حسان الزين

"طوفان الأقصى" نتيجة تراكمات سلبية في إسرائيل وإيجابية في فلسطين ومحور المقاومة

طلال عتريسي: "الحزب" يأخذ بعين الاعتبار الوضع الداخلي اللبناني... ولكن

28 تشرين الأول 2023

02 : 00

طلال عتريسي: «صحوة داعش» وأمثالها انتهت

نحاور الدكتور طلال عتريسي للإضاءة على الحدث الفلسطيني-الإقليمي، الذي بدأ في 7 تشرين الأول 2023 من غزة ويستمر مع احتمال توسّعه إلى بلدان أخرى. فعتريسي الذي أعد العديد من الدراسات في الشؤون الجيو-استراتيجية والحركات الإسلامية يعتبر «طوفان الأقصى نتيجة تراكمات سلبية في إسرائيل وإيجابية في فلسطين ومحور المقاومة»، ويدل على «ضعف الكيان الإسرائيلي». ويُدرج ذلك في سياق التحولات الكبرى في الشرق الأوسط، وأبرزها «التراجع الأميركي». وفيما يقدّم العميد السابق للمعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية في الجامعة اللبنانية، تشخيصاً سلبياً لأحوال التطبيع مع إسرائيل، يلحظ «تقدماً» لمحور المقاومة وإيران في المنطقة عموماً وفلسطين خصوصاً. ويجتهد لتفسير «مشروع وحدة الساحات» في ظل المشاريع الكبرى والأوضاع الداخلية اللبنانية.



كيف تقرأ ما يجري في غزة والمنطقة، أهو نتيجة السياسات الإسرائيلية المتعنتة وعدم حل القضية الفلسطينية بشكل عادل وتمادي الحصار، أو كما يعتقد كثيرون هو تحرك محور المقاومة بقيادة إيران، أو ثمة ترابط بين هذه الأمور وهناك أبعاد أخرى؟

الأحداث في المنطقة مترابطة. ما يجري هو نتيجة تراكم مجموعة من العوامل، أولاً إسرائيل لم تفِ بأي من وعودها في تحقيق دولة فلسطينية. كان من المفترض أن اتفاق أوسلو، في عام 1993، هو الأساس لإنشاء هذه الدولة بعد 5 سنوات، لكن مضى ثلاثون عاماً على تلك المفاوضات ولم يتحقق أي شيء. بالعكس، زادت المستوطنات، تقطّعت أوصال الضفة، تراجعت هيبة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ومعنويّاته، على الرغم من التعاون الأمني وكل هذه المسائل. حتى فكرة الدولة الفلسطينية التي كان يؤيّدها العالم، الأمم المتحدة والغرب ودول عربية كثيرة، إسرائيل لم تقدّم أي تنازل لها.

ومن الجهة الإسرائيلية أيضاً، لم يقتصر الأمر على عدم تقديم تنازل بشأن الدولة الفلسطينية، بل استمر التضييق على الشعب الفلسطيني في كل المناطق، سواء أكان في الضفة الغربية أم في غزة، على المستويات المعيشية والاقتصادية والعمل اليومي، والحصار على غزة تحديداً. ولا بد أن يؤدي ذلك إلى تراكم مقابل. أدى تراكم التعنّت الإسرائيلي والظلم والحصار والقسوة إلى تراكم عند الشعب الفلسطيني، في الاستعداد للقتال والثبات بعدما لمس أن الحلول الأخرى غير ممكنة، وأن الرهان على تسوية أو مفاوضات لم يؤدِ إلى نتيجة. كان من المتوقّع أن يؤدي ذلك في أي لحظة إلى انفجار كبير من هذا النوع، خصوصاً أن إسرائيل جرّبت مرات عدة كل الطرق. كل سنتين تقريباً تشن حرباً على غزة، وتدمّر وتقتل، ولم تتمكن من القضاء على حركة «حماس» والفصائل الأخرى. إذاً، تراكم من الجهة الإسرائيلية، وتراكم من جهة القناعات عند القوى الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وتراكم في القدرة والتطوير والتدريب.

