عبده جميل غصوب

ملاحظات على الاستشارة الصادرة عن هيئة التشريع في "العدل" الخاصة بتحديد "سعر الصرف الرسمي" للدولار

5 تشرين الثاني 2023

11 : 55

اولا: في ملخص ما انتهت اليه الاستشارة



أ ـ طلب السيد وزير الاتصالات بموجب كتابه تاريخ 28/9/2023 من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل " توضيح " ما هو " سعر الصرف الرسمي الذي عليه الالتزام به، وما اذا كان سعر صيرفة او ما قد يعتمد بديلاً رسميا لها "؟ 


" أفتت" الهيئة المذكورة ، بموجب استشارتها تاريخ 19/10/2023، بأن سعر الصرف القانوني أي التسعيرة التي يحددها مصرف لبنان بمفهوم المادة 87 من قانون الموازنة العامة للعام 2022، وهو حاليا اعلى سعري الصرف الصادرين عن مصرف لبنان، أي ذلك المطبق في احتساب رواتب العاملين في القطاع العام، وهو آخر سعر على منصة صيرفة صادر بتاريخ 31/7/2023 والبالغ 85500 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي.


ب ـ للاجابة على الاستشارة اعتمدت الهيئة نهجا جديدا، اذ استهلت بعرض المسار التاريخي للتشريع الخاص بسعر الصرف، ثم انتقلت الى تحديده راهنا.


ج ـ اوضحت الاستشارة بأن المقصود بـ " السياق التشريعي " لسعر الصرف غير محصور بالقانون انما يتعدى ذلك القواعد التي يضعها تارة مجلس الوزراء او الوزراء وتارة مصرف لبنان.


د ـ ذكرت الهيئة بانها ستتوقف عند كل محطة تشريعية متعلقة بسعر الصرف ( ابتداء من قانون النقد والتسليف ) لاستخلاص معايير او قواعد يمكن الاستناد اليها والاستدلال بها لتحديد سعر الصرف واجب التطبيق راهنا.



هـ ـ انطلقت الاستشارة من قانون النقد والتسليف ( القانون المنفذ بالمرسوم رقم 13413 تاريخ 1/8/1963 )، وتحديداً من مادتيه 2 و 229، للخلوص الى اربع ملاحظات:



1 ـ سعر الصرف القانوني الواجب التطبيق هو ذلك الذي يحدده القانون او من يفوضه القانون بتحديده.


2 ـ فوّض المشترع وزير المالية لتحديد سعر صرف انتقالي ريثما يتم تحديد سعر الليرة بالذهب.


3 ـ ان معيار تحديد سعر الصرف القانوني الانتقالي من قبل وزير المالية هو ان يكون سعر الصرف الحقيقي؛ أي السعر الاقرب ما يكون من سعر السوق الحرة.


4 ـ ان سعر الصرف الانتقالي القانوني أي سعر الصرف الحقيقي الاقرب الى سعر السوق الحرة والذي سيحدده وزير المالية، هو واجب التطبيق لدى احتساب الضرائب والرسوم.



و ـ ثم انتقلت الهيئة الى المسار التاريخي للموضوع المطروح مستخرجة نتائج كل فترة زمنية. ومنطلقة من تقسيم قائم على التواريخ الزمنية، بحيث اعتبرت التاريخ الزمني عنوانا. لكل حقبة مر بها موضوع الاستشارة.



1 ـ في ظل عدم صدور أي قانون يحدد سعر صرف الليرة اللبنانية بالذهب ، قام زير المالية، سندا للتفويض التشريعي المعطى له بمقتضى المادة 229، فقرة أ من قانون النقد والتسليف، بتحديد سعر انتقالي قانوني بموجب القرار رقم 4800 تاريخ 30/12/1964، يستفاد منه بمقتضى المادة الاولى منه انه " يحدد السعر الانتقالي لليرة اللبنانية نسبة للدولار الاميركي بمعدل ثلاث ليرات لبنانية وثمانية قروش لكل دولار اميركي".


2 ـ بتاريخ 21/3/1973 ، اصدر مجلس الوزراء القرار قم 11، الذي جاء فيه ان الاستمرار في استيفاء الضرائب والرسوم على اساس السعر الانتقالي القديم، من شأنه جعل الاستيفاء يتم على اسس لم تعد واقعية، ما يقتضي معه اعتماد المعدلات الواقعية للعملات الاجنبية بالنسبة لليرة اللبنانية لغاية استيفاء الضرائب والرسوم. التي تستوفي عن المالغ المحررة بالعملات الاجنبية، قيد العملات الاجنبية التي تستوفيها الدولة وتسوية حسابات مصرف لبنان.


وتكليف وزير المالية وضع القواعد المناسبة واخذ التدابير اللازمة لتنفيذ القرار اعلاه. هذا مع الاشارة الى ان مجلس الوزراء ، غير مفوض تشريعيا لذلك، بل ان قانون النقد والتسليف قد فوض لهذه الغاية وزير المالية منفردا وليس مجلس الوزراء.


3 ـ سندا لقرار مجلس الوزراء رقم 11 تاريخ 21/3/1973 اعلاه، اصدر وزير المالية القرار رقم 883 تاريخ 28/3/1973 الذي جاء في المادة الاولى منه ان السعر المتوسطي لغاية استيفاء الضرائب والرسوم عن المبالغ المحررة بالعملات الاجنبية، تحتسب على اساس متوسط الاسعار الفعلية في سوق بيروت التي تكون قد تحققت خلال الفترة المتراوحة بين الخامس والعشرين من كل شهر والخامس والعشرين من الشهر الذي يليه. ويعتمد سعر الاقفال لنهار 28 آذار 1973 سعرا للقطع يطبق من 29 آذار 1973 وخلال شهر نيسان المقبل. وهذا يعني ان وزير المالية اعتمد متوسط اسعار الصرف الفعلية في سوق بيروت، لغاية استيفاء الضرائب والرسوم التي تستوفى عن المبالغ المحررة بالعملات الاجنبية ولزوم قيد العملات الاجنبية التي تستوفيها الدولة، لغاية تسوية حسابات مصرف لبنان.


4 ـ تصديقا لقرار مجلس الوزراء، صدر عن المجلس النيابي في 5/10/1973 قانون " تصديق اجراءات متخذة بشأن اعتماد سعر الذهب الجديد بالنسبة للدولار الاميركي "، المنشور بالمرسوم رقم 6104، الذي نص عن تصديق الاجراءات المتخذة من قبل الحكومة في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 21/3/1973 ( القرار 11/73 ) القاضي بتكليف وزير المالية بالاتفاق مع مصرف لبنان بوضع القواعد المناسبة واخذ التدابير اللازمة لتحقيق ما هو وارد اعلاه في القرار المذكور.


هكذا يكون مجلس النواب قد صدّق على الاجراءات التي اتخذها كل من مجلس الوزراء ووزير المالية لناحية اعتماد سعر قانوني هو متوسط اسعارالصرف الفعلية في سوق بيروت وذلك لغاية محددة هي استيفاء الضرائب والرسوم عن المبالغ المحررة بالعملات الاجنبية ولغاية قيد العملات الاجنبية التي تستوفيها الدولة ولغاية تسوية حسابات مصرف لبنان.


5 ـ اما في ما خص المسائل الاخرى غير المذكورة اعلاه، فقد صدر القانون المنشور بالمرسوم رقم 6105 تاريخ 5/10/1973 الذي فوّض الحكومة لمدة ستة اشهر صلاحية تحديد سعر انتقالي قانوني لليرة اللبنانية من جهة أولى.


والغى من جهة ثانية ضمنا سعر الصرف الانتقالي القديم البالغ 308 قروش للدولار الاميركي.


ولكن مهلة الستة اشهر انقضت دون ان تحدد الحكومة سعر صرف انتقالي جديد بالمسائل غير المتعلقة باستيفاء الضرائب والرسوم وبقيد العملات الاجنبية التي تستوفيها الدولة وبتسوية حسابات مصرف لبنان ؛ الامر الذي يستوجب معه تحديد سعر الصرف الواجب التطبيق في هذه المسائل في ضوء الغاء سعر الصرف القديم البالغ 308 قروش للدولار الاميركي وامتناع الحكومة عن ممارسة التفويض المعطى لها من المجلس النيابي في تحديد سعر صرف قانوني انتقالي جديد.


هنا ذهبت الاستشارة الى الاستنتاج ان سعر الصرف القانوني هو سعر السوق الحرة في المسائل المتعلقة سواء بحسابات مصرف لبنان او باستيفاء الضرائب والرسوم أو قيد العملات الاجنبية من قبل الدولة او بغيرها من المسائل، معتمدة في ذلك، على رأي فقهي للدكتور توفيق حسن فرج، غير كاف برأينا لتبرير ما خلصت اليه الاستشارة.


