دانيال بايمان

حرب إسرائيل و"حماس" دخلت مرحلة جديدة

30 تشرين الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

مدفع هاوتزر الإسرائيلي يُطلق قذائف باتجاه قطاع غزة | 28 تشرين الأول ٢٠٢٣

دخلت إسرائيل «مرحلة جديدة من الحرب» ضد حركة «حماس» في غزة. إنه التصريح الذي أدلى به وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، السبت الماضي. أرسل الجيش الإسرائيلي دبابات وقوات ميدانية أخرى إلى غزة وأبقاها هناك تزامناً مع متابعة الاعتداءات المدفعية المكثفة والقصف الجوي، لكن إسرائيل تمتنع حتى الآن عن تنفيذ غزو برّي شامل. ومع ذلك تعمد إلى تكثيف عملياتها البرية داخل غزة بوتيرة ثابتة، فهي تنفّذ الغارات في القطاع وتقطع الاتصالات عن المنطقة.



فيما تنتقل إسرائيل من مقاربة جوية بحتة إلى استراتيجية قائمة على استعمال القوات الميدانية، لا مفر من أن تواجه تحديات عدة ومعضلات متزايدة، وقد يشمل بعضها تعريض القوات الإسرائيلية للمخاطر، بينما يتعلق بعضها الآخر بأهداف استراتيجية وإنسانية على نطاق أوسع. ربما أخّرت هذه التحديات الغزو الشامل في غزة، وقد تدفع القادة الإسرائيليين إلى الحد من نطاق العمليات العسكرية بطرق أخرى أيضاً.

كان الجيش الأميركي قد وجد صعوبة في تنفيذ العمليات في مدينة الفلوجة، في العراق، وأسفرت تحركاته عن دمار شديد. لكن من المتوقع أن تكون غزة أكثر تعقيداً. على عكس المتمردين العراقيين الذين حاربتهم الولايات المتحدة في الفلوجة في العام 2004 وعادوا واسترجعوا سيطرتهم على المدينة في الفترة الأخيرة، تسيطر «حماس» على غزة منذ العام 2007، وقد حاربت إسرائيل مراراً منذ ذلك الحين. توقعت الحركة على الأرجح رداً إسرائيلياً قوياً على هجوم 7 تشرين الأول. لكن حتى لو لم تتوقعه، بدأت «حماس» تحضيراتها لأي توغل إسرائيلي منذ وقت طويل.

وفق معلومات الأمم المتحدة والقوات الإسرائيلية، جمعت «حماس» إمداداتها وأصولها العسكرية في منشآت مدنية مثل المدارس. كذلك، بَنَت الحركة شبكة واسعة من الأنفاق ويقال إنها أكبر من مترو أنفاق لندن. قد تستعملها «حماس» لإخفاء الإمدادات والقادة ولمتابعة التواصل خلال الصراعات.

يُعتبر القتال في الأنفاق كابوساً حقيقياً. قارنه الرئيس السابق للقيادة الأميركية المركزية، الجنرال جوزيف فوتيل، باستعمال تنظيم «الدولة الإسلامية» لشبكة الأنفاق في الموصل، العراق، وحذر من نشوب «قتال دموي ووحشي» هناك. قد يستخدم مقاتلو «حماس» الأنفاق للتسلل وراء القوات الإسرائيلية ونصب الكمائن لها، أو حتى القبض على رهائن إضافيين. حاولت إسرائيل قصف تلك الأنفاق، لكن يصعب إيجادها وتدميرها من الجو.

تسعى إسرائيل إلى تدمير «حماس»، ما يعني عملياً قتل قادة الحركة. لكن الظروف المتلاحقة تثبت مدى صعوبة العثور عليهم. يمكنهم أن يختبئوا في الأنفاق أو يختلطوا مع السكان المدنيين. قد يختار البعض القتال، لكن تحمل هذه المنظمة طابعاً مؤسسياً ولا شك في أنها ستحاول الحفاظ على معظم قادتها، بما في ذلك شخصيات رئيسية مثل قائد «حماس» العسكري، محمد الضيف. في الماضي، نجحت إسرائيل في استهداف «حماس» وقادة آخرين، لكن كانت تلك العملية بطيئة. وحتى احتلال شمال غزة لا يعني سيطرة إسرائيل على أجزاء واسعة من القطاع، ما يسمح لقادة «حماس» بالاختباء هناك. كذلك، لا يعيش جزء كبير من قادة «حماس» السياسيين البارزين في غزة أصلاً، بل يمضون أيامهم في بلدان أكثر أماناً مثل قطر، وتركيا، ولبنان.

