روي بدارو

رسالة مفتوحة الى أصحاب القرار

27 تموز 2019

12 : 19

تعتبر وزارة المالية، وفقاً لاتفاق الطائف، من بين الوزارات السيادية، وتعتبرالأهم، وبالتالي تشكل أحد المكوّنات الأساسية لسلطة صنع القرار في الجمهورية اللبنانية. إنها تمثّل بالنسبة للبعض، ضماناً لممارسة التوافقية في صنع القرار.

يقتضي الدستور توقيع وزارة المالية، إلى جانب توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزير المعني، على أي أمر إنفاق، سواء كان مصدره مجلس الوزراء أم الوزير المختص.

في الدساتير البرلمانية، يعتبر الفصل بين السلطات شرطاً أساسياً لا غنى عنه لضمان توازن القوى، والممارسة السلسة للديموقراطية. هكذا فصل، يتيح ممارسة الضوابط والتوازنات وإرساء قواعد لعبة سليمة.



في الشأن السياسي والميثاقي

في لبنان، طالب أخيراً، ممثلو الطائفة الشيعية الموقرة، بأن تكون وزارة المالية في عهدتهم الدائمة وفي جميع مجالس الوزراء، من أجل ضمان الختم الالزامي للعدد الاكبر من القرارات والمراسيم الوزارية. لكن، من المعلوم ايضاً، ان ممثل المكون نفسه يشغل منصب رئيس السلطة التشريعية، مما يتيح لممثلي هذا المكون الاحتفاظ في الوقت ذاته بمفاتيح وأقفال السلطات التنفيذية والتشريعية. إن وضعاً كهذا لا يصح لا دستورياً ولا تنظيمياً ولا ميثاقياً لأنه يتعارض مع جوهرالفصل بين السلطات ويؤدّي احياناً الى عرقلة القرارات متى رأى هذا المكون ذلك مناسباً. هذا الخلل المؤسسي يشوّه اللعبة ويعيق خيارات السلطة التنفيذية على الاقل في ما يتعلق بالنمو والتنمية الاقتصادية.



في الشأن الاقتصادي والتنظيمي

من أجل إصلاح الوضع، يجب إعطاء مال قيصر لقيصر. وهذا يعني، الحفاظ على وزارة المالية تحت ادارة السلطة التنفيذية، ممثلةً اما برئيس الوزراء، او بوزير يعينه رئيس الجمهورية وذلك من أجل إعادة جزئية لتوازن السلطة التي فقدها في اتفاق الطائف.

علاوة على ذلك، ومن منظورالممارسة المثلى لإدارة القطاع العام، لا يمكن لأي كان، أن يكون في الوقت نفسه، محاسبا وأمين الصندوق في أي منظمة او شركة، اكانت من القطاع الخاص أم من القطاع العام. هذه قاعدة اساسية في فن المحاسبة لأنه لا يمكن للمرء أن يكون فريقاً وحَكماً أم مخططاً ومنفذاً أم ايضاً آمر صرف ومراقباً على نفسه.

أصبح فصل وزارة المالية ضرورة بالمعنَيين السياسي والتنظيمي. لهذا السبب أقترح تقسيم وزارة المالية إلى كيانين مستقلين: وزارة الموازنة ووزارة الخزانة. وسيسمح ذلك بتحضير أفضل لايرادات ونفقات الدولة والسيطرة الفعالة عليهما. من اهم نتائجها مراقبة الهدر، تقدير أدق للجباية وأخيراً خفض الهدر الى ان يصبح ضمن الهامش المقبول به عالمياً.

أيضاً من مفاعيل الفصل، ازدياد مرتقب ومضطرد في نسب النمو جراء اشراك شريحة غنية بطاقاتها وبترويها في الامور المصيرية والوطنية. هكذا مناخ يبعد عن القسرية، يفتح الباب للتناوب في الوزارتين ويرخي بظلاله على الاستثمار لانه يعتبر خطوة متقدمة في الاستدامة السياسية والاقتصادية.

هكذا نمو منتظر لن يعود حكراً على طائفة او شريحة داخل طائفة، إنما يتيح توزيع الثروة على الفئات التي حرمت من ثمار النمو خلال الفترات السابقة، وأخص البقاع الشمالي وعكار الواعدين، آملين أن يشكلا قاطرة لبنان.

هذا الطرح لا يراد منه خلق أي شرخ مع أي كان، إنما يمثل مقاربة جديدة وخلاقة، تصلح للبنان في هذه الفترة الانتقالية من مرحلة موت سريري الى مرحلة إنعاش وانتعاش.

سيتعين ايضاً مراجعة قانون الموازنة بشكل كامل وجذري، بحيث يمكن استخدامه كأداة للتخطيط الأمثل لموارد الاقتصاد وايضاً كأداة لرصد أداء كل مسؤول مخوَّل للإنفاق على أهداف متفق وموافق عليها مسبقاً.

أخيراً وليس آخراً، تصحيحاً لتمثيل ومشاركة الطائفة الأرثوذكسية في أخذ القرار ضمن السلطة التنفيذية، ومن اجل مساهمتها في تنمية لبنان، كما فعلت دائماً في تاريخنا الحديث، أقترح تناوب المكونين الشيعي والأرثوذكسي على الوزارتين المستحدثتين وهذا كل سنتين.

أضع هذا المقترح بمتناول جميع المسؤولين من ممثلي الدولة والنخب، علهم يتوسعون في المشاورات من أجل التقدم به ويصبح واقعاً في أقرب وقت. والوقت داهم!