6 ـ بعد ذلك صدرت تشريعات لغايات محددة ومحصورة نطاق تطبيقها وذلك في الفقرة الاولى من المادة 51 من قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 1985، التي تناولت رواتب الدبلوماسيين العاملين في البعثات اللبنانية في الخارج وملحقاتها على اساس اسعار ثابتة للدولار الاميركي.


ثم صدرت بعد ذلك بين العامين 1991 و1992 مراسيم حددت احتساب قيمة البضائع الواجب التصريح عنها للجمارك بالاستناد الى سعر صرف يبلغ ثمانماية ليرة لبنانية للدولار الاميركي.


ز ـ مع نهاية العام 1997، قرر مصرف لبنان انتهاج سياسة نقدية تقوم على تثبيت سعر الصرف الوسطي بـ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد وذلك عبر التدخل في سوق القطع، سندا لاحكام المادة 75 من قانون النقد والتسليف التي تنص انه " يستعمل المصرف الوسائل التي يرى ان من شأنها تأمين ثبات القطع ". ومن اجل ذلك يمكنه خاصة ان يعمل في السوق بالاتفاق مع وزير المالية مشتريا او بائعا ذهبا او عملات اجنبية مع مراعاة احكام المادة 69.


وتقيّد عمليات المصرف على العملات الاجنبية في حساب خاص يسمى صندوق تثبيت القطع.


ان مساهمة مصرف لبنان في تحديد سعر الصرف بقيت محصورة بتدخله الفعلي مشتريا او بائعا للعملات الاجنبية. ولم يتعدّ ذلك، باي حال من الاحوال، الى اصداره قرارات لتحديد اسعار الصرف سواء عن مجلسه المركزي أو عن حاكمه، لكون مهمته محصورة بالتدخل في السوق وفق ما تنص عنه المادة 75 من قانون النقد والتسليف، فضلا عمّا يستفاد من المادتين 2 و229 من القانون ذاته لناحية حصر صلاحية تحديد سعر الصرف بمجلس النواب بموجب قوانين. وان مصرف لبنان لم يكن مفوضا تشريعيا بتحديد سعر الصرف ، كما سبق وحصل مع وزير المالية، وفقا لما اشرنا اليه اعلاه بالاستناد الى المادة 229 نقد وتسليف وقرار مجلس الوزراء رقم 11/73، المصادق عليه لاحقا من المجلس النيابي.


ح ـ بقي مصرف لبنان يتدخل في سوق القطع لتثبيت سعر الصرف الفعلي على 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد. وبقي يعلن عن هذا السعر كل يوم يحصل فيه تداول ( على اعتبار ان عمليات التداول بالقطع في بورصة بيروت لم تكن موجودة ) أي ان مصرف لبنان لم يكن يصدر قرارات بتحديد سعر الصرف، لانه ليس اصلا مختصا ان يقوم بذلك لغياب التفويض التشريعي بهذا الموضوع ؛ الامر الذي يستفاد معه ـ حسبما جاء في الاستشارة ـ ان سعر الصرف القانوني النافذ الذي حدده القانون المنشور بالمرسوم رقم 6104، أي سعر الصرف الفعلي ( سعر السوق الحرة ) اصبح 1507.5 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي.



ط ـ اضاءت الاستشارة على الفقرة الثالثة من المادة 18 من القانون رقم 57 تاريخ 5/10/2017 (الاحكام الضريبية المتعلقة بالانشطة البترولية وفقا للقانون رقم 132 تاريخ 24/8/2010 ) التي كانت تنص على مسك السجلات المحاسبية وتقديم التصاريح وتسديد الضرائب بالدولار الاميركي، ليتم لاحقا تعديلها بموجب قانون الموازنة رقم 144 تاريخ 31/7/2019، فأصبح مسك السجلات المحاسبية بالدولار الاميركي والتصريح عن الضرائب وتسديدها بالدولار الاميركي او باليورو او بالليرة اللبنانية على اساس الحد الاقصى لسعر الصرف الصادر عن مصرف لبنان ، وذلك بعد ان بدأ سعر الصرف في السوق الفعلية يتخطى ذلك الذي يعلنه مصرف لبنان.


ي ـ منذ اواسط العام 2019، وبسبب تناقص كميات الدولارات النقدية في المصارف وتنامي عجز مصرف لبنان عن التدخل في سوق القطع، فنشأت سوق موازية بدأ فيها بيع الدولار الاميركي باسعار لم تتوقف عن الارتفاع ( لامست في احدى المراحل 150.000 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد) ؛ بيد ان مصرف لبنان أبقى على موقعه لالكتروني لغاية شباط 2023 سعر الصرف محددا بـ 1507.5 ليرة لبنانية، وهو ما اصطلح على تسميته " سعر الصرف الرسمي " . وتضيف الاستشارة ان هذه التسمية حتى تلك المرحلة كانت " مرتجلة لا تستند الى نص قانوني على اعتبار ان القانون لا يتيح لمصرف لبنان تحديد اسعار صرف ".



ك ـ تضيف الاستشارة انه تلا ذلك صدور قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2020 (قانون نافذ حكما رقم 6 صادر بتاريخ 5/3/2020)، الذي نصّت المادة 35 منه انه " خلافا لاي نص آخر عام او خاص، تستوفى جميع الضرائب والرسوم والاجور عن كل انواع الخدمات التي تقدمها الدولة اللبنانية عبر مختلف انواع المؤسسات الممولة او المدارة، كليا او جزئيا من قبل الدولة، بالليرة اللبنانية فقط، بما فيها دفع ايجارات المباني المستأجرة من قبل الدولة.


واذا اقتضت الضرورة معادلة الليرة اللبنانية باي عملة اجنبية بالنسبة لاجور بعض الخدمات، فيكون ذلك الزاميا وفقا للتسعيرة الرسمية التي يفرضها المصرف المركزي اللبناني.



اما بالنسبة الى حصة الدولة في قطاع استخراج النفط والغاز ومشتقاتهما وبيعها، فيكون استيفاؤها حصرا بالدولار الاميركي او اليورو ".

هنا تذكر الاستشارة ان " تعبير التسعيرة الرسمية " ( او سعر الصرف الرسمي ) " تسلل " للمرة الاولى الى التشريع اللبناني في المادة 35 اعلاه، على اعتبار انه حتى تاريخ قانون الموازنة العامة للعام 2020، كان التشريع يتناول عبارة سعر الصرف القانوني، أي ذلك الذي يحدده القانون او من يفوضه القانون بذلك.


ورد في الاستشارة الملاحظات التالية على المادة 35:


ـ لم تذكر سوى " التسعيرة الرسمية " دون التسعيرات الاخرى، كما لم تحدد الارقام الواجبة التطبيق بل احالت الى " التسعيرة الرسمية " تاركة لمصرف لبنان امر تحديدها ، خلافا لما فعله وزير المال في قراره 4800 تاريخ 30/12/1964 ، حين حدد سعر الصرف بـ 308 قروش لليرة اللبنانية، وخلافا لما فعله المشترع في قانون الدولار الطالبي، حيث تحدد السعر بـ 1515 ليرة مقابل الدولار الاميركي الواحد. أضف الى ذلك انه وردت في المادة المذكورة كلمة " يفرضها " في اشارتها الى التسعيرة التي يحددها مصرف لبنان، في حين ان وزير المالية في قراره رقم 883 تاريخ 28/3/1973 اشار الى ان سعر الصرف الفعلي الواجب التطبيق هو ذلك الذي " يبلغه " مصرف لبنان للمديرية العامة للجمارك ؛ ما يؤكد بان المادة 35 اعطت المصرف المركزي صلاحية تحديد اسعار صرف رسمية.


لم يستند مصرف لبنان الى المادة 35 لاصدار تسعيرة رسمية، بل استمر في حينه بوضع متوسط سعر الصرف على موقعه الالكتروني والذي كان يشير الى كونه يبلغ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد.



ل ـ في 3/4/2020 اعتمد مصرف لبنان للمرة الاولى سعر صرف للتعاملات بين المصارف وعملائها بموجب التعميم الاساسي للمصارف رقم 1408 المتعلق بسحوبات نقدية من الحسابات الصغيرة لدى المصارف ؛ علما بانه قبل ذلك ، كان يتم ذكر سعر الصرف على الموقع الرسمي لمصرف لبنان، وهو كان يعكس سعر الصرف الفعلي قبل بدء الازمة المالية. بيد انه بموجب التعميم الراهن لم يعد هذا المصرف يعلن سعر الصرف الفعلي في السوق، بل اصبح يحدد اسعار صرف بدأها بالسعر الواجب التطبيق في التعاملات بين المصارف والعملاء.



لكنه عاد واشار صراحة الى مبلغ الـ 1507.5 كسعر صرف في التعميم رقم 573 ( القرار الوسيط رقم 13283 تاريخ 9/10/2020) ، الذي نص في مادته الاولى انه " يقوم العميل بتسديد النسبة المطلوب تغطيتها وفقا لاحكام هذه المادة الى المصرف المعني، بالليرة اللبنانية على اساس سعر الصرف المحدد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف ( 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد )، على ان يقوم المصرف بايداعها اوراقا نقدية Banknotes في مصرف لبنان بغية تأمين العملات الاجنبية لعملية الاستيراد ".