وفي المقابل، راكمت إسرائيل تراجعاً في قدرة الردع. ويعترف بذلك الإسرائيليون أنفسهم. وذروة هذا التراجع كانت في عملية 7 تشرين الأول 2023. تراكم التراجع بدأ في عام 2000، مع الانسحاب من جنوب لبنان، للمرّة الأولى في تاريخ الصراع من دون قيد أو شرط، وفشل عام 2006 في القضاء على «حزب الله»، ثم في القضاء على «حماس». إذاً، مجموع هذه التراكمات أدى إلى انفجار الوضع.

طبعاً، هذه التراكمات لم تحصل من تلقاء نفسها، كان هناك قوى تؤثر وتتفاعل، ومثلما كانت إسرائيل تحصل على الدعم السياسي والإعلامي والعسكري من أطراف مختلفة، غربية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية، كانت الأطراف الأخرى، المقاومة والحركات المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة، تحصل على الدعم من إيران. بالتالي، كان أحد أوجه هذه المواجهة يتّخذ هذا الطابع، مثلما يتّخذ أحياناً طابع المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة، وبين الصين والولايات المتحدة، وبين إيران والولايات المتحدة. وذلك، نظراً إلى التشابك الحاصل بين الأوضاع الإقليمية والدولية، مثلما هو حاصل في سوريا والعراق. هناك مجموعة عوامل متداخلة أسمّيها مجموعة تراكمات لدى الأطراف المختلفة.

حتى لو لم تُفتح الساحات وتتوحد، بمعنى نشوب حرب واسعة في بلدان عدّة منها لبنان، تجدد بعد 7 تشرين الأول 2023 الصراع العربي-الإسرائيلي ومحوره فلسطين، ولكن بين إسرائيل ومحور بقيادة إيران... كيف تقرأ هذا المشهد، ربطاً بوجود دول عربية، في مقدمها مصر والسعودية، لا تريد هذا المسار وتوجهاتها ليست صراعية مع إسرائيل والولايات المتحدة؟

الصراع العربي-الإسرائيلي لم يتوقف، لكنه مرّ باستراتيجيّات مختلفة. الدول العربية، في مرحلة أولى، كانت استراتيجيّتها تعتمد الجيوش لتحرير فلسطين، ولاحقاً لتحرير الأراضي المحتلة. وفي مرحلة لاحقة، كانت الاستراتيجية الاعتماد على الأمم المتحدة والقرارات الدولية. ثم في مرحلة تالية، بعد عام 1990 وسقوط الاتحاد السوفياتي، أصبحت الاستراتيجية هي التفاوض المباشر وإعلان المبادرات العربية التي تربط بين الدولة الفلسطينية والاعتراف بإسرائيل. وصولاً إلى التطبيع المباشر بين بعض الدول العربية لإنهاء الصراع، مروراً باتفاق أوسلو، وبالحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان في 1982 للقضاء على المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، بموازاة هذه الاستراتيجيات المختلفة التي وصلت في ذروتها إلى استراتيجيات التطبيع لإنهاء هذا الصراع، كانت استراتيجية المقاومة تنمو وتكبر ويشتد عودها وتزداد خبرتها ويزداد منطقها قوة، نظراً إلى فشل الاستراتيجيات الأخرى خصوصاً أوسلو والرهانات على ما يمكن أن تقدّمه إسرائيل للشعب الفلسطيني والتعنّت الإسرائيلي إزاء الاعتراف بدولة فلسطينية واستمرار الاستراتيجيات الإسرائيلية في تهجير الشعب الفلسطيني. فكلما كان منطق المقاومة في داخل فلسطين يقوى ويشتد عودها، كان منطق التطبيع يضعف ويتصدّع. وهذا ما حصل أخيراً، وحصل في المواجهات السابقة ومعركة «سيف القدس».

