كريستوفر رويتر

خفايا خلاف السلطة والمال بين عائلتَي الأسد ومخلوف

29 أيار 2020

المصدر: DER SPIEGEL

02 : 00

أصبحت تجارة المخدرات من الوسائل القليلة المتبقية للحصول على العملة الصعبة. وتتولى مجموعة الشركات التي يملكها رجل الأعمال والملياردير السوري رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، إخفاء المخدرات وتصديرها. كانت الأطنان الأربعة من الحشيش التي ظهرت في ميناء شرق بورسعيد المصري في منتصف نيسان الماضي معبأة داخل صناديق كرتونية تعود إلى شركة "ميلك مان" التي يملكها مخلوف، لكنه أنكر تورطه في هذه العملية. أدت حملة الأسد القائمة منذ تسع سنوات ضد شعبه إلى انتصار نظامه، رغم الدمار الهائل في أنحاء البلد. لكنّ استمرار الإرهاب والانهيار الاقتصادي في البلاد أضعف نظامه، لذا بدأ الصراع على المال والسلطة داخل أوساط عائلة الأسد يتصاعد اليوم. في وسط تلك المعركة، تتصارع العائلتان المحيطتان ببشار الأسد ورامي مخلوف، أي الدكتاتور ورجل الأعمال. احتدم الخلاف بين العائلتين لأنهما لا تتبادلان المودة رغم صلة القرابة التي تجمعهما. لقد تبادلتا المجاملات حين كانت الغنائم كافية للجميع، لكن لم يعد الوضع كذلك.

اليوم، يطلق أغنى رجل في سوريا هجوماً علنياً على أصحاب السلطة. في 30 نيسان الماضي ثم في الأيام اللاحقة، نشر رامي مخلوف ثلاثة فيديوات في صفحته على فيسبوك، حيث تذمّر لأن مطالب السلطات المالية التي تفرض عليه أن يدفع ما يساوي 100 مليون يورو تقريباً "تم التلاعب بها" من جانب "كادر" من المسؤولين. بدا مخلوف منزعجاً جداً حين عبّر عن سخطه لأن موظفيه اعتُقلوا على يد الجهاز الأمني السري واعتبر ما حصل "انتهاكاً للقانون والدستور" كونه كان "أكبر داعم للجهاز الأمني خلال الحرب". ثم ناشد الأسد قائلاً: "سيدي الرئيس، لا تسمح بذلك"!

طموحات زوجة الرئيس

يحتقر عدد كبير من السوريين مخلوف ويلقّبه البعض بـ"رامي الحرامي". في بداية الانتفاضة، كان أغنى رجل في سوريا وبلغت ثروته حينها حوالى 5 مليارات دولار، كما أنه كان معتاداً على طرد جميع منافسيه من البلد أو وضعهم في السجن. كان يسيطر على شركة الاتصالات المربحة "سيريتل"، وهو يملك أيضاً شركات بناء ونفط ولديه حصة في معظم المشاريع التي تدرّ الأرباح.

تكمن مشكلة الأسد في اتكال عائلته التي تحكم سوريا منذ خمسة عقود على الأقلية العلوية، مع أن ثلاثة أرباع السكان كانوا من السُّنة قبل الحرب. تزوجت والدة بشار الأسد، أنيسة، من مؤسس سلالة حافظ الأسد في العام 1957، لكنها تنتمي أيضاً إلى عائلة مخلوف العلوية النافذة. هي وأفراد عائلتها لم يُسَرّوا في العام 2000، حين تزوج بشار الأسد من السنّية أسماء الأخرس التي كانت تعمل في القطاع المصرفي وقابلها في لندن. في المنطقة المحيطة باللاذقية التي تشمل عدداً كبيراً من العلويين، ارتدى الكثيرون ملابس سوداء يوم تزوج الثنائي. شعرت والدة بشار الأسد، أنيسة، بأن زوجة الرئيس يجب أن تكون ربة منزل، لكنّ أسماء بعيدة كل البعد عن هذه المواصفات، فهي تفضّل الفخامة على الحياة المنزلية الرتيبة وتتكلم اللغة الإنكليزية أفضل من زوجها. لكنّ خلاف أسماء مع رامي مخلوف ينجم في المقام الأول عن أسباب اقتصادية. أسس كل واحد منهما جمعيات خيرية، وسرعان ما أصبحت هذه المنظمات من آخر الوسائل التي تسمح بتلقي أموال المساعدات من الأمم المتحدة بعد فرض العقوبات الدولية على النظام السوري.