م ـ بموجب التعميم رقم 149 تاريخ 3/4/2020 ( القرار الاساسي رقم 13216 ) تاريخ 3/4/2020 ( الموجّه الى مؤسسات الصرافة ) تمّ انشاء " منصة صيرفة " للتداول بالعملات الاجنبية، وقد تمّ تحديد أقصى لسعر بيع الدولار الاميركي مقابل الليرة اللبنانية هو 3200 ليرة لبنانية وذلك في التعميم الوسيط رقم 553 تاريخ 27/4/2020 ( القرار الوسيط رقم 13223 تاريخ 27/4/2020). ثم جرى لاحقا تعديل السعر ليصبح 3900 ليرة لبنانية . جرى تمديد عمل المنصة حتى تاريخ 30/9/2021 بموجب التعميم الاساسي للمصارف رقم 151 تاريخ 21/4/2020 ( القرار الاساسي رقم 13221 تاريخ 21/4/2020)، حيث يستفاد من مادته الاولى انه " مع الاحتفاظ بمفهوم القرار الاساسي رقم 13217 تاريخ 4/9/2020، وفي حال طلب العميل اجراء سحوبات او عمليات صندوق نقدا من الحسابات او من المستحقات العائدة له بالدولار الاميركي او بغيرها من العملات الاجنبية ، على المصارف العاملة في لبنان، شرط موافقة العميل المعني، ان تقوم بتسديد ما يوازي قيمتها بالليرة اللبنانية، وفقا لسعر السوق المعتمد في المنصة الالكترونية لعمليات الصيرفة ". ونصّت المادة الخامسة منه انه " يعمل باحكام هذا القرار فور صدوره ولغاية 30/9/2021. ثم جرى تمديد العمل بالتعميم رقم 151 لغاية 31/1/2022 ، بموجب القرار الوسيط رقم 13368 تاريخ 29/9/2021. ثم تمّ رفع السعر الى 8000 ليرة لبنانية الى ان توقف العمل بهذا السعر مع بداية شباط 2023.



ن ـ اعتبرت الاستشارة ان سعر المنصة هو ايضا سعر صرف رسمي، اسوة بالسعر البالغ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد للاسباب التالية:



1 ـ في ما يتعلق بمسألة تمويل تعليم الطلاب اللبنانيية في الخارج اختار قانون الدولار الطالبي سعر المنصة البالغ 1515 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي. كما اختار سعر المنصة في القانون التعديلي لقانون الدولار الطالبي رقم 283 تاريخ 12/4/2022.


2 ـ ورد في محضر اجتماع التفاوض بين الوفد اللبناني والوفد الممثل للبنك الدولي عبارة " اعلى سعر صرف رسمي مقابل الدولار الاميركي "، أي سعر منصة صيرفة الالكترونية البالغ 3100 ليرة لبنانية؛ فيستفاد من اتفاقية القرض اعلاه ان اسعار الصرف الرسمية الصادرة عن مصرف لبنان هي عديدة بدليل استعمال عبارة " اعلى سعر صرف رسمي ". فضلا عن اختلاف هذا السعر عن سعر قانون الدولار الطالبي البالغ 1515 ليرة لبنانية.



س ـ بموجب التعميم رقم 158 تاريخ 8/6/2021 ( القرار الاساسي رقم 13335 ) حدد سعر رسمي اضافي يبلغ 12 الف ليرة لبنانية لكل دولار اميركي، يتم سحب 400 $ بالليرة اللبنانية شهريا على اساس هذا السعر يدفع منها 50 % لصاحب الحساب نقدا Banknotes و 50% بواسطة البطاقات المصرفية. في الوقت الراهن توقف العمل بالسحوبات بالليرة اللبنانية وبالتالي بسعر الصرف البالغ 12000 ليرة للدولار الاميركي الواحد.


ع ـ ان مصرف لبنان اوجد سوقا يتم عبرها التداول الحر بالعملات الاجنبية ومنها الدولار الاميركي وذلك دون وجود سعر محدد من قبل مصرف لبنان، بل على العكس من ذلك، فان التداول الذي تقوم به المصارف ومؤسسات الصرافة يتم الاستناد الى قواعد العرض والطلب.


ان السوق الذي تمثله " صيرفة " من المفترض ان تكون سوق تداول حر تحكم العمليات فيها قاعدة العرض والطلب، وفق آليات محددة من قبل مصرف لبنان لتأمين الشفافية المطلوبة. وهو الامر غير المتوفر في التطبيقات الالكترونية المنتشرة التي تعكس ما يسمى بسعر " السوق السوداء" حيث تنتفي الشفافية بشكل كامل وتختلف الاسعار من تطبيق الكتروني الى آخر، ما يحجب الشفافية وينفي الثقة.


واذا كان صحيحاً ان " سعر صيرفة " لا يعكس تماما سعر السوق الحرة، الا انه يشكل سعر الصرف الاقرب الى متوسط سعر الصرف الفعلي الذي تعكسه التطبيقات الالكترونية المنتشرة.


أوقف مصرف لبنان العمل بمنصة صيرفة بتاريخ 31/7/2023، وفق ما يتبيّن من الموقع الرسمي للمصرف الذي يذكر سعر الصرف معادلا لمبلغ 85.500 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي.



س ـ في تحديد الاستشارة لسعر الصرف الواجب التطبيق، ذكرت ما يلي:


1 ـ رأت الاستشارة ان تحديد سعر الصرف يقتضي ان يتم تحديده بالاستناد الى المادة 87 من قانون الموازنة العامة للعام 2022 التي لم تحدد بالارقام سعر الصرف الواجب التطبيق، انما احالت الى سعر الصرف الذي يحدده المصرف المركزي.


2 ـ ورد في فذلكة مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2022، وتحديداً في الصفحتين السابعة والثامنة منه، وجوب اعتماد " سعر صرف منطقي " في تقدير واردات الخزينة ورفع الايرادات تدريجيا من خلال اعتماد سعر صرف واقعي لاستيفاء رسوم الاستيراد وتعديل إحتساب كافة الضرائب والرسوم كسياسة للتصحيح المالي تؤمن الاستدامة في شريان تمويل مصاريف الدولة. كما ورد في الصفحة التاسعة منها انه " كان من المجدي تبني سعر صرف منطقي في تقدير الايرادات والنفقات". وورد في الصفحة 19 منها ان خدمة الدين بالعملة الاجنبية ( القروض ) تمت على اساس سعر صرف 20 الف ليرة لبنانية للدولار الواحد.


3 ـ ان مشروع قانون الموازمنة العامة ( المرسوم رقم 8877/2022 ) تمّ اقراره في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 10/2/2022، أي في ظل سريان احد اسعار الصرف الرسمي البالغ 1507.5 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي، الذي ابقى عليه مصرف لبنان لغاية شباط 2023، حيث تمّ رفعه الى 15000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي ، كما سبق بيانه.


4 ـ ن المصرف المركزي راهنا وبعد نفاذ قانون الموازنة العامة للعام 2022 ، يعتمد سعري صرف: اولهما البالغ 15000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي ، وثانيهما البالغ 85500 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي، يتم الاستناد اليه في دفع رواتب العاملين في القطاع العام.


5 ـ في ظل عدم اصدار مصرف لبنان سعر صرف محدد بالاستناد الى المادة 87 اعلاه، ينبغي انسجاما مع الفقرة الثالثة من المادة 18 من القانون رقم 57 تاريخ 5/10/2017، والقانون رقم 219 تاريخ 8/4/2021 وتعديلاته بموجب القانون رقم 251 تاريخ 17/12/2021 ـ تطبيق سعر الصرف الاعلى الذي يحدده مصرف لبنان.


6 ـ يقتضي تحديد نيّة المشترع لتفسير عبارة " التسعيرة التي يحددها مصرف لبنان " في المادة 87 وذلك لبيان سعر الصرف الواجب التطبيق بين سعري الصرف اللذين يعتمدهما مصرف لبنان وهما 15000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي و85500 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي.


7 ـ بالعودة الى فذلكة الموازنة ، وهي التقرير الذي يقدمه وزير المالية مع مشروع الموازنة الى مجلس الوزراء يحلل فيه الاعتمادات المطلوبة والفروقات الهامة بين ارقام المشروع وبين ارقام موازنة السنة الجارية ( لمادة 17 من قانون المحاسبة العمومية )، فانه يتبيّن ان التوجه هو لاعتماد "سعر صرف منطقي" في تقدير موارد الدولة، أضف الى ذلك اعتماد التقرير على سعر صرف يبلغ 20 الف ليرة لبنانية للدولار الاميركي ، لتقدير قيمة فوائد القروض بالعملة الاجنبية ، وذلك في ظل سعر صرف رسمي كان يبلغ في ذلك الحين 1507.5 ليرة لبنانية، مع الاشارة الى ان سعر الصرف على منصة صيرفة بتاريخ اقرار مشروع الموازنة في مجلس الوزراء، أي بتاريخ 10/2/2022 كان يبلغ 20.900 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد.