وعلى الرغم من أن هناك دولاً لا ترغب في مسار صراعي مع إسرائيل، أو مع الولايات المتحدة، إلا أن تطور الأحداث وخصوصاً ما يجري في غزة من مجازر، يفرض على هذه الدول ألا تقف وتتفرج، إذ لا تستطيع أن لا يكون لها موقف ضد المجازر.

إن اندلاع صراع كبير في المنطقة، خصوصاً إذا ما كانت إيران منخرطة فيه وضد الولايات المتحدة إلى جانب الشعب الفلسطيني يصعّب على هذه الدول أن تكون في صف الولايات المتحدة أو إسرائيل. نعم، قد تدعو إلى الحلول السياسية أو الحلول الإنسانية، لكن هذا لا يعني أن تلك الدول يمكنها أن تكون في المعسكر المقابل. وقد شاهدنا كيف أن الشعوب العربية التي تُتهم بأنها لا تفعل شيئاً، كيف أنها في كل مواجهة، خصوصا في داخل فلسطين، تخرج إلى الشوارع والساحات. وهذا لا يمكن إلا أن يُؤخذ بالاعتبار. ولا ننسى أن المعادلات الدولية تلعب دوراً في هذا المجال. أكيد أن روسيا ستكون سعيدة بتورط الولايات المتحدة في حرب جديدة في الشرق الأوسط. ولا شك في أن الصين ستكون سعيدة أيضاً. وستحاولان أن تمدا يد المساعدة إلى القوى التي تواجه الولايات المتحدة. ولا ننسى المناخ الذي بدأ يتشكل منذ سنوات قليلة، وهو مناخ التفلت من القبضة الأميركية وعدم الثقة بالوعود الأميركية وبالحماية الأميركية. ولهذا شواهد عديدة، سواء في أفغانستان أم في العراق أم في عدم الدفاع عن المملكة العربية السعودية بعد الهجمات على شركة «أرامكو». وفي المناخ نفسه، فتح آفاق التعاون على الصعد المختلفة مع الصين وروسيا؛ ورفض السعودية ودول أخرى إدانة الحرب الروسية في أوكرانيا؛ والتفاهم السعودي-الإيراني برعاية صينية. ما يدلل على أن تلك الدول بدأت تفكر بشكل مستقل إلى حد ما في مصالحها بعيداً من الضغوط الأميركية. فهذا طبعاً يفتح الباب أمام رؤية مختلفة لكيفية تصرف هذه الدول في حال حصلت مثل هذه المواجهة الواسعة في الشرق الأوسط.

كيف ترى وضع اتفاقيات السلام والتطبيع مع إسرائيل، في ضوء «طوفان الأقصى» والحراك السياسي الدولي الذي عقبه، ونشاط الدور الإيراني؟

إتفاقيات السلام والتطبيع مع إسرائيل أصابها ضرر كبير بعد «طوفان الأقصى». حتى في المواجهات السابقة، معركة «سيف القدس» وغيرها، تبين أن الدول التي ذهبت إلى التطبيع وكأنها مكشوفة أمام الشعب الفلسطيني. وللمرة الأولى كاد الشعب الفلسطيني يتخذ مواقف مباشرة وحادة من دول التطبيع، ويسمي بعض الدول بأسمائها. وبالعكس من ذلك، نسمع ونشاهد كيف أن الشعب الفلسطيني بدأ يعبّر أكثر عن رأيه الإيجابي من إيران ودورها، ويعتبر أن إيران تقف إلى جانبه، وإلى جانب المقاومة في فلسطين. وهذا ربما لم يكن ملحوظاً في السابق، حتى خيارات المقاومة في داخل فلسطين بدأت تعبر بشكل مباشر وصريح عن دعم إيران، وعن التنسيق معها ومع قيادات المقاومة في المنطقة، ومع محور المقاومة. إذاً، المعادلة بالنسبة إليّ هي أنه كلما اشتد الصراع داخل فلسطين، كلما تراجعت فرص التطبيع وتراجعت الآمال المعلقة عليه، إسرائيلياً وعربياً.

إعتقَد كثيرون أن حرب 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل هي الأخيرة، ودَعم هذا الاعتقاد اتفاق الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، لكن يبدو أن هذا غير دقيق... ما هي قراءتك لذلك جيو-استراتيجياً ولبنانياً داخلياً في ظل الانقسام السياسي العمودي، وفي ظل الأزمة السياسية والانهيار الاقتصادي والمالي؟

بعد انسحاب عام 2000 اعتقد البعض أن الصراع انتهى وأن إسرائيل هُزمت في لبنان، لكن تبيّن أن إسرائيل تعد العدة للانتقام من انسحاب 2000، وأن «حزب الله» كان يعد العدة للمواجهة المحتملة. وهذا ما حصل عملياً. وبعد عام 2006، استمر الاستعداد. إسرائيل قامت بمناورات تدريبات مختلفة، «حزب الله» طوّر قدراته والأسلحة التي يمتلكها، وأحياناً يعلن عن هذا الأمر وأنه يمتلك آلاف الصواريخ، وصواريخ دقيقة. لكن، في شأن اتفاق الحدود البحرية البعض استنتج أنه بداية سلام وتفاهم، ولم يكن هذا التحليل دقيقاً. والدليل هو حالة الاشتباك القائمة اليوم على الحدود. وهي حالة اشتباك لا تزال محدودة. طبعاً. السؤال اليوم، والقلق الذي يرافقه، هو: كيف يمكن أن نقرأ ما يحصل وانعكاساته على لبنان في ظل الانقسام السياسي العمودي والأزمة السياسية والانهيار الاقتصادي؟

أعتقد أن «حزب الله» يأخذ بعين الاعتبار بشكل دقيق الوضع الداخلي اللبناني، ولولا ذلك ربما كان منذ اليوم الأول فتح معركة واسعة في جبهته، وهو يمتلك القوة والثقة والشجاعة ليفعل ذلك، لكن أحد أسباب عدم فتح معركة واسعة، أنه يأخذ بالاعتبار الوضع اللبناني، وهو ينتظر ما ستؤول إليه المواجهات في داخل فلسطين. من الطبيعي أن يكون «الحزب» حذراً ومتوجساً من النيات الإسرائيلية، لأن لا أحد يعرف كيف يمكن أن تتصرّف إسرائيل في المعركة التي تخوضها داخل فلسطين. هل توسع الاشتباك؟ هل تتقدم جنوباً؟ هل تشتّت الأنظار بمعركة أخرى؟ هل تريد أن تتجنب المواجهة مع «حزب الله»؟ هل تريد عدم فتح جبهة في جنوب لبنان؟ كل هذه الأسئلة تفرض على «حزب الله» أن يكون مستعداً، وأن يأخذ بالاعتبار الوضع اللبناني والأزمة الاقتصادية وكل هذه الأمور. هذا حقيقي، لكن عندما يكون هناك متغيرات كبرى ومشروع حرب كبرى في المنطقة فإن الحسابات تتغير. وربما يكون هناك استراتيجية لا تُضطر «حزب الله» إلى خوض معركة كبرى ويستطيع من خلالها أن يحفظ الوضع في لبنان، لكنه لا يسمح لإسرائيل أن تكون مرتاحة أو أن تفكر في شيء: الهجوم على لبنان أو على المقاومة. ربما تكون هذه الاستراتيجية التي يعمل عليها: المحافظة على لبنان وحمايته من جهة، وردع إسرائيل عن القيام بأي عدوان واسع من جهة أخرى.

كيف تقرأ النفوذ الأميركي في المنطقة- ربطاً بالعالمي- خصوصاً أن لواشنطن حلفاء فاعلين، وفي مقدمهم إسرائيل التي انحازت لها من دون تردد؟ وفي ظل انحياز الولايات المتحدة وتحولها إلى طرف، كيف سيستقيم مشهد التفاوض من أجل حل: بدخول الصين وروسيا، أم تستبعد ذلك الخيار، على الأقل حالياً؟

- إنحياز الولايات المتحدة الأميركية لإسرائيل أمر طبيعي ومتوقع، لأنها منذ سنوات طويلة تقف إلى جانب اسرائيل وفي الحروب كلها، وكانت تحميها دبلوماسياً وعسكرياً وسياسياً وإعلامياً، وفي مجلس الأمن، وكلما تحتاج إسرائيل إلى السلاح والمال كانت الولايات المتحدة تلبّيها. ولكن اليوم الوضع ربما يكون مختلفاً إلى حد ما. الولايات المتحدة لا تبحث عن حرب جديدة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الحرب التي تخوضها في أوكرانيا. والولايات المتحدة في الوقت نفسه لا تريد هزيمة إسرائيل، ولا تريد أن يورطها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في حرب واسعة في الشرق الأوسط، كما كان يريد أن يفعل ضد إيران. دائماً، كان نتنياهو يريد من الولايات المتحدة أن تخوض حرباً ضد إيران. لهذا السبب الولايات المتحدة ترسل حاملة الطائرات وتهدد وتتوعد كي لا تدخل أطراف أخرى في هذه المعركة، مثل إيران و»حزب الله»، كي لا تُهزم إسرائيل وكي لا تندلع حرب كبيرة في الشرق الأوسط. هذه نقطة، والنقطة الثانية هي أن إمكانية التفاوض على أي حل يجب أن يتعلق في الظرف الراهن بما يجري في غزة. أي التفاوض على موضوع الأسرى، الممرات الإنسانية، ووقف الحرب. وهذا يمكن أن يحصل بطرق غير مباشرة كما كان يحصل في السابق. تلعب قطر مثل هذا الدور، وتركيا، وعُمان، أو أي طرف آخر. ولكن، ليس هناك أي مؤشر على مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة. هذا لم يحصل في السابق، خصوصاً في ما يتعلق بموضوع فلسطين. إيران لا تفاوض، ولا تعتبر أنها تستطيع أن تفاوض عن الفلسطينيين أو عن «حماس»، في حين أن أطرافاً أخرى يمكن أن تقوم بهذا الدور. أما القضايا الأخرى في المنطقة، وفي الشرق الأوسط، فالمسائل فيها لا تزال مفتوحة، والأنظار الآن متوجهة إلى نتائج معركة غزة. ومهما كانت النتائج، ومهما حقق الإسرائيلي من تدمير في غزة، لن يستطيع أن يرمم قدرة الردع والفشل الذي يعترف به القادة والأمنيون في إسرائيل نفسها، وحتى الولايات المتحدة بدعمها المطلق لإسرائيل لا تستطيع أن ترممه.

تقول إن إيران التي راود بعض قيادتها بعد الثورة حلم تصدير الثورة، لم تعد مشروعاً خارجياً... لكن بعد الاجتياح الأميركي للعراق ومساندة النظام السوري وبناء محور المقاومة تغيرت الأمور... ما رأيك في هذا؟

