وليد شقير

إختلاف قواعد الإشتباك و"الغموض البنّاء"

10 تشرين الثاني 2023

02 : 05

تكمن خطورة إمكانية جرّ لبنان إلى الحرب الإسرائيلية على غزة في أنّ «قواعد الاشتباك» المتعارف عليها في جبهة الجنوب باتت غامضة، استناداً إلى مبدأ «الغموض البنّاء» الذي قال الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله إنه سيعتمده في التعاطي مع التطوّرات المحتملة على هذه الجبهة.

اعتبر نصرالله أنّ تبنّيه العلني هذا «الغموض البنّاء» هو نوع من «الشفافية». ومع أنّ الغموض والشفافية كتعبيرين مجرّدين، يتناقضان في المعنى، حيث لا يمكن للغموض أن يكون شفافاً، والشفافية تعاكس الغموض، فإنّ المناورة من قبل «حزب الله» اقتضت هذا القدر من اللجوء إلى المواربة التي يتطلّبها تدحرج الأوضاع الميدانية، سواء في غزة أم على الجبهة الجنوبية في لبنان، أم على صعيد الضربات التي توجّهها الأذرع الموالية لإيران من محور الممانعة للحشد العسكري الأميركي في المنطقة، من العراق إلى سوريا، وصولاً إلى مياه الخليج، حيث أسقط الحوثيون أول من أمس طائرة أميركية مسيّرة. وكلّ ذلك يجري في ظلّ مفاوضات تتمّ بالواسطة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية بموازاة الضربات المتبادلة، والمخاوف من أن تطلق مواجهات أوسع تشمل لبنان.

في العودة إلى قواعد الاشتباك التي كانت إحدى حجج من التقوا آموس هوكشتاين حين أكّد حرص حكومته على عدم توسّع الحرب، والتطبيق الكلي للقرار 1701، فإنّ مفهوم تطبيقها يستند حسب الجانب اللبناني إلى المبدأ الذي أقرّ في «تفاهم نيسان» الذي توصّل إليه الرئيس الراحل رفيق الحريري إثر عدوان إسرائيل في العام 1996، والذي يقول بعدم التعرّض للمدنيين، واقتصار المواجهات على القتال بين العسكريين من الجانبين. لكنّ هذه القواعد وُضِعت لإدارة المعارك إبّان الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان والذي نجحت المقاومة بالمساهمة في إجباره على الانسحاب عام 2000. الإشكالية الراهنة تكمن في أنّ ما بقي من احتلال في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لا ينصّ عليه القرار 1701، ما يخلق ثغرة في مسألة قواعد الاشتباك، لا سيّما أنّ نصرالله حدّد معايير ومقاييس للوضع الميداني الحالي في جنوب لبنان تتلخّص بتخفيف الضغط عن غزة وبإجبار الجيش الإسرائيلي على سحب جزء من قواته من الجبهة هناك إلى الجبهة مع لبنان. وعدّد أرقاماً ونسباً مئوية حول حجم القوة الإسرائيلية الموجودة في شمال إسرائيل...

أمّا الجانب الإسرائيلي فقواعد الاشتباك بالنسبة إليه تستند إلى حرب استباقية يخوضها وسط الهستيريا التي تتحكّم بالقيادة الإسرائيلية حول إمكان تهديد «الحزب» مستوطنات الشمال الإسرائيلي، مثلما فعلت «حماس» في غلاف غزة في 7 تشرين الأول الماضي، ولا تستند إلى مسألة وجود قواته على أراضي الجنوب اللبناني. بمعنى آخر، فإنّ قواعد الاشتباك بالنسبة إلى العدوّ الإسرائيلي تتعلّق بتلك التي يمارسها في حربه على غزة بعد الذي حصل في غلاف غزة وتفاعلاته على المستويات الشعبية والعسكرية والسياسية في إسرائيل. وربّما هذا ما يفسّر قوة ضرباته العسكرية جنوباً.

الدعوة الأميركية للتطبيق الكلي للقرار 1701 تعني فصل لبنان عن حرب غزة، الأمر المتعذّر لدى طرفي المواجهة على جانبي الحدود وفقاً لخلفية كل منهما في إدارة المواجهات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. نجاح الجهود الأميركية والأوروبية وحتى الروسية والعربية في هذا الصدد ما زال غير مضمون، لأنه يتعلّق بحسابات التطوّرات الميدانية في غزة وبحسابات القوى الدولية والإقليمية المعنية بهذه الحرب، وبالمضاعفات السياسية لمجرياتها.

يتعذّر تطبيق القرار 1701 في جنوب لبنان، في الظروف الراهنة في ظلّ استمرار حرب الإبادة التي تخوضها إسرائيل ضد غزة وسعيها اليومي لإحكام هيمنتها على الضفة الغربية، ووسط قاعدة «الغموض البنّاء» التي يعتمدها «حزب الله»، والتي اقتضت منه خرقاً للقرار عبر التواجد العسكري المكشوف لقواته جنوب الليطاني. لكن ما يمكن القيام به في هذا المجال الالتزام بصمود الوعود من الجانبين (يشمل ذلك إيران)، بعدم الرغبة في توسيع الحرب، ويجري إبلاغ القوى الدولية حتى الآن بهذا الموقف. والأخيرة تكرّر الإعلان عن النوايا الإسرائيلية.

هل يتمّ إفساح المجال أمام الجيش اللبناني كي يحول دون الانتشار العسكري للتنظيمات الفلسطينية في الجنوب، حيث هناك مخيّمات فلسطينية عدة، يتوجب عليها التضامن مع غزة ونجدتها؟ وهل يتجاوب «حزب الله» مع مقتضيات الانكفاء قبل أن ينجلي «الغموض البنّاء» على واقع مدمِّر يطلق العنان لآلة الحرب؟


MISS 3