مجيد مطر

سؤال المصلحة الوطنية

28 تشرين الأول 2023

02 : 00

اعتبر هانز مورغنثاو، وهو أحد أبرز منظّري المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، أنّ إدارة المصالح الوطنية جوهر السياسة. والحديث عن مفهوم المصلحة الوطنية لا يتم إلا في إطار الدول ذات السيادة، التي تدرك وجودياً حاجاتها في عالم قلق، الصراع فيه هو القاعدة، والتعاون السلمي يشكل الاستثناء. لا ينفصل التأصيل النظري لمصالح الدول عن واقعها العملي، تحديداً في لحظات الأزمات الكبرى، ودور صنّاع القرار في التعامل مع تلك الأزمات، سواء تطوّرت الأوضاع أم لم تتطور. هنا اعتبارات الدولة وبقاؤها يجب أن تلاقي جميع الاحتمالات، فحيث المصالح الوطنية، ينتفي الارتجال ويضمحل تأثير الصدفة.

حس البقاء والحاجة للشعور بالأمان، دفعا البشرية عبر التاريخ لبناء منظومات حماية، تطوّرت عبر الزمن لتستقر بالدول والحكومات، التي خُوّلت مهمة تكريس الأمان والاستقرار، على اعتبار أنّ مهد المصالح الوطنية يكمن في مفهوم الأمن القومي بمعناه الواسع وحمايته من أي تهديد.

وعلى وقع تكثيف إسرائيل عدوانها الوحشي على غزة، ينشغل اللبنانيون راهناً بصياغة سؤال المصلحة الوطنية، الذي بات يختصر المشهد، وهو سؤال يهدف إلى معرفة التوقيت غير المحلي لاندلاع الحرب على الحدود الجنوبية التي تشهد مواجهات جديّة بين العدو الاسرائيلي و»حزب الله» وبعض الفصائل الأخرى.

متى يدخل لبنان في تلك الحرب، ويطبّق فعلياً شعار «وحدة الساحات»؟ ومن يحدد مصلحتنا من الاشتراك في تلك الحرب، من عدمه؟ إنّ أساس المسألة ليس في الحرب بذاتها، بل بحساب أضرارها ومنافعها على مقياس الدولة ومصالحها العليا، وإن كان يحق للبنانيين أن يرفضوا الحرب بالمطلق.

الجهة المخولة الإجابة على تساؤلات المواطنين، وطمأنة هواجسهم المشروعة، ليست على السمع، فمصير لبنان عبر جرّه إلى حرب، قد يكون ما بعدها ليس كما قبلها بالنسبة لجميع الأطراف، مرهون بتطورات ما يجري في غزة. يتحدث حلفاء «حماس» عن أنّ استمرار إسرائيل في قصفها المدنيين، أو محاولتها الاجتياح البري للقطاع، سيوسّع من ميدان الحرب إلى جبهات أخرى، لنصبح بصدد حرب إقليمية، سيشكل لبنان حتماً احدى جبهاتها الفاعلة والمهمة.

التمهيد الإعلامي لتوسّع المواجهات، جارٍ على قدم وساق، والأنظار تتجه إلى واقع التحدي والاستجابة بين أطراف الصراع، تحدي اجتياح غزة والقضاء على حركة «حماس» كما تعلن إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة، وكيفية استجابة محور الممانعة لهذا التطور الخطير إن حدث، والعكس صحيح، لناحية استجابة إسرائيل لتحدي وتهديدات خصومها في حال تدخلهم الميداني المباشر إلى جانب «حماس» في معركتها الوجودية.

لا تخفي إسرائيل أهدافها من تلك الحرب، بمعزل عن قدرتها على تحقيقها وأكلاف ذلك. وبعيداً عن قضية تهجير أهل غزة إلى مصر، والتي تم رفضها ومجابهتها من قبل كل العرب، وهو أمر يصعب تحقيقه ودونه صعوبات جمة. يبقى القضاء الكلي على حركة «حماس» وذراعها العسكري المتمثل بكتائب «القسام «وصولاً إلى تشبيهها بـ»داعش» لتسهل محاصرتها سياسياً لاحقاً، الهدف الأبرز الذي منه تتوالد الاحتمالات التي تحدد مآلات الصراع، ومستقبل المنطقة. هذا هو المدى الاستراتيجي لهذه الحرب، الذي دفع الولايات المتحدة إلى ارسال حاملتي طائرات ووسائل دفاع جوي متطورة، تحسباً لدخول أطراف آخرين في النزاع، أو لردعهم استباقياً. كما وأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتبر أحداث غزة تهدد بتصعيد خطر قد تمتد عواقبه إلى خارج المنطقة.

من نافل القول إنّ لبنان يرتبط عضوياً مع ما يجري في محيطه، وخروج أطراف من الصراع حول القضية الفلسطينية ودخول أطراف آخرين، لم ينعكس ايجاباً على الوضع اللبناني، لتتحول الصراعات الداخلية إلى جزء من المشهد الإقليمي بالمنظور الواسع، ما قبل الخروج السوري وبعده.

إنّ عملية «طوفان الأقصى» قد جاءت في ظل حكومة لبنانية، مكونة في غالبيتها من قوى وأحزاب متحالفة ضمن منظومة الممانعة، وسط غياب كلّي لمعارضة موحدة، تأخذ على عاتقها تلقف أسئلة المواطنين، لتعيد صياغتها على نحو يخرج الحكومة عن صمتها، ويحمّلها المسوؤلية، وتحديد خياراتها في اعلان الحرب أو السلم.

ومن غير المقبول، في ظل هذا الواقع الإقليمي والدولي الحساس، أن يُترك للمواطن اللبناني وحده تقدير تطور المواجهات واتساع رقعتها، في حين أنّ العدو قد أعلم شعبه أنه في حالة حرب مسخراً كلّ امكانياته لها. الحروب تعبير عن لحظة وضوح صارمة، فإمّا تقع أو لا تقع، وهنا القضية.


MISS 3