يزداد الوضع تعقيداً بسبب أكثر من 200 رهينة تحتجزها «حماس»، بما في ذلك عدد كبير من الأجانب، منهم 54 عاملاً تايلاندياً وحوالى عشرة أميركيين. في الحد الأدنى، من الطبيعي أن يزيد هذا العامل تعقيد القتال. يشمل مبنى يختبئ فيه قادة «حماس» عدداً من الرهائن أيضاً، أو ربما يتواجدون في نفق تستعمله «حماس» لتخزين إمداداتها. قد يؤدي إرسال أي قوات عسكرية لمهاجمة تلك المواقع، أو الإقدام على تفجيرها بكل بساطة، إلى قتل الرهائن.

على صعيد آخر، هددت «حماس» بقتل الرهائن رداً على الاعتداءات الإسرائيلية. هي لم تنفذ تهديدها بعد، بحسب المعلومات المتاحة حتى الآن، لكنها قد تفعل ذلك مستقبلاً. كلما نجحت العملية البرية الإسرائيلية في استهداف «حماس»، يزيد احتمال أن تلجأ الحركة إلى خطوات يائسة.

في غضون ذلك، يجب أن تفكر إسرائيل بالكلفة المترتبة على المدنيين في غزة. سبق وقتلت عملياتها هناك حوالى 7 آلاف فلسطيني، وفق وزارة الصحة التي تديرها حركة «حماس» في القطاع، وقد تكون العمليات البرية أكثر دموية بكثير. في الماضي، دفع السخط الدولي بسبب سقوط الضحايا المدنيين بإسرائيل إلى وقف العمليات، مع أن ارتفاع حصيلة القتلى الإسرائيليين بسبب هجوم «حماس»، في 7 تشرين الأول، قد يغيّر هذه الحسابات. قد تزيد تلك المخاوف تعقيد الصراع فيما تحاول إسرائيل التوفيق بين حصيلة القتلى المدنيين والمخاطر المطروحة على جنودها، فضلاً عن احتمال أن تنشر «حماس» المقاتلين والمعدات العسكرية وسط السكان المدنيين.

بعيداً عن العمليات المستمرة، حرمت إسرائيل قطاع غزة من الوقود والكهرباء وضرورات مدنية أخرى، على اعتبار أن «حماس» ستستعملها لتحقيق أهدافها العسكرية. سبق وأنتج هذا الوضع أزمة إنسانية كبرى، ومن المتوقع أن تتفاقم المشكلة مع مرور الوقت. إذا رضخت إسرائيل للضغوط الأميركية والدولية التي تطالبها بتأمين الخدمات الأساسية والحرص على إيصال المواد الغذائية والأدوية إلى المدنيين في القطاع، ستصبح في موقف غير مألوف حيث تقدّم المساعدات وتشن الحرب في المنطقة نفسها. لكن إذا امتنعت عن هذه الخطوة، لا مفر من تصاعد الكلفة البشرية بدرجة استثنائية، فيدفع الأولاد وكبار السن والمدنيون الثمن.

قد تكون مصالح إسرائيل الاستراتيجية ورغبة قادتها في تهدئة الرأي العام المصدوم والغاضب من أبرز العوامل التي ترسم مسار العمليات العسكرية، لكن يُفترض أن يراعي القادة الإسرائيليون الرأي العام الدولي أيضاً، لا سيما آراء الأميركيين. يمقت عدد كبير من القادة العرب حركة «حماس» في أوساطهم الخاصة، وسيُسرّون حتماً بنجاح إسرائيل في تدميرها.

لكن شعر الرأي العام بالسرور إزاء تعرّض إسرائيل لضربات قوية، بينما ثارت حفيظتهم نتيجة الدمار الذي تنشره إسرائيل في غزة. أدت العمليات الإسرائيلية إلى تنظيم احتجاجات حاشدة في أنحاء العالم العربي، بما في ذلك بلدان كانت قد طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، مثل البحرين ومصر.