8 ـ ان الاسس التي استند اليها التقرير والتي تمّ اعتمادها لصياغة المادة 96 من مشروع الموازنة والتي تمّ تبنيها دون تعديلات في قانون الموازنة بموجب المادة 87، لا بد ان يتم الاستدلال بها لتفسير مضمون هذه المادة، لا سيما عبارة " التسعيرة التي يحددها مصرف لبنان " الواردة فيها.


9 ـ من الواضح ان الاتجاه في حينه كان لتطبيق سعر صرف اعلى من سعر الصرف الرسمي البالغ في حينه 1507.5 ليرة لبنانية، بدليل الاشارة الى ضرورة اعتماد " سعر صرف منطقي " لزيادة موارد الدولة.


10 ـ إن اعمال هذا المعيار على الوضع الراهن يستفاد منه استبعاد سعر الصرف الرسمي الذي حل محل 1507.5 ليرة لبنانية، مقابل الدولار الاميركي، الا وهو 15000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي، وذلك تماشيا مع فلسفة قانون الموازنة العامة الهادفة الى زيادة موارد الدولة؛ وبالتالي اعتماد سعر " منصة صيرفة " الذي كان في حينه 20.900 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد، وهو اليوم 85.500 ليرة لبنانية ،وفقا لما اقفل عليه التداول عليها بتاريخ 31/7/2023.


ف ـ انتهت الاستشارة، تأسيسا على ما ذكرناه اعلاه، انه يكون لازما اعتماد سعر الصرف الرسمي البالغ 85.5000 ليرة لبنانية، أي آخر سعر صرف صدر على منصة صيرفة بتاريخ 31/7/2023، والذي ما زال يعتمده مصرف لبنان، في احتساب رواتب العاملين في القطاع العام ؛ مضيفة بان اعتماد هذا السعر، وهو اعلى سعري الصرف الصادرين عن مصرف لبنان، والاقرب الى سعر السوق الحرة، ينسجم مع السياسة التشريعية المتعلقة بتحديد اسعار الصرف القانونية، التي سبق واعتمدت " سعر القطع الحقيقي الاقرب ما يكون من سعر السوق الحرة " (المادة 229 من قانون النقد والتسليف لتحديد سعر الصرف القانوني الانتقالي الاول و" المعدلات الواقعية للعملات الاجنبية بالنسبة لليرة اللبنانية " في القانون المنشور بالمرسوم رقم 6104 تاريخ 5/10/1973 لتحديد سعر الصرف الانتقالي الثاني. واشارت الاستشارة دعما للنتيجة التي خلصت اليها ان وزير المالية اعتمد " الاسعار الرائجة في السوق ، في قراره رقم 68/1 تاريخ 23/11/2022 لتحديد دقائق تطبيق احكام المادة 35 من قانون الموازنة العامة للعام 2022 ". كما اعتمد " اسعار الصرف الرائجة حسب متوسط سعر صيرفة للعام 2022 لاحتساب قيمة عقود الايجار اعتبارا من 1/1/2022" في قراره رقم 685/1 تاريخ 23/11/2022، لاحتساب القيمة التأجيرية موضوع المادة 60 من قانون الموازنة العامة للعام 2022.


ص ـ خلصت الاستشارة الى النتيجة التالية: ان سعر الصرف الرسمي الواجب التطبيق راهنا هو سعر الصرف القانوني أي " التسعيرة التي يحددها مصرف لبنان، بمفهوم المادة 87 من قانون الموازنة العامة للعام 2022، وهو حاليا اعلى سعري الصرف الصادرين عن مصرف لبنان، أي ذلك المطبق في احتساب رواتب العاملين في القطاع العام، وهو آخر سعر على منصة صيرفة صادر بتاريخ 31/7/2023، والبالغ 85.500 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد ".



ثانيا: في التعليق على الاستشارة



أ ـ في تحديد مداها التطبيقي


ان المادة 87 من قانون الموازنة العامة للعام 2022 ( القانون النافذ حكما رقم 10 تاريخ 10/11/2022) التي نصّت عن الغاء المادة 35 من القانون النافذ حكما رقم 6 تاريخ 5/3/2020 (الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2020) ،استعاضت عنه بالنص التالي:



" تستوفى بالليرة اللبنانية:


ـ الحصص التي تعود للدولة اللبنانية.


ـ الضرائب والرسوم.


ـ البدلات عن كل انواع الخدمات التي تقدمها الدولة اللبنانية عبر مختلف انواع المؤسسات المملوكة او الممولة او المدارة ، كليا او جزئيا من قبلها، واذا اقتضت الضرورة معادلة الليرة اللبنانية باي عملة اجنبية بالنسبة لبدلات بعض الخدمات، فيكون ذلك الزاميا وفقا للتسعيرة التي يحددها مصرف لبنان".


رأت الهيئة ان حكم المادة 87 هو ذاته حكم القانون المنشور بالمرسوم 6104 تاريخ 5/10/1973 السالف ذكره، كون نطاق تطبيقه يشمل " استيفاء الحصص التي تعود للدولة اللبنانية، الضرائب والرسوم والبدلات عن كل انواع الخدمات التي تقدمها هذه الاخيرة، ما يجعله قانونا يعيد تنظيم قواعد سعر الصرف القانوني بشكل عام وليس فقط في ما خص الامور المذكورة في متنه".


اننا لا نوافق الهيئة على ذلك للاسباب التالية:


السبب الاول: ان قانون الموازنة العامة للعام 2022، والمادة 87 التي تم الاستناد اليها، هو قانون خاص، لا يصح التوسع في تفسيره، بل يجب تفسيره حصرا وابقاء نطاقه في ما تمّ ذكره في متنه وعدم التوسع في تفسيره لجعله يشمل نقاطا اخرى غير مذكورة فيه.


السبب الثاني: ان تبرير شمولية قانون الموازنة العامة للعام 2022، بتشبيهه بالقانون المنشور بالمرسوم رقم 6104 تاريخ 5/10/1973 ليس موفقا لان ظروف كل قانون مختلفة عن الاخرى، ولان التشبيه اصلا ليس كافيا لتبرير الشمولية.


السبب الثالث: ان اعتبار احكام المادة 87 من قانون الموازنة العامة للعام 2022 " يعيد تنظيم قواعد سعر الصرف القانوني بشكل عام وليس فقط في ما خص الامور المذكورة في متنه"، يؤدي الى تطبيق المادة المذكورة على الالتزامات الشخصية الناشئة عن التعامل بين الافراد، وعلى القروض المصرفية، فيما هذه النقطة ـ كما سنأتي على بيانه ادناه ـ ذات خصوصية كافية لاخضاعها الى غير المادة 87 اعلاه.


ولكننا نرى ان حكم المادة 87، لا سيما في السياق الزمني الذي اعتمدته الاستشارة ، تصلح "مؤشرا" لاعتماد الحلول في المسائل الناشئة عن تحديد سعر الصرف الرسمي وليس "معياراً" لذلك.


وهنا لا نوافق الاستشارة في اعتماد مضمون المادة 87 " معيارا " لتحديد سعر الصرف، بل هي مجرد " مؤشر" ذلك، لان المعيار يكون حاسما وقاطعا بينما المؤشر ليس سوى وسيلة استدلال، يشكل مع وسائل اخرى طريقة سليمة لملامسة الحلول.


نقول ذلك يقينا منا بان الخلفية المالية والاقتصادية ليست دائما واحدة، فان خلفية تحديد الضرائب والرسوم وسواها مما ذكره المشترع في المادة 87، مختلفة كليا عن خلفية تحديد سعر الصرف الرسمي للدولار الاميركي في التعاملات الخاصة، لا سيما في القروض المصرفية. هذا فضلا عن انه يجب ان نكون جدا متحفظين حول نقطة تحديد سعر الصرف الرسمي، في ظل غياب خطة اقتصادية شاملة للنهوض بالاقتصاد الوطني، بل اكثر من ذلك بغياب خطة تعافي اقتصادية طال انتظارها. ناهيك عن اصلاحات واعادة هيكليات وحوكمات الخ. في مؤسساتنا الرسمية، المالية والمصرفية، بعد " السقطة " الكبيرة للقطاع المصرفي ولمجمل مؤسسات الدولة.


ب ـ في تطّور سعر الصرف:


1 ـ السعر القانوني هو السعر الذي يحدده القانون او الجهة التي يفوضها القانون بتحديده.


فقانون النقد والتسليف ( المنفذ بالمرسوم رقم 13513 تاريخ 1/8/1963) نص في مادته الثانية انه "يحدد القانون قيمة الليرة اللبنانية بالذهب الخالص ".