إيران بعد الثورة، مثل أي ثورة في ذروة اندفاعها، تحلم بأن تنقل تجربتها إلى دول العالم وليس إلى الدول المجاورة فحسب. حصل ذلك في الاتحاد السوفياتي وفرنسا بعد ثورتها التي رفعت شعار «الحرية، المساواة والإخاء»، وغيرهما. لكن هذا الأمر لم يكن سهلاً أو بسيطاً. وإيران على الرغم من اختلاف تعاملها مع الدول والحكومات التي كانت في بداية الثورة تتعامل معها على أساس أنها حكومات شرعية أو غير شرعية، إسلامية وغير إسلامية، انتقلت إلى التعامل معها من باب المصالح المتبادلة وتقبل طبيعة هذه الحكومات وفهم سياساتها. لكنها في الحقيقة لم تغير استراتيجيتها في المواجهة مع الولايات المتحدة. والولايات المتحدة لعبت دوراً في هذا المجال. هي فرضت الحصار وعقوبات على إيران منذ الأيام الأولى للثورة. بالتالي، إن إيران ما زالت متمسّكة بمشروعها، وهو الاستقلال. وهذا جعلها في صدام مع الولايات المتحدة التي لم تقر بخسارة إيران التي كانت في حضنها. وعندما تأتي الولايات المتحدة وتحتل العراق، فإن 150 ألف جندي على حدود إيران. هذا يجعل إيران غير مطمئنة. لهذا السبب عملت على دعم وتشجيع وتأسيس حركة مقاومة في العراق، ليشعر الأميركيون بأنهم غير مرتاحين في العراق، وكي لا ينتقلوا بعد العراق إلى إيران. والأمر نفسه في سوريا إلى حد كبير. إيران وقفت إلى جانب سوريا على الرغم من نقاشات كثيرة حصلت سواء في داخل إيران أم في خارجها، لأنها كانت تعتبر أن سوريا هي أولاً حليف استراتيجي، وثانياً لأن سوريا هي حركة الوصل مع المقاومة في لبنان وأن خسارة سوريا يعني مجيء نظام موال للولايات المتحدة. لهذا السبب هي وقفت وخاضت مغامرة حقيقية استراتيجية في هذا المجال ونجحت إلى حد كبير في منع تحويل سوريا إلى منطقة مشتعلة بالانقسامات والحروب الداخلية وفي منع سوريا من أن تسقط في يد الولايات المتحدة.

ولا علاقه لهذا بتصدير الثورة. حتى دعمها للمقاومة في لبنان أو في فلسطين ليس من باب تصدير الثورة كثورة أو كنموذج إيراني. لهذا علاقة بهوية الثورة، وهذا موجود في الدستور «دعم المستضعفين» وحركات التحرر وغير ذلك من القضايا التي تعتبر إيران أنها تميز هويتها الإسلامية والتي تختلف بها عن دول إسلامية أخرى موجودة في عالمنا أو بلداننا في الشرق الأوسط.

صحوتان إسلاميّتان

يرى طلال عتريسي، مؤلّف كتاب «بين صحوتين: الإسلام السياسي في شرق أوسط متحول» (مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي)، أن ثمة صحوتين إسلاميّتين». وقد «حقّقت الأولى، ومنها «حزب الله»، إنجازات بمعنى الثبات وإفشال المشاريع الأميركية. وهي خاضت مواجهات مباشرة وغير مباشرة مع الاحتلال الأميركي، سواء في العراق أم في سوريا، وحتى في فلسطين».

أما الصحوة الثانية أو ما يسميه صحوة «داعش» و»القاعدة» وغيرهما، وكانت بداياتها في أفغانستان، فقد «انتهت نهاية مريعة في سوريا، وتحولت إلى خدمة المشروع الأميركي في سوريا وحتى في المنطقة». ويلاحظ، على سبيل المثال، أنه «خلال المعركة الجارية في غزة، والجرائم التي تُرتكب، لم تصدر كلمة واحدة من تنظيمات داعش والقاعدة والنصرة وغيرها. ولا كلمة. وهذا أمر عجيب ويدعو إلى التشكيك في مثل هذه التنظيمات. حتى لو لم يكن مشروعها تحرير فلسطين، على الأقل هي تستطيع أن تستنكر. كثير من التنظيمات والجمعيات في الغرب، هي تنظيمات ليست مسلمة بل تنظيمات إنسانية وجمعيات حقوق إنسان، تستنكر المجازر الإسرائيلية في غزة. مثقفون وباحثون يرفضون هذه الجرائم. هذا فعلاً مثير للشكوك والتساؤلات الكبيرة، وبالتالي هذا الاتجاه هو اتجاه تراجعي انحداري. في حين أن القاعدة في بلادنا العربية والإسلامية تقول إن القوة الإسلامية وغير الإسلامية التي تواجــــــــــــه الهيمنــــــــــة الخارجية والاحتلال هي القوة التي تصبح في مقدمة المشهد، وهي القوة التي تصبح محط الإعجاب والتقدير والتأييد».

