرنسا، وسيصدر بداية حزيران ورقياً. كذلك سيصدر قريباً جداً بالعربية عن دار "سائر المشرق" تحت عنوان "التاج اللعين" وبالإسبانية في مدريد عن دار "لاراد".


هل من مشاريع أدبية جديدة؟


سوف تصدر الطبعة الرابعة من كتابي عن "إدارة الشركات المساهمة" الذي يتضمّن التعديلات الأخيرة التي أدخلت عام 2019 على قانون التجارة، فضلاً عن ترجمة ثلاثة من كتبي الى العربية منها "إعترافات بيتهوفن" حيث نقله الشاعر هنري زغيب بأسلوب راقٍ ومميّز. كما كتبت سيناريو فيلم قصير حول يوميات كورونا تقوم بتصويره المخرجة الشابة فرح شيا. وسيجمع العمل نخبة من الممثلين كبديع ابو شقرا الذي سبق وتعاونتُ معه حيث قرأ نصوصاً من مؤلفاتي ضمن إطار مهرجان الكتاب في أنطلياس.


ما هي النتائج التي تتوقّعها؟


هناك نتائج كثيرة على الصعد كافة: في السياسة أظهرت هذه الأزمة قلّة الثقة بين الدول وتخبّط الحكومات وتقصيرها. وعلى الصعيد السوسيولوجي بيّنت إهمال المجتمع للمسنّين وأدّت الى تغيير كبير في العلاقات الإنسانية. إذ منعت المصافحة والتقبيل وألزمت الناس على التباعد. ثمة عادات وتقاليد وطقوس دينية وإجتماعية ستتبدّل حتماً في ظلّ هذه الأزمة المريرة.

تربوياً، أطاح كورونا بالسنة الدراسية وأدّى الى نجاح بعض الطلّاب الذين لا يستحقّون ذلك. هذا الأمر سيؤدي الى تراجع المستوى التربوي.

من جهة أخرى، أبرزت الأزمة أهمية التعليم عن بُعد (e-learning) وحدود هذه الوسيلة التي لا يمكن أن تحلّ مكان التواصل الإنساني والاجتماعي. على الصعيد الإقتصادي، ستكون نتائج الأزمة كارثية وقد نحتاج لسنوات عدة كي ننهض مجدداً.

أما على الصعيد الثقافي فإنني أخشى إهمال الحكومات للفن باعتباره غير منتج وليس من الأولويات، ما قد ينعكس على المسرح والسينما والنشر. علماً أنّ تراجع القدرة الشرائية سيؤدي حتماً الى ابتعاد الناس عن النشاطات الثقافية. لذلك أدعو عبر هذا المنبر السلطات اللبنانية الى التحرك في هذا المجال عبر استحداث صندوق دعم للقطاع من أجل المحافظة على ثقافتنا وتراثنا وتجنّب الانهيار المحدق.

هل ترى بارقة أمل للبنان؟

ما لفتني أخيراً إحباط جيل الشباب الذي لم يعد يؤمن بمستقبل هذا البلد. الوضع مأسوي لكنّ الأمل موجود. الأمل ليس "ورقة لوتو" بل نصنعه بأنفسنا! لذلك، آمل أن تعود الثورة بعد انتهاء كورونا للإطاحة بهذه الطبقة الفاسدة وزجّ الفاسدين في السجون.

على الثورة أن تدرك ضرورة التنظيم وأنه لا يمكنها الاستمرار من دون قيادة. إذ أظهرت تجربة الـ Gilets Jaunes في فرنسا أن التحرّكات غير المنظّمة تؤدي الى الفوضى ولا تغيّر شيئاً. نحن بحاجة الى قادة جدد لقيادة الثورة، وتمثيل الشعب في الانتخابات النيابية المقبلة كون هذا الاستحقاق سيكون محورياً ولا يجوز المشاركة فيه من دون تنظيم أو اعتماد برنامج واضح.


MISS 3