بدءاً من العام 2011، أضاف مخلوف جناحاً مسلحاً لجمعية "البستان" الخيرية، فلم يتردد 20 ألف مقاتل ميليشيوي فيها في سحق المواطنين السوريين. لكن في الخريف الماضي، لجأ الأسد إلى جيشه الخاص. غداة محاولة اغتيال قائد "البستان" وإحراق مركباتها واعتقال عشرات موظفيها، التزمت الجمعية الصمت.

اليوم، يقال إن أسماء الأسد تتطلع إلى الاستيلاء على أملاك مخلوف. في الخريف الماضي، أعلنت وزارة الاتصالات السورية أن شركة خلوية جديدة ستستلم شبكة قائمة قريباً. وفق مصدر لا يريد الإفصاح عن اسمه، من المتوقع أن تحمل الشركة اسم "إيماتيل" ويُقال إنها مُلك لأسماء الأسد.





ضغوط متصاعدة

تُعتبر فيديوات مخلوف على فيسبوك خطيرة. لا يبقى أي شخص على قيد الحياة بعد تصريح مماثل في إمبراطورية الأسد. لكنّ هذه التحديات المباشرة لسلطة الرئيس قد تكون مناورة لإنقاذ حياته في نهاية المطاف. كل من يختلف مع النظام يختفي من الوجود عن طريق "الانتحار"، على شكل رصاصات في الجهة الخلفية من رأسه. لكن بعد نشر تلك الفيديوات، لن يصدّق أحد أن مخلوف انتحر إذا وُجِد مقتولاً.

في مطلق الأحوال، لا يزال مخلوف مقيماً في سوريا ويقال إنه انتقل إلى بلدته الأم اللاذقية. لكنّ فيديواته لم تطلق أي انتفاضة من جانب العلويين الموالين له أو آلاف الموظفين لديه... حتى الآن على الأقل! تعمد السلطات في الفترة الأخيرة إلى تصعيد الضغوط عليه. لم تأمر وزارة المالية السورية بمصادرة أصول رامي وزوجته وأولاده فحسب، بل مُنِع مخلوف من السفر أيضاً.

لكن يظن عضو من أبرز العائلات الأوليغارشية في دمشق أن التوتر بين النسيبَين ليس مهماً جداً: "ماذا يُفترض أن يفعلا؟ إذا أقنع رامي أتباعه بالنزول إلى شوارع دمشق، سيقع الجميع بلا استثناء. كما أن الرجل الذي يستعرض ابنه صور الفيلا الفخمة التي يملكها وسيارات الفيراري لديه على إنستغرام لا يحظى بشعبية بين العلويين الفقراء، إذ يشقى هؤلاء لإيجاد ما يأكلونه. تكمن أهمية ما يحصل في مجال مختلف، حيث يؤدي رامي مخلوف دوراً أساسياً لكن مع أفراد مختلفين من العائلة. ذلك الصراع يتعلق بشبكة ضخمة لتجارة المخدرات، حيث أُعيق عدد من الشحنات المشبوهة. مخلوف ليس الشخص المستهدف، بل شركاءه الإيرانيين".


تهديد على إسرائيل


سئمت موسكو من النظام السوري وتمرّده. تريد روسيا أن تُرسّخ مكانتها وترغب أخيراً في عقد اتفاق سلام كي تبدأ المليارات بالتدفق من الخارج لإطلاق مسار التعافي. لكن لضمان حصول ذلك، يجب أن يغادر الإيرانيون لأنهم يريدون استعمال سوريا لتهديد إسرائيل.

يظن المصدر المنتمي إلى العائلة الأوليغارشية أن موسكو لا تهتم بخوض مواجهة عسكرية مع الوحدات الخاضعة لسيطرة إيران، بل إنها تسعى إلى إيجاد حل أفضل. تحاول موسكو برأيه قطع مصادر دخل حليفتها الإيرانية، بما في ذلك إنتاج كميات ضخمة من المخدرات، لأن طهران أصبحت على شفير الإفلاس.

لم يكن الروس يعارضون تصدير البضائع غير الشرعية لفترة طويلة. لكن تغيّر الوضع في السنة الماضية، حين طلبوا من السلطات السورية أن تجري تحقيقاً عن مساعد ماهر الأسد على خلفية تورطه في تجارة المخدرات. نتيجةً لذلك، أُقيل عميد وزعيم مافيا بارز. اعترف ماهر شخصياً بأنهما كانا من أهم مساعديه. شعر شقيق الرئيس بالغضب لدرجة أن يسحب جميع الوحدات التي كان يقودها في العملية الهجومية في إدلب. استاءت موسكو من هذا الموقف.

