يواجه الاقتصاد المصري الذي يعاني بالفعل من عثرات، مخاطر جديدة، إذ تلقي الحرب في قطاع غزة المجاور بظلالها على حجوزات السياحة وواردات البلاد من الغاز الطبيعي. وتأتي الحرب في قطاع غزة على الحدود مع شبه جزيرة سيناء المصرية بعد أن كشف تأثير الحرب الروسية الأوكرانية وجائحة فيروس كورونا عن نقاط ضعف طويلة الأمد في الاقتصاد المصري. ولطالما اعتمدت مصر بشكل كبير على تدفّقات استثمارات المحافظ القصيرة الأجل وعائدات السياحة وتحويلات المغتربين لتغطية جانب من العجز التجاري المستعصي، ما جعلها عرضة للصدمات.
وقالت مونيكا مالك الخبيرة الاقتصادية في بنك أبو ظبي التجاري ومقرّه أبو ظبي »المعنويات في الخارج تجاه مصر متواضعة للغاية، وهذا الذي يحدث آخر شيء تحتاجه مصر».
أزمة ثالثة
وبعد أن أدّت موجة اقتراض لمضاعفة الديون الخارجية أربع مرات، تحتاج مصر إلى أكثر من 28 مليار دولار لسداد التزاماتها في عام 2024 وحده. ويقول مصرفيون إن نقص العملة الأجنبية أدى إلى تراكم واردات بقيمة خمسة مليارات دولار في الموانئ، كما تواجه الشركات الأجنبية مشاكل في تحويل الإيرادات لدولها. وتم تأجيل المدفوعات الحكومية لجزء من واردات القمح ولشركات النفط والغاز الأجنبية.
وتعثّر برنامج مع صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار بسبب إحجام مصر عن تعويم عملتها وحدوث تأخيرات في بيع أصول مملوكة للدولة. وخفّضت وكالات التصنيف الثلاث الرئيسية التصنيف السيادي لمصر لمستوى عالي المخاطر.
السياحة
ولم يؤثر الصراع الدائر في غزة سوى على بعض الوجهات السياحية الرائجة في سيناء مثل طابا ونويبع ودهب وشرم الشيخ، لكن لم يترك تأثيراً يذكر على بقية الوجهات في البلاد. وتراوح صافي إلغاء الحجوزات المسجّلة على مستوى البلاد منذ السابع من تشرين الأول بين 10 و12% حتى نهاية نيسان، لكن إشغال الفنادق في تشرين الأول ارتفع 8% مقارنة مع الشهر نفسه في العام الماضي. ولم تتأثر السياحة الثقافية... فالسفن السياحية النيلية بين الأقصر وأسوان خلال فترتي الذروة، وهي عيدا الميلاد ورأس السنة، تعمل بنسبة 80 إلى 90% بوجه عام.
وفي مقابلة مع رويترز، أشار وزير السياحة المصري أحمد عيسى إلى احتواء تداعيات الصراع في قطاع غزة حتى الآن وانحسار تأثيره فقط على أقل من 10% من الحجوزات. وقال كريم المنباوي، رئيس شركة إمكو ترافيل للسياحة في وسط القاهرة، إن التوقّعات لا تزال قاتمة، مضيفاً «وتيرة الحجوزات بطيئة للغاية وهذا أكثر ما يقلقنا».
توقف إمدادات الغاز
يتمثل أحد العوامل الأخرى التي قد تؤدي إلى نضوب العملات الأجنبية في توقّف واردات الغاز الطبيعي من إسرائيل، والتي تعتمد عليها مصر في الاستهلاك المحلي وإعادة تصديرها مع تحقيق أرباح من ذلك. وعلقت إسرائيل الإنتاج في حقل غاز (تمار) في التاسع من تشرين الأول، ما أدى إلى انخفاض الغاز المرسل إلى مصر في بعض الأوقات إلى الصفر، على الرغم من استئناف تدفّق كميات صغيرة منه. وأشار مصدران يعملان في هذا المجال إلى انخفاض إمدادات الغاز لبعض الصناعات الكثيفة الاستخدام للغاز مثل الأسمدة.
وقال سياماك أديبي، المستشار الرئيسي ورئيس فريق غاز الشرق الأوسط لدى شركة (إف.جي.إي)، إن مصر كانت تستورد 860 مليون قدم مكعبة يومياً، أو نحو 15%، من إمداداتها من إسرائيل قبل اندلاع الصراع. وتضاءلت الآن آمال مصر في زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بعد أن قطعتها بالكامل في الفترة من أيار إلى أيلول، فيما طبقت نظاماً لمناوبة قطع الكهرباء مكانياً وزمانياً في الداخل.
وقال أولوميد أجايي، كبير محللي الغاز الطبيعي المسال لدى (إل.إس.إي.جي)، إن مصر استوردت شحنة من الغاز الطبيعي المسال «وهو ما يؤكد الخلل الحالي في توازن الغاز في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا».
مساعدات خليجية؟
في ضوء الصراع الدائر في غزة وخطر اتّساع رقعته في المنطقة، قال محللون ومصرفيون إن دول الخليج تعيد تقييم سياستها التي تبنّتها في العامين الماضيين وأحجمت فيها عن دعم الاقتصاد المصري. وقالت مالك «شعرت بتغير المعنويات في الخليج لأنه قبل الصراع في غزة لم يكن هناك صبر يذكر تجاه مصر». وتملك السعودية والإمارات والكويت وقطر ودائع بقيمة 29.9 مليار دولار لدى البنك المركزي المصري، كما أنها أقرضت القاهرