حسان الزين

صحافيان لبنانيان ينتصران لتراث الكتابة عن شؤون دولية

أمر لافت أن يصدر بالتزامن كتابان يعالجان موضوعات دوليّة لمؤلّفَين صحافيَين لبنانيَين. فهذا النوع من الكتابة تراجع في الآونة الأخيرة، بعدما كان تقليداً في لبنان وصحافته وعالم النشر فيه. ففيما يغلب في المشهد الإعلامي اللبناني الاهتمام بالشؤون المحلية مقروناً بتحليلات ومعلومات عن الخارج غالباً ما هي شفهية، يخرج هذان العملان وكاتباهما عن الخط السائد، متحصّنين بعدّة صحافية والتزام بحثي ودراسي في آن معاً. والكتابان الجديدان هما: «تذكّروا هذا اليوم إلى الأبد- ترامب من الرئاسة إلى التمرّد» لحسين جرادي عن «دار النهار للنشر»، و»العرب في قطار النظام العالمي- خرائط مهددة أم عولمة متجددة؟» لمنير الربيع عن «رياض الريس للكتب والنشر». وسَبق هذين العملين كتاب «تركيا الحديثة: البحث في ذاكرة عبد الله غل» لثائر عباس عن «نوفل» الذي عرضنا له سابقاً. فما الذي دفع جرادي والربيع إلى إعداد كتابيهما، وماذا أنجزا وكيف؟ المؤلّفَان يجيبان:





حسين جرادي: تجربة 15 عاماً في تغطية السياسة الأميركية

صحيح أن موضوع الكتاب خارجي في عنوانه العام، لكنّي لا أرى في الانتخابات الرئاسية الأميركية موضوعاً خارجياً بالمطلق، بل هي موضوع داخلي لبناني كذلك، مثل ما هي موضوع داخلي عراقي أو فلسطيني أو مصري بنسب متفاوتة، قياساً بحجم التأثير الأميركي في بلادنا. أمّا أميركياً، فإنّ تلك الانتخابات (2020) التي يناقش الكتاب ظروفها وتداعياتها، كانت ذات أهمية خاصة إذ شكّلت اختباراً غير مسبوق للديموقراطية الأميركية في التاريخ الحديث للبلاد، وخصوصاً بعد حدث اقتحام أنصار الرئيس دونالد ترامب مبنى الكابيتول لمنع التصديق على فوز جو بايدن بالرئاسة.

وعلى المستوى المهني الشخصي، فأنا معنيّ بهذا الملف كوني أقمت في الولايات المتحدة 15 عاماً وغطّيت خلال عملي السابق مقدّماً للبرامج السياسية في قناة «الحرة» أربع انتخابات رئاسية أميركية منذ 2004، وكنت في واشنطن خلال انتخابات 2020 وهجوم الكابيتول في 6 كانون الثاني 2021.

وبحكم إقامتي في الولايات المتحدة وتغطيتي الانتخابات الرئاسية منذ 2004 بشكل معمّق ومفصّل مع نخبة من الباحثين والخبراء الأميركيين، كان طبيعياً أن تكون انتخابات 2020 عاملَ جذبٍ لي كما لأيّ صحافي يتابع عن كثب حجم الانقسام المتصاعد في البلاد، وخصوصاً أن أحد طرفَي المواجهة هو ترامب، بعد فترة رئاسية صاخبة على مختلف المستويات.

فكرة الكتاب ساهم فيها أمران: الأول وأنا أشاهد الآلاف من أنصار ترامب يقتحمون الكابيتول في مشهد «غير أميركي» بمعنى ما، الأمر الذي دفعني إلى البحث في سؤال «هل هذه أميركا؟»، الذي تردد كثيراً في تلك الفترة. اخترت للكتاب عنواناً رئيسياً هو «تذكّروا هذا اليوم إلى الأبد»، وهي عبارة قالها ترامب لمناصريه بعد ساعات من اقتحامهم الكابيتول، دلالة على قناعتي بما سيتركه ذلك اليوم من تأثير في الحياة السياسية الأميركية، وهذا ما تؤكده السجالات والمحاكمات الجارية حالياً وقد يكون لها تأثير في الانتخابات المقبلة.




والأمر الآخر شخصي وذو علاقة بأن الفرصة كانت متاحة للبحث والتواصل مع المصادر المطلوبة وبدء الكتابة لأننا كنا في فترة تفشّي فيروس كورونا، وكنتُ أتخذ إجراءات وقاية مضاعفة ملتزماً العزل قدر الإمكان، وخرقته في بعض الحالات ومنها نزولي إلى جوار البيت الأبيض لرصد ردود أفعال المحتفلين بخسارة ترامب للانتخابات عقب إعلان وسائل الإعلام النتيجة في 7 تشرين الثاني 2020، وكذلك بعد اقتحام الكابيتول ولاحقاً لإجراء بعض الحوارات التي تضمنها الكتاب.

ومن خلال بحثي ومتابعتي لبعض التفاصيل، وجدت أن ثمة حاجة إلى كتاب باللغة العربية يوثّق تلك الفترة، استناداً إلى مراجع أميركية من كتب وتحقيقات وبيانات رسمية ومشاهدات شخصية، إضافة إلى فصل خاص يتضمن مقابلات مع نخبة من الباحثين والخبراء عن مصير الديموقراطية الأميركية.

ويمكنني القول إن تجربة 15 عاماً في تغطية السياسة الأميركية الخارجية وتأثيرها في الشرق الأوسط ساهمت بشكل كبير في تكوين خبرة جيدة، وكان التحدّي هو في الغوص أكثر في التفاصيل الداخلية الأميركية التي لا تتيحها التغطيات التلفزيونية وإن كانت معمّقة. ثمة تفاصيل جوهرية ومؤثرة في فهم المجتمع الأميركي لم أكن لأعرفها لولا البحث المعمّق خلال إعداد الكتاب. لذا، لم يكن الكتاب معنياً بالسياسة الخارجية الأميركية بشكل مفصّل، بل تعمّدت أن يبحث في الداخل الأميركي ويضيء على جوانب مثيرة في النقاش، وخصوصاً أننا مقبلون على سنة انتخابية صاخبة.

الكتاب ذو شقّين، الأول توثيقي لحدث السادس من كانون الثاني 2021 (اقتحام الكابيتول) ويعتمد في مراجعه على كتب مهمة صدرت في الولايات المتحدة، إضافة إلى الصحف والمؤسسات البحثية والرصد الشخصي، والآخر بحثي وتحليلي يناقش الأسئلة التي فرضها ذلك الحدث على الواقع السياسي الأميركي، وهي أسئلة عن الانقسام والترامبية والحرب الأهلية ومصير الديموقراطية ومستقبل الآلية الانتخابية وغيرها. وهذه ناقشتها مع باحثين وخبراء أميركيين في مقابلات خاصة. لذا، فإن الكتاب هو مزيج من العمل الصحافي التوثيقي والعمل البحثي التحليلي.




منير الربيع: شاب عربي يسأل عن أسباب فشل مشاريع التغيير

ما دفعني إلى الاهتمام بموضوعات خارجية بداية، هو النشوء على مقولة أنه إذا عليك أن تعرف ماذا في لبنان عليك أن تقرأ ما يجري في العالم، وإذا أردت أن تعرف التطورات على الساحة العالمية بإمكانك أن تنظر إلى التطورات اللبنانية. وهذا يشير إلى مدى ارتباط ما يجري في لبنان بسياقات إقليمية ودولية. وهو ما يدفع أي لبناني إلى أن يتابع الأحداث الخارجية ليعرف مدى انعكاسها. فتاريخياً، لبنان كان يوصف بأنه بلد القناصل والسفارات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا بد لأي شاب عربي أن يواكب ويبحث ويسأل عن أسباب فشل مشاريع التغيير، لا سيما بعدما شهد العقد المنصرم حدثين هائلين عربياً ولبنانياً، ثورات الربيع العربي وانتفاضة 17 تشرين الأول 2019. وبقدر ما كانت الطموحات والآمال كبيرة مع هذين الحدثين، كانت الخيبات أكبر. وهكذا بقيت الأسئلة الجوهرية والمصيرية مؤجلة أو تقاربها إجابات خاطئة. فكان لا بد من مراجعة بعض البديهيات والمعضلات. ومن هنا بدأ البحث.

إنطلقت قصة إعداد الكتاب مع ثورات الربيع العربي وخصوصاً الثورة السورية، التي شهدت تداخلات إقليمية ودولية أسهمت في ضربها. من هنا، وفي ظل مواكبة صحافية يومية لتلك التطورات، طُرِحت التساؤلات عما يجري. وهي ما حفّزني على البحث والقراءة عن أسباب الاستعصاء والفشل وتضارب المصالح الدولية. بعد ذلك، راحت الفكرة تتطور لتلامس أكثر من ملف تاريخي وحدثي، نظراً إلى بعض التشابهات في الأحداث التاريخية والراهنة، أو بسبب ارتباط ملفات حاضرة بملفات تاريخية. فكان لا بد من توسيع مشروع البحث، ليتحول إلى محاولة فهم ما يجري في العالم العربي في ظل تطورات دولية وجيواستراتيجية. لا يدّعي الكتاب إلا المقاربة السياسية المتاحة لكل العناوين التي تعني المواطن العربي، والشباب خصوصاً.

ما جذبني إلى الكتابة عن الموضوع، هو الوقوف على تقاطعات تاريخية تتصل بتغيير خرائط ونشوء دول نتيجة حسابات سياسية ومصالح دولية. والأهم هو بروز تقاطع مصالح بين أخصام على رغم خلافاتهم وصراعاتهم المعلنة. هذا ما ولّد لدي إصراراً على الكتابة والإشارة إلى مثل هذه التقاطعات التي ربما تجيب عن تساؤلات كثيرة مطروحة. والكتاب مقدّم بطريقة سهلة ممتعة، يقدم القراءات بطريقة سلسلة منذ الحرب العالمية الأولى إلى ما بعد الربيع العربي، مروراً بكل ما يحكى عن النظام العالمي وتغيره وسقوطه أو انهياره والانتقال إلى نظام جديد، خصوصاً في ظل ما يُحكى عن صراع حضارات وصراعات دينية وطائفية ومذهبية وقومية وعرقية تسهم بتهديد خرائط وتصغير كيانات.

لا يمكنني الإدعاء بانتساب الكتاب إلى الاحتراف أو التخصص، فأنا لست متخصصاً بالمعنى الأكاديمي، ولكن العمل يقدم بخبرة ولغة صحافيتين، مستنداً إلى قراءات ومعطيات مشهودة مبنية على معلومات مستقاة من مراجع مختلفة. ويستند أيضاً إلى البحث والمطالعة واستعادة المراجع الضرورية، ليكون على قدر معقول من الصدقية. بالتالي، إن العمل عبارة عن حبّ للمعرفة والإبحار في التاريخ ومحاولة التعلّم منه. وهو نوع من استكمال ما تلقيته في مراحلي التعليمية في مجال العلاقات الدولية.