ونص في المادة 229، فقرة اولى منه انه " ريثما يحدد بالذهب سعرجديد لليرة اللبنانية بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي وريثما يثبت هذا السعر بموجب قانون وفقا للمادة الثانية، يتخذ وزير المالية الاجراءات الانتقالية التالية التي تدخل حيّز التنفيذ بالتواريخ التي سيحددها.


يعتمد لليرة اللبنانية، بالنسبة للدولار الاميركي المحدد بـ 671 888 غرام ذهب خالص، سعر قطع حقيقي اقرب ما يكون من سعر السوق الحرة، يكون هو السعر الانتقالي القانوني لليرة اللبنانية.


وحدد في الفقرة الرابعة من المادة 229 عينها انه " تحسب على اساس السعر الانتقالي القانوني الضرائب والرسوم التي تستوفى عن المبالغ المحررة بالعملات الاجنبية والتي تحسب حاليا على اساس السعر المحدد بالمادة الاولى من قانون 24 ايار سنة 1949 ".


هذا يعني، كما ذكرنا اعلاه، بان سعر الصرف القانوني هو الذي يحدده القانون او الجهة التي يفوضها القانون بتحديده. وان المشترع فوض وزير المالية لتحديد سعر صرف انتقالي ريثما يتم تحديد سعر الليرة بالذهب. وان معيار تحديد سعر الصرف القانوني الانتقالي من قبل وزير المالية هو سعر الصرف الحقيقي ، أي السعر الاقرب ما يكون من سعر السوق الحرة. وهذا السعر هو الواجب التطبيق لدى احتساب الضرائب والرسوم.


2 ـ في ظل عدم صدور قانون يحدد سعر صرف الليرة اللبنانية بالذهب ، قام زير المالية سندا للتفويض التشريعي المعطى له بموجب المادة 229، فقرة 1 من قانون النقد والتسليف، بتحديد " سعر انتقالي قانوني " بموجب القرار رقم 4800 تاريخ 30/12/1964 حدد بموجبه السعر الانتقالي لليرة اللبنانية نسبة للدولار الاميركي، في مادته الاولى، بمعدل ثلاث ليرات لبنانية وثمانية قروش لكل دولار اميركي، وذلك من اجل استيفاء الضرائب والرسوم حصراً.


3 ـ بعد انقضاء فترة زمنية من العمل بسعر الصرف الانتقالي اعلاه، تسبب التضخم بحدوث فارق بين هذا السعر وسعر السوق الحرة الذي ارتفع؛ الامر الذي ادى الى جعل حسابات مصرف لبنان المستندة الى هذا السعر القانوني الانتقالي، حسابات غير واقعية ولا تعكس حقيقة وضعه المالي. امام هذا الواقع صدر عن مجلس الوزراء بتاريخ 21/3/1973 القرار رقم 11 الذي فوّض وزير المالية باتخاذ الاجراءات الضرورية لاعتماد سعر صرف انتقالي جديد، يكون سعرا واقعيا وذلك لغاية محددة هي: استيفاء الضرائب والرسوم التي تستوفى من المبالغ المحررة بالعملات الاجنبية، وقيد العملات الاجنبية التي تستوفيها الدولة، وتسوية حسابات مصرف لبنان.

4 ـ انفاذا للتفويض الصادر عن مجلس الوزراء بموجب قراره رقم 11 تاريخ 21/3/1973، اصدر وزير المالية القرار رقم 883 تاريخ 28/3/1973 الذي اعتمد متوسط اسعار الصرف الفعلية في سوق بيروت وذلك لغاية استيفاء الضرائب والرسوم التي تستوفى عن المالغ المحررة بالعملات الاجنبية. كما ولغاية قيد العملات الاجنبية التي تستوفيها الدولة، ولغاية تسوية حسابات مصرف لبنان.


5ـ لان قرار مجلس الوزراء الصادر في جلسته المنعقدة بتاريخ 31/3/1973 تحت الرقم 11/1، لم يكن مفوضا به تشريعيا ، صدر عن مجلس النواب في 5/10/1973 قانون " تصديق اجراءات متخذة بشأن اعتماد سعر الذهب الجديد بالنسبة للدولار الاميركي"، نُشر بالمرسوم6104. وقد انتهى القانون الىالتصديق على قرار مجلس الوزراء، وقرار وزير المالية انفاذاً لقرار مجلس الوزراء، لجهة اعتماد " سعر قانوني " هو متوسط اسعار الصرف الفعلية في سوق بيروت وذلك لغاية استيفاء الضرائب والرسوم التي تستوفى عن المبالغ المحررة بالعملات الاجنبية. كما ولغاية قيد العملات الاجنبية التي تستوفيها الدولة، ولغاية تسوية حسابات مصرف لبنان.


6 ـ لان قرار مجلس الوزراء الصادر في جلسته المنعقدة بتاريخ 31/3/1973 تحت الرقم 11/1، لم يكن مفوضا به تشريعيا ، صدر عن مجلس النواب في 5/10/1973 قانون " تصديق اجراءات متخذة بشأن اعتماد سعر الذهب الجديد بالنسبة للدولار الاميركي" ، نشر بالمرسوم 6104. وقد انتهى هذا القانون الى التصديق على قرار مجلس الوزراء وقرار وزير المالية انفاذا لقرار مجلس الوزراء، لجهة اعتماد سعر قانوني هو متوسط اسعار الصرف الفعلية في سوق بيروت، وذلك لغاية محددة هي استيفاء الضرائب والرسوم التي تستوفى عن المبالغ المحررة بالعملات الاجنبية، ولغاية قيد العملات الاجنبية التي تستوفيها الدولة، ولغاية تسوية حسابات مصرف لبنان.


ولكننا هنا لا نوافق على ما نتهت اليه الاسشارة في الصفحة العاشرة منها الى ان " المسائل الاخرى غير المشمولة بالقانون المنشور بالمرسوم 6104 تاريخ 5/10/1973 والمتعلقة غالبا بعلاقات اشخاص الحق الخاص بعضهم ببعض، لا تشكل حيزا يتخطى باهميته تلك المذكورة في متن القانون"؛ أي بمعنى آخر ذهبت الاستشارة الى اعتبار علاقات اشخاص الحق الخاص مشمولة بهذا القانون.


ان معارضتنا لما انتهت اليه الاستشارة في هذا الصدد نابعة من الاسباب التالية:


ـ السبب الاول: عدم جواز التوسع في تفسير القوانين الخاصة، كما هي حال القانون المنشور بالمرسوم رقم 6104 تاريخ 5/10/1973.


ـ السبب الثاني: وجوب تفسير القوانين المالية حصرا.


ـ السبب الثالث: ليست المسألة بالاهمية، وما اذا كانت علاقات الافراد الخاصة اكثر او اقل اهمية مما شمله القانون اعلاه، بل المسألة بطبيعة هذه العلاقات المختلفة جذريا عن المواضيع المشمولة بالقانون المذكور، كما سنأتي على بيانه ادناه.


ـ السبب الرابع: ان الدليل الاكبر على عدم شمول القانون المنشور بالمرسوم 6104 تاريخ 5/10/1973، هو صدور مرسوم آخر بذات التاريخ، منشور بالمرسوم رقم 6105 متعلق " باعطاء الحكومة صلاحية تحديد سعر انتقالي قانوني جديد لليرة اللبنانية "، نص في مادته الاولى انه " ريثما يصبح بالامكان تطبيق احكام المادة الثانية من قانون النقد والتسليف، تعطى الحكومة لمدة ستة اشهر من تاريخ نشر هذا القانون، صلاحية تحديد سعر انتقالي قانوني جديد لليرة اللبنانية بعد استشارة مصرف لبنان وصندوق النقد الدولي".


7 ـ انصرمت مهلة الستة اشهر دون ان تمارس الحكومة صلاحياتها في تحديد سعر صرف انتقالي جديد في المواضيع غير المتعلقة باستيفاء الضرائب والرسوم وبقيد العملات الاجنبية التي تستوفيها الدولة وبتسوية حسابات مصرف لبنان ؛ الامر الذي يستوجب معه اعتبار القانون المنشور بالمرسوم رقم 6105 تاريخ 5/10/1973، بدون أي آثار قانونية، لعدم نصه على أي شيء اطلاقا؛ وتاليا انتفاء أي " سعر انتقالي قانوني " جديد لليرة اللبنانية، حسبما نص عنه القانون المنشور بالمرسوم 6105 والابقاء على الآثار الناشئة عن القانون النافذ بلمرسوم رقم 6104 الذي الغى سعر الصرف الانتقالي القديم البالغ 308 قروش للدولار الاميركي الواحد، وحدده بـ " متوسط الاسعار الفعلية في سوق بيروت"، في ما خص استيفاء الضرائب والرسوم وتنظيم حسابات مصرف لبنان، دون ان يطال علاقات الافراد الخاصة، لاختلافها طبيعة عن غايات القانون المنشور بالمرسوم رقم 6104 تاريخ 5/10/1973.