يُعتبر هذا التطبيع هدفاً دبلوماسياً رئيسياً بالنسبة إلى إسرائيل، ما يعني أنها لن تُعرّضه للخطر بهذه البساطة. حتى المملكة العربية السعودية التي كانت تخوض مفاوضات مكثفة مع الولايات المتحدة، قبل اندلاع الحرب، للتوصل إلى اتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أصدرت بيانات لاذعة تدين فيها التحركات الإسرائيلية في غزة.

لكن يحتل الرأي العام الأميركي الأهمية الكبرى. دعم الرئيس جو بايدن ومسؤولون في إدارته إسرائيل علناً، لكنهم يدعونها إلى ضبط النفس في أوساطهم الخاصة. بالإضافة إلى محاولة الحد من الكلفة البشرية على الجانب الفلسطيني، يشعر المسؤولون في واشنطن بالقلق من المخاطر المطروحة على الرهائن الأميركيين واحتمال أن ينتشر الصراع في أنحاء المنطقة ويُهدد القوات الأميركية وحلفاءها. في ظل توسّع هذه المخاوف كلها، قد تشتد الضغوط الأميركية على إسرائيل لدفعها إلى كبح عملياتها.

تبدو المخاوف الأميركية مشروعة، فقد تمتد هذه الحرب من إسرائيل وغزة إلى معظم أنحاء الشرق الأوسط. سبق وهدد حزب الله بالانضمام إلى القتال وكثّف اعتداءاته ضد إسرائيل من لبنان، وبدأت الاضطرابات تتوسع في الضفة الغربية، وأطلق الحوثيون في اليمن صواريخ باتجاه إسرائيل، وواجهت القواعد الأميركية في الشرق الأوسط اعتداءات من عملاء طهران، ما دفع الولايات المتحدة إلى ضرب مواقع على صلة بإيران في سوريا. لا مفر من أن تطرح أي حرب متوسعة يشارك فيها حزب الله وجماعات أخرى مدعومة من إيران تهديداً خطيراً على إسرائيل، فيرتفع خطر الإرهاب الدولي وتتأثر مصالح أميركية كثيرة.

كذلك، من المتوقع أن تواجه إسرائيل تحديات أكثر خطورة حين تحاول إنهاء عملياتها العسكرية. تتعلق إحدى المشاكل المتوقعة في مساعي استئصال «حماس» بمعرفة هوية البديل عن هذه الحركة. بالكاد تصمد السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ولا مفر من أن تتضرر مصداقيتها الهشة أصلاً وسط الفلسطينيين إذا تعاونت مع إسرائيل لإدارة غزة بعد الغزو. في غضون ذلك، تتردد مصر ودول عربية أخرى في استقبال اللاجئين الفلسطينيين، ما يعني أن استلام إدارة غزة سيكون أكثر تعقيداً بكثير.

لكن إذا اكتفت إسرائيل بشن ضرباتها قبل مغادرة المكان، ستعيد «حماس» ترسيخ مكانتها ولن تجد من ينافس سلطتها هناك. تكشف استطلاعات الرأي أن «حماس» لا تحظى بشعبية واسعة، لكنها تشير أيضاً إلى تراجع شعبية خصومها الفلسطينيين أكثر منها، كما أنهم يفتقرون إلى المعدات العسكرية والشبكات الاجتماعية والاقتصادية التي تملكها «حماس» في غزة.

لا تزال مشاعر الغضب في أعلى مستوياتها في إسرائيل، إذ يطالب الجميع بتدمير «حماس»، لكن يدرك القادة الإسرائيليون أن العمليات ستكون محفوفة بالمخاطر ويسهل أن تعطي نتائج عكسية. قد يدفع احتمال سقوط عدد إضافي من الإسرائيليين وظهور مخاوف أخرى ببعض المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك رئيس الوزراء شخصياً، إلى اتخاذ خطوات حذرة.

قد تشمل النتيجة النهائية بعض العمليات الميدانية، لكن يُفترض أن ترتكز على مقاربة أكثر حذراً بشكل عام من الغزو الشامل والاحتلال طويل الأمد الذي بدا أقرب إلى الواقع بعد هجوم 7 تشرين الأول مباشرةً. لن تدمّر هذه المقاربة «حماس»، وستؤدي على الأرجح إلى سقوط المزيد من الإسرائيليين وزيادة معاناة الفلسطينيين، لكنها ستسمح للقادة الإسرائيليين بتقليص جزء من أصعب المعضلات التي يواجهونها في غزة.


MISS 3