اليوم، يبدو أن روسيا تريد أن تثبت لرامي مخلوف وماهر الأسد و"حزب الله" مصدر النفوذ الحقيقي. كان الكشف عن شحنات المخدرات دليلاً على نيّتها.

على صعيد آخر، أنشأ المقاولون الفرعيون التابعون للكرملين، على غرار شركة "سترويترانسجاز"، الظروف التي تسمح لهم بتحقيق الأرباح من إعادة البناء، فحصلوا على عقود مرتبطة بمناجم الفوسفات وإنتاج الأسمدة وميناء طرطوس واستكشاف النفط والغاز. هم ينتظرون بدء المشاريع اليوم. يقول عنصر العائلة الأوليغارشية: "بدأ الوقت ينفد بالنسبة إلى الروس. خلال دعوات العشاء التي تشمل الجنرالات والمأمورين، يسود خوف من أن ينفد صبر روسيا في مسألة تحديد هوية حاكم البلد مستقبلاً. هم يتجهون إلى التخلي عن الأسد لكنهم لا يعرفون بعد ما سيفعلونه لتحقيق ذلك".





ســيــنــاريــو أفــغــانــســتــان فــي ســوريــا؟

يفسّر هذا الوضع الانتقادات القوية التي يتعرض لها نظام الأسد في الفترة الأخيرة من جهات متنوعة في موسكو. بدأت هذه الحملة في نيسان الماضي، مع مقالات في وسائل إعلام روسية عن الفساد المستفحل في سوريا وعن استطلاع محلي يكشف أن 32% من السوريين فقط سيصوتون للأسد في الانتخابات المقبلة. ثم كتبت وكالة الأنباء الحكومية "تاس" أن الأسد "ليس عاجزاً عن الحكم فحسب"، بل إنه قد "يُغرِق موسكو في سيناريو مشابه لأفغانستان".

لكن تفوقت صحيفة "غوسنوفوستي" على الجميع حين كتبت أن الأسد اشترى اللوحة الفنية "سبلاش" للرسام ديفيد هوكني مقابل 26 مليون يورو كهدية لزوجته أسماء، فيما يعيش شعبه معاناة كبرى وتخوض روسيا الحرب بدلاً منه.

هذه القصة مثيرة للاهتمام لأنها مزيفة على الأرجح: حتى الجيش الإلكتروني الروسي بدأ ينقلب على الأسد الذي كان يُعتبر دوماً "رئيس سوريا الشرعي". يمكن اعتبار هذا النوع من الانتقادات بمثابة تحذير أو طريقة لتحضير الشعبَين الروسي والسوري لاحتمال ألا يعود "الرئيس الشرعي" حاكم البلد فجأةً.

ثمة تغيير واضح في النسيج الجيوسياسي الذي يتوقف عليه مصير الأسد. منذ نيسان الماضي، أطلقت إسرائيل ست ضربات جوية على مواقع إيرانية في سوريا، وحصلت هذه العمليات على ما يبدو بموافقة موسكو. في المقابل، لم تطلق بطاريات "إس- 300" و"إس- 400"، التي يشغّلها الجيش الروسي وتشكّل أحدث أنظمة دفاعية جوية في سوريا"، أي صاروخ رغم زيادة أعداد الطائرات التي تخترق الأجواء السورية. ثم أعلن الممثل الأميركي الخاص في سوريا، جيمس جيفري، في بيان موجز من وزارة الخارجية الأميركية: "لم يكن إخراج روسيا من سوريا هدفنا يوماً".

في غضون ذلك، بدأت عملية رصّ الصفوف في دمشق. سمح القصر الرئاسي حديثاً لأحد المسؤولين بإطلاق تهديد صريح ضد روسيا. إذا تابعت موسكو الضغط على الأسد، سيطلق الحاكم السوري بحسب قوله حرباً على "المحتلين الروس" وستكون كفيلة "بشطب اسم بوتين من التاريخ الروسي إلى الأبد".

داخل العائلة الحاكمة، يحاول ماهر الأسد بدوره أن يبعد نفسه عن ابن خاله وشريكه رامي مخلوف. لكن يتّضح حجم التقارب السابق بينهما في تاريخ صفحة الفيسبوك التي استعملها رامي لمناشدة الرئيس: كان الحساب يعود إلى ماهر الأسد!


MISS 3