ومرة اخرى لا نؤيد ما ذهبت اليه الاستشارة في الصفحة العاشرة منها بان نطاق تطبيق القانون المنشور بالمرسوم رقم 6104 تاريخ 5/10/1973، هو من الشمولية بمكان، ما يجعله قانونا يعيد تنظيم قواعد سعر الصرف القانوني بشكل عام وليس فقط في ما خص الامور المذكورة في متنه، مستندة الى " ان ما يؤكد هذه السياسة التشريعية هو سعر الصرف القانوني الانتقالي الاول البالغ 308 قروش للدولار الاميركي والذي لم يكتف وزير المالية ( المفوض تشريعيا ) بالنص في القرار رقم 4800 تاريخ 30/12/1964 على كونه شاملا التعاملات كافة ، بل استطرد في فقرة مستقلة ليعود ويؤكد على كونه يشمل الضرائب والرسوم ، ما استخلصت منه الاستشارة وجود نظرة راسخة لدى المشترع اللبناني ان التشريع المنطلق بسعر الصرف الخاص بالرسوم والضرائب لا ينفصل باحكامه عن بقية المسائل الخ ".



ان معارضتنا لهذا الرأي نابعة مما يلي:


ـ لم نقرأ في القرار رقم 4800 تاريخ 30/12/1964 ما يفيد صراحة شموليته.


ـ لا يصح الاستنتاج في القوانين المالية، كما سبق وذكرنا.


ـ لو اراد المشترع الافصاح عن هذه الشمولية، لما كان قد تأخر لحظة واحدة عن فعل ذلك.


8 ـ بقيت الامور على هذه الحال مع تشريعات محدودة متعلقة برواتب الدبلوماسيين العاملين في البعثات اللبنانية في الخارج وملحقاتها، وأخرى متعلقة باحتساب قيمة البضائع الواجب التصريح بها للجمارك بالاستناد الى سعر صرف يبلغ ثمانماية ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد. وقد حصلت التشريعات الخاصة برواتب الدبلوماسيين في العام 1985. ثم بين العامين 1991 و1992 حصلت التشريعات المتعلقة بالبضائع الواجب التصريح بها للجمارك.


ليس لدينا أي تعليق على هذه الفئة من التشريعات لانها كانت محدودة ولا تأثير لها على مسار بحثنا الحاضر.


9 ـ في نهاية العام 1997 انتهج مصرف لبنان سياسة نقدية تقوم على تثبيت سعر الصرف الوسطي بـ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد، عبر التدخل في سوق القطع، سندا للمادة 75 من قانون النقد والتسليف التي تنص انه " يستعمل المصرف ( أي مصرف لبنان ) الوسائل التي يرى ان من شأنها تأمين ثبات القطع ومن اجل ذلك، يمكنه خاصة ان يعمل في السوق بالاتفاق مع وزير المالية مشتريا او بائعا ذهبا او عملات اجنبية مع مراعاة احكام المادة 69.


وتقيد عمليات المصرف على العملات الاجنبية في حساب خاص يسمى صندوق تثبيت القطع ".


ان مساهمة مصرف لبنان في تحديد سعر الصرف بقيت محصورة بتدخله الفعلي مشتريا او بائعا للعملات الاجنبية. ولم يتعدّ ذلك الى اصداره قرارات يحدد بموجبها اسعار الصرف، سواء عن مجلسه المركزي او حاكمه، لان مهمته محصورة اصلا بالتدخل في السوق وفق ما تنص عنه المادة 75 من قانون النقد والتسليف، وانه يستفاد من المادتين 2 و 229 من هذا القانون حصر صلاحية تحديد سعر الصرف بمجلس النواب. فمصرف لبنان لم يكن مفوضا تشريعيا بتحديد سعر الصرف ، كما حصل لوزير المالية بموجب المادة 229 من قانون النقد والتسليف. وكما حصل ايضا بالنسبة لقرار مجلس الوزراء المصادق عليه تشريعيا بالقرار رقم 11/73.


وهنا نطرح التساؤل عما اذا كان تثبيت سعر صرف الدولار منذ نهاية العام 1997 ولغاية اواسط العام 2019، بمبلغ 1507.5 للدولار الاميركي الواحد، يمكن ربطه بالقانون النافذ بالمرسوم رقم 6104 الذي الغى سعر الصرف الانتقالي القديم البالغ 308 قروش للدولار الاميركي الواحد وحدده "بمتوسط الاسعار الفعلية في سوق بيروت"؟



لسنا نرى أي علاقة لتثبيت سعر الصرف بمبلغ 1507.5 لليرة اللبنانية للدولار الاميركي الواحد بالقانون المنشور بالمرسوم رقم 6104، واعتبار ان سعر 1507.5 ل.ل هو " متوسط الاسعار الفعلية في سوق بيروت" وتاليا اعتباره سعرا قانونيا وليس مجرد سعر رسمي، للاسباب التالية:



ـ لان سعر 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد لم يكن محدود النطاق، كما هي حال القانون النافذ بالمرسوم رقم 6104 الذي اقتصر على غايات محددة منصوص عنها قانونا وهي:


• استيفاء الضرائب والرسوم المستوفاة عن المبالغ المحررة بالعملات الاجنبية.

• قيد العملات الاجنبية التي تستوفيها الدولة.

• تسوية حسابات مصرف لبنان.



اما المسائل الاخرى فقد صدر القانون المنشور بالمرسوم رقم 6105 تاريخ 5/10/1973 ( ذات تاريخ صدور القانون المنشور بالمرسوم 6104 ) الذي اعطى الحكومة صلاحية تحديد سعر انتقالي قانوني جديدة لليرة اللبنانية. لكن مهلة الستة اشهر المعطاة للحكومة انقضت دون ان تمارس الحكومة هذه الصلاحية. فيكون سعر 308 قروش للدولار الاميركي الواحد، المحدد بالقانون المنشور بالمرسوم 6104 بقي ساريا كسعر قانوني، لحين تثبيت سعر الصرف الرسمي بـ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد منذ نهاية العام 1997 ولغاية اواسط العام 2019.



لقد تم تطبيق السعر الرسمي البالغ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد في جميع المجالات وعلى كل الاصعدة. وهو لم يكن مقتصرا على بعض المسائل، كما هي الحال في القانون المنشور بالمرسوم رقم 6104 تاريخ 5/10/1973، اذ تم تطبيقه على الافراد في علاقاتهم الخاصة المدنية والتجارية على حد سواء. وقد طبقته المصارف اللبنانية والاجنبية العاملة في لبنان لفترة طويلة.



ـ لان اعتبار سعر الصرف الرسمي البالغ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد مرتبطا بالقانون المنشور بالمرسوم رقم 6104 تاريخ 5/10/1973، ليس سوى " استنتاجاً مصطنعا "؛ اذ لا علاقة اطلاقا بين ظروف اصدار القانون المنشور بالمرسوم رقم 6104 وسعر الصرف الرسمي المحدد بـ 1507.5 للدولار الاميركي الواحد.



ـ لان تثبيت سعر الصرف بـ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد، لم يكن وليد سياسة تشريعية اطلاقا، بل كان وليد سياسة اتبعها مصرف لبنان، استنادا الى المادة 75 من قانون النقد والتسليف التي اجازت له ان "يستعمل ( المصرف ) الوسائل التي يرى ان من شأنها تأمين ثبات القطع ومن اجل ذلك يمكنه خاصة ان يعمل في السوق بالاتفاق مع وزير المالية مشتريا او بائعا ذهبا او عملات اجنبية الخ ".



وقد نجح مصرف لبنان الى حد بعيد في تثبيت سعر الصرف للدولار الاميركي الواحد بـ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد ما يزيد على اثني عشر عاما.


ولكن،


غني عن القول بان الطابع " الرسمي " وليس " القانوني " لسعر 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد، لا يؤثر بشيء على فاعليته وقوته ونفاذه، خصوصا انه يستمد مشروعيته من سياسة نقدية ناجحة لمصرف لبنان في تثبيت سعر الصرف سحابة اثني وعشرين عاما. كما يستمد مشروعيته من عدم معارضته من احد. فلماذا معارضته طالما انه ارتد خيراً على جميع اللبنانيين طيلة فترة العمل به.



ان كون سعر الصرف المحدد بـ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد "رسميا" وليس "قانونيا" ينطلق من طبيعته القانونية ، ومن توصيف صحيح له، ولا يقلل من قيمته شيئا؛ فالتصنيف هو على مستوى الطبيعة القانونية وليس الاهمية؛ التي لا تنتقص بشيء سواء أكان سعر الصرف المحدد بـ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد، رسميا ( كما هي حالته ) ام قانونيا.