ولهذا السبب، يقول: «إذا اعتبرنا هذه القوى صحوة أولى، فإن أطراف الصحوة الثانية، داعش والنصرة وبوكو حرام وغيرها، هي قوى لا تقاتل الاحتلال ولا تتصدى للهيمنة الخارجية، بل بالعكس وظيفتها الاقتتال الداخلي. ولهذا السبب هي لا تحظى بتأييد في العالم الإسلامي، وهي موضع استنكار ونفض اليد منها. في حين أن العكس ما يحصل مع أطراف الصحوة الأخرى، إذ تخرج الناس لترفع الشعارات المؤيدة للقتال ضد إسرائيل، للمواجهة مع الولايات المتحدة».




معنى وحدة الساحات

يعتبر طلال عتريسي أن «مشروع أو شعار وحدة الساحات موجّه إلى العدو الإسرائيلي». والهدف منه، وفق عتريسي، «إرباك حسابات العدو كي لا يطمئن حين يخوض حرباً ضد غزة على سبيل المثال، أو عندما يريد أن يشن حرباً على إيران. وحدة الساحات رسالة إلى العدو الإسرائيلي بأن هذه الجبهات قد تُفتح كلها في وقت واحد وأن عليه أن يفكر عشرات المرات قبل أن يشن أي عدوان. حتى عندما تُعلن المقاومة في لبنان أنها تمتلك آلاف الصواريخ الدقيقة التي تصيب هذه المواقع الاستراتيجية أو تلك، فهذا لردع العدو عن التفكير في أي حرب على لبنان».

يضيف: «ليس المقصود من وحدة الساحات فتح الحرب في أسرع وقت ممكن أو جلب الآخرين إلى الحرب مع لبنان في أول فرصة ممكنة. المقصود إعطاء الثقة لهذا المحور. حتى في داخل فلسطين، يتحدثون عن وحدة الساحات وعن التنسيق في ما بين قيادات المقاومة، وهذا واقعي».

ويعتقد أن «الاجماع موجود، وسيناريو فتح المواجهة موجود، وسيناريو اشتراك أكثر من ساحة موجود، الساحات من اليمن إلى سوريا إلى لبنان، لكن أؤكد أن أخذ وضع لبنان في الحسبان هو أحد العوامل الرئيسة في عدم فتح كل الساحات للمواجهة. هذا أحد العوامل الأساسية. وأحد العوامل الأساسية أن مشروع فتح الساحات هو مشروع الحرب الكبرى في المنطقة وفي الشرق الأوسط لإزالة الكيان الإسرائيلي. وهذا ليس أمراً بسيطاً، وليس قراراً يُتخذ بسهولة وعند المعركة أو المواجهة الأولى. هذا ربما يحتاج إلى ظروف أخرى وعوامل دقيقة ومعلومات ربما تمتلكها قيادات المقاومة في أكثر من جبهة. ولكي تتحقق وحدة الساحات بشكل عملي وتنجز المهام الاستراتيجية».

ويجزم بأن «ليس المقصود من وحدة الساحات توريط لبنان، ولكن، في الوقت نفسه، ليس المطلوب أن تكون إسرائيل مطمئنة. يجب أن تشعر بالقلق. واليوم نسمع مثل هذا القلق في إسرائيل. مثل ماذا لو حصل أن «حزب الله» فتح الجبهة في الشمال؟ كيف سنتعامل مع هذا الأمر؟ ماذا لو تعرضنا لهجوم من أكثر من جبهة؟ كيف سنرد؟ ماذا سيحصل؟ يجب أن تبقى إسرائيل تشعر بالقلق. وهذا في مصلحة لبنان، وفي مصلحة الشعب الفلسطيني، وفي مصلحة مستقبل هذه المنطقة».




MISS 3