10 ـ بقي سعر الصرف المحدد بـ 1507.5 ليرة لبنانية سائدا بدون أي شائبة لغاية اواسط العام 2019، حيث تأثر لبنان باجواء اقتصادية ، صحيّة، اجتماعية وامنية، وبدأت تتناقص الكتلة النقدية بالدولار الاميركي لدى المصارف، فبدأ يظهر عجز مصرف لبنان شيئا فشيئا عن التدخل في سوق القطع بائعا ام مشتريا، كما فعل على امتداد اثني وعشرين عاما ؛ ما ادّى الى نشوء "سوق سوداء"، سميّت سوقا موازية، ارتفع معها الدولار الاميركي حتى لامس الـ 150 الف ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد. واصبح سعر صرفه بدون أي ضوابط، وبات مصرف لبنان وسائر اجهزة الدولة عاجزين عن فعل أي شيء للحد من ارتفاع سعر صرف الدولار الاميركي، الذي اصبح لا سقف ولا حدود له . وقد نشأ عن ذلك ازمة اقتصادية لم يشهد لبنان مثيلا لها، اطاحت بكل القطاعات الاقتصادية وأوقعت البلد في حالة " بؤس " اجتماعية لم يشهد مثيلا لها من قبل.


ولكن لا بد من الاقرار ان سعر الصرف المحدد بـ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد، طبع الحياة الاقتصادية وحياة المواطنين لفترة طويلة، هي الاطول اقتصاديا ومالياً في تاريخ لبنان؛ اذ ان البلد لم يشهد سعر صرف مستقر لفترة طويلة الى هذا الحد. وقد كلف ذلك كثيرا المصرف المركزي وجيوب المواطنين لان تثبيت سعر الصرف كان يتم بانفاق مبالغ طائلة للحفاظ على الاستقرار النقدي المذكور.


11 ـ بقيت الامور على هذا النحو، لغاية صدور قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2020 وهو القانون النافذ حكما تحت رقم 6، الصادر بتاريخ 5/3/2020، الذي نص في المادة 35 منه انه " تستوفى جميع الضرائب الرسوم والاجور عن كل انواع الخدمات التي تقدمها الدولة اللبنانية عبر مختلف انواع المؤسسات المملوكة او الممولة او المدارة، كليا او جزئيا من قبل الدولة، بالليرة اللبنانية فقط، بما فيها دفع ايجارات المباني المستأجرة من قبل الدولة.

واذا اقتضت الضرورة معادلة الليرة اللبنانية باي عملة اجنبية بالنسبة لامور بعض الخدمات، فيكون ذلك الزاميا وفقا للتسعيرة الرسمية التي يفرضها المصرف المركزي اللبناني.



اما بالنسبة الى حصة الدولة في قطاع استخراج النفط والغاز ومشتقاتها وبيعها، فيكون استيفاؤها حصراً بالدولار الاميركي او اليورو ".


نلاحظ ان المشترع في المادة 35 اعلاه استعمل تعبير " التسعيرة الرسمية " لان " سعر الصرف القانوني "، هو الذي يحدده القانون او الجهة التي يفوضها القانون بذلك. وهذا ما يؤكد توصيفنا لسعر الصــــرف المحدد بـ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميـــــركي الواحد بالسعر "الرسمي" وليس "القانوني" كما سلف بيانه.


نلاحظ ايضا بان المشترع لم يحدد في المادة 35 اعلاه، قيمة " التسعيرة الرسمية " بل ترك للمصرف المركزي " فرض " التسعيرة المذكورة.


ولكن المصرف المركزي لم يصدر أي تسعيرة رسمية انفاذا للمادة 35 اعلاه، بل استمر في حينه بوضع متوسط سعر الصرف البالغ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد، على موقعه الالكتروني؛ ما يعني ان سعر الصرف الرسمي اعلاه بقي معتمدا من قبل مصرف لبنان بالرغم من صدور قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2020 بتاريخ 5/3/2020، والنص في المادة 35 منه على " فرض تسعيرة رسمية " من قبل مصرف لبنان.


12ـ بتاريخ 3/4/2020 اصدر حاكم مصرف لبنان التعميم الاساسي رقم 148 المتعلق باجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات الصغيرة لدى المصارف، الذي نص في مادته الرابعة انه " تبقى سائر العمليات بالدولار الاميركي التي تقوم بها المصارف مع عملائها خاضعة للسعر الذي يحدده مصرف لبنان في تعامله مع المصارف ". مع الاشارة الى انه حتى تاريخ التعميم كان يتم ذكر سعر الصرف على الموقع الرسمي لمصرف لبنان بـ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد. ولكن مصرف لبنان بعد هذا التعميم لم يعد يعلن سعر الصرف الفعلي في السوق، بل اصبح يكتفي بتحديد اسعار صرف بدءا بالسعر الواجب التطبيق في التعاملات بين المصارف وعملائها.


13 ـ بتاريخ 3/4/2020 وجه مصرف لبنان تعميما الى مؤسسات الصرافة (التعميم الاساسي رقم 149 ـ القرار الاساسي رقم 13216) انشأ بموجبه منصّة للتداول بالعملات الاجنبية.


14 ـ بتاريخ 27/4/2020 صدر التعميم الوسيط رقم 553 ( القرار الوسيط رقم 13223 ) تمّ بموجبه تحديد حد اقصى لسعر بيع الدولار الاميركي مقابل الليرة اللبنانية وهو 3200 ليرة لبنانية. وقد جرى تعديل هذا السعر لاحقا ليصبح 3900 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد. ثم جرى تمديد العمل بالمنصة لغاية 30/9/2021 بموجب التعميم الاساسي للمصارف رقم 151 تاريخ 21/4/2020 ( القرار الاساسي رقم 13221 تاريخ 21/4/2020 ). ثم جرى تمديد العمل بالتعميم رقم 151 الى تاريخ 31/1/2022 بموجب القرار الوسيط رقم 13368 تاريخ 29 ايلول 2021. ولاحقا تمّ رفع السعر الى 8000 ليرة لحين توقف العمل بهذا السعر مع بداية شباط 2023.


15 ـ بتاريخ 8/6/2021 حدد مصرف لبنان سعر صرف رسمي اضافي يبلغ 12 الف ليرة لبنانية لكل دولار اميركي في التعميم الاساسي للمصارف رقم 158 تاريخ 8/6/2021 ( القرار الاساسي رقم 13335 ) الذي حدد اجراءات استثنائية لتسديد تدريجي للودائع بالعملات الاجنبية.



ج ـ في اسعار " منصة صيرفة"



اوجد مصرف لبنان سوقا يتم عبرها التداول الحر بالعملات الاجنبية ومنها الدولار الاميركي وذلك دون وجود سعر محدد من قبل مصرف لبنان بل على العكس من ذلك، فان التداول الذي تقوم به المصارف ومؤسسات الصرافة يتم بالاستناد الى قواعد العرض والطلب. وعلى كل مؤسسات الصرافة ان تسجل ذاتها على التطبيق الالكتروني المسمى " Sayrafa " . وعليها ان تقوم بعملياتها وفقا لقاعدة العرض والطلب وبالكشف عن التفاصيل كافة لهذه العمليات على تطبيق المذكور.



تشكل " صيرفة " سوق تداول حر تحكم العمليات فيها قاعدة العرض والطلب وفق آليات محددة من قبل مصرف لبنان لتأمين الشفافية المطلوبة. وهو الامر غير المتوافر في التطبيقات الالكترونية المنتشرة والتي ينشأ عنها سعر " السوق السوداء " غير الشفّاف، فضلا عن اختلاف اسعار "السوق السوداء" بين منصة واخرى بعيدا عن الدقة والشفافية.


ان مصرف لبنان هو البائع الاهم اذا لم يكن الاوحد للدولار الاميركي على منصة " صيرفة " كما ان حجم التداول على هذه المنصة هو قليل بالنسبة لحجم التداول في السوق الموازية، ما يصعب معه اعتبار منصة "صيرفة" تعكس السعر الحقيقي للدولار الاميركي لكنها الاقرب اليه.



د ـ في اسعار الصرف الرسمية


1 ـ ابقى مصرف لبنان على السعر الرسمي لصرف الدولار الاميركي البالغ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد من اواسط العام 1997 ولغاية شباط 2023، حيث رفعه بهذا التاريخ الى 15000 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد.


2 ـ بعد نفاذ قانون الموازنة العامة للعام 2022 اصبح مصرف لبنان يعتمد سعري صرف: اولهما 15000 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد وثانيهما 85.500 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد، يتم الاستناد اليه فقط في دفع رواتب العاملين في القطاع العام، دون المسائل الاخرى.


هـ ـ الاساس القانوني لتحديد سعر الصرف


انتهت الاستشارة الى ان سعر الصرف الرسمي الواجب التطبيق راهنا هو سعر الصرف القانوني اي التسعيرة التي يحددها مصرف لبنان بمفهوم المادة 87 من قانون الموازنة العامة للعام 2022، وهو حاليا اعلى سعري الصرف الصادرين عن مصرف لبنان، اي ذلك المطبق في احتساب رواتب العاملين في القطاع العام، وهو آخر سعر على منصة " صيرفة " صادر بتاريخ 31/7/2023 والبالغ 85.500 ليرة لبنانية مقابل الدولار الاميركي الواحد.


فهل ان المادة 87 اعلاه تشكل الاساس القانوني الصحيح لاعتماد سعر الصرف ؟ وهل ان الـ 85.500 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد يصح اعتماده كسعر صرف؟

نصّت الماددة 87 من قانون الموازنة العامة للعام 2022 ( القانون النافذ حكما رقم 10 تاريخ 10/11/2022 ) على الغاء المادة 35 من القانون النافذ حكما رقم 6 تاريخ 5/3/2020 ( قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2020 )، والاستعاضة عنها بالنص التالي:


" تستوفى بالليرة اللبنانية:

ـ الحصص التي تعود للدولة.

ـ الضرائب والرسوم.



ـ البدلات عن كل انواع الخدمات التي تقدمها الدولة اللبنانية عبر مختلف انواع المؤسسات المملوكة او المدارة، كليا او جزئيا من قبلها، واذا اقتضت الضرورة معادلة الليرة اللبنانية باي باي عملة اجنبية بالنسبة لبدلات بعض الخدمات ، فيكون ذلك الزاميا وفقا للتسعيرة التي يحددها مصرف لبنان".


لا بد من الاشارة بادىء ذي بدء ان مصرف لبنان حدد سعرين رسميين للدولار الاميركي، كما اسلفنا اعلاه: 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد منذ اواسط العام 1997 ولغاية شباط 2023 حيث احل محلها تسعيرة رسمية اخرى هي 15000 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد! ما تسعيرة الـ 85.500 للدولار الاميركي الواحد. فقد تمّ اعتمادها رسميا في دفع اجور العاملين في القطاع العام دون المسائل الاخرى. فيكون هناك فقط تسعيرتان رسميتان حددهما مصرف لبنان هما : 1507.5 ليرة لبنانية او 15000 ليرة لبنانية. ولا يوجد اي تسعيرة رسمية سواهما.



واذا كان صحيحا ان مصرف لبنان انشأ " منصة صيرفة "، فهذا لا يعني هنا انه هو من يحدد اسعار الصرف ، بل هي متروكة لقاعدة العرض والطلب. ومن الصعب جدا التسليم مع ما ذهبت اليه الاستشارة، بان آخر سعر تم التداول به على منصة " صيرفة " في 31/7/2023 هو التسعيرة التي يحددها مصرف لبنان؛ اذ انه يتبيّن من التعميم الاساسي رقم 5 تاريخ 10/4/2020 ( القرار الاساسي رقم 13236 تاريخ 10/4/2020 ) والقرار الوسيط رقم 13326 تاريخ 10/5/2021 والقرار الاساسي رقم 13324 تاريخ 10/5/2021 ( التعميم الاساسي رقم 157 )، ان مصرف لبنان أوجد سوقا يتم عبره التداول الحر بالعملات الاجنبية ومنها الدولار الاميركي وذلك دون وجود سعر محدد من قبل مصرف لبنان ، بل على عكس ذلك تماما فان التداول الذي تقوم به المصارف ومؤسسات الصرافة، يتم بالاستناد الى قواعد العرض والطلب. فيكون من الصعب القبول بنما توصلت اليه الاستشارة بان التسعيرة التي ظهرت في آخر يوم من عمل " منصة صيرفة " في 31/7/2022 والبالغة 85.500 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد، هي تسعيرة غير محددة من قبل مصرف لبنان. ليس هذا فقط، بل ان مصرف لبنان ذاته، لم "يحدد" تسعيرة للدولار الاميركي وفقا لما نصت عنه المادة 87 اعلاه. فلو اراد ذلك لما تاخر لحظة واحدة عن فعله؛ كما فعل بالنسبة الى اعتماد الـ 85.500 ليرة لبنانية اساسا لاحتساب رواتب العاملين في القطاع العام.


اما القول بان تسعيرة 85.500 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد هي الاقرب الى السعر الحقيقي للدولار الاميركي ، فلا يستند الى اي سند قانوني. ولا تصح المقارنة هنا مع ما ذهب اليه المشترع في المادة 229، فقرة أولى من قانون النقد والتسليف ، حيث افصح المشترع صراحة عن ذلك، اذ لا يصح إعمال القياس كقاعدة لتفسير النصوص المالية.



هذا فضلا عن ان مصرف لبنان حدد سعرين رسمين فقط، كما اسلفنا اعلاه: الـ 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد و15000 ليرة لبنانية للدولار الاميركي الواحد. وهذان السعران الرسميان يطبقان على كل المسائل كما سبق واسلفنا.



وفي كل الاحوال، اذا سلمنا جدلا بصحة ما انتهت اليه الاستشارة لجهة اعتماد الـ 85.500 ل.ل كسعر رسمي يصح اعتماده انفاذا للمادة 87 من قانون الموازنة العامة للعام 2022، فانه لا يصح ابدا مجاراتها في ما ذهبت اليه لجهة القول ان حكم المادة 87 هو ذاته حكم القانون المنشور بالمرسوم رقم 6104 تاريخ 5/10/1973 السالف ذكره ، " ما يجعله قانونا يعيد تنظيم قواعد سعر الصرف القانوني بشكل عام وليس فقط في ما خص الامور المذكورة فيه "؛ وذلك لذات الاسباب التي ادلينا بها عند اعتراضنا على اعطاء القانون المنشور بالمرسوم رقم 6104 ذات المدى الشامل.



فالمادة 87 من قانون الموازنة العامة للعام 2022 محصور نطاق تطبيقها بالحصص التي تعود للدولة اللبنانية والضرائب والرسوم والبدلات عن كل انواع الخدمات التي تقدمها الدولة اللبنانية عبر مختلف انواع المؤسسات المملوكة او الممولة او المدارة، كليا او جزئيا من قبلها الخ.



فلا يمكن توسيع مدى تطبيقها ليشمل علاقات الافراد الخاصة المختلفة عنها طبيعة والاكثر تعقيدا.

هذا فضلا عن ان النصوص المالية تفسر حصرا لتعلقها بالنظام العام المالي والاقتصادي. فلا يصح فيها لا الاستنتاج ولا الاستدلال ولا القياس ولا إعمال قواعد المنطق او الحس السليم ؛ بل هي تتطلب نصوصا قانونية واضحة لا لبس فيها.



ان الاستناد الى العدالة والانصاف والمنطق والتقرب من الواقع الخ، كلها قواعد يجوز للقضاء اعتمادها لاضفاء طابع اخلاقي على الحالات القانونية moraliser les situations juridiques في الامور التي تتطلب اجتهادا، لاستكمال النصوص القانونية او لتطوير اوضاع الناس وشؤون المجتمع. وهذا ما لا يصح اعتماده قطعا عندما يتعلق الامر بالقوانين المالية المتعلقة بالنظام العام الاقتصادي والمالي، وما لها من انعكاسات على الاستقرار الاجتماعي والوطني . فهذه المواضيع تتطلب نصوصا واضحة، حاسمة وصريحة لا تحتمل التأويل او التفسير. ولا تترك مجالا للاستنتاج، أو الاستنباط أوالاستدلال ؛ اذعندها يهتز النظام العام وتتزعزع العلاقات القانونية.



لقد دعونا ونكرر دعوتنا الى وجوب تدخل المشترع لوضع التشريعات الملائمة، والمضي قدما وبموازاة التشريع في اعادة بناء الاقتصاد والدولة عبر خطة تعافي اقتصادي وقوانين تؤمن نهوض الدولة من " الكارثة المالية " التي هي فيها.



اذا استذكرنا الماضي، نصاب بالصدمة واليأس، فقد اعتادت الدولة اللبنانية على ترك المواطنين يتخبطون ببعضهم البعض من جهة ومع الدولة من جهة اخرى، وهي تتفرج عليهم، كما فعلت في قوانين الايجارات الاستثنائية المتعاقبة حيث " خبطت " الناس ببعضها البعض. وحصل معها ذات الشيء، عندما احجمت في بداية التسعينات عن وضع تشريعات تحمي المواطن من تدني القيمة الشرائية للعملة الوطنية، بذريعة عدم الاساءة الى سمعة هذه العملة ! تاركة المواطن وقتئذ يرزح تحت طائلة التضخم وتدني القيمة الشرائية للعملة الوطنية؛ فهل سنعيش اليوم ذات التجربة وتصبح خطة التعافي الاقتصادي واعادة الهيكلة والتشريعات التي تؤمن الخلاص من الازمة المالية والاقتصادية الراهنة، مجرد وعود عرقوبية واوهام " نلهي " بها المواطن ؟!

اذا لم يتأمن كل ذلك، نصبح بحاجة الى ثورة جديدة ، حقيقية هذه المرة، تكون كفيلة بنهوض لبنان من سقوطه الكبير، والاّ على الدنيا السلام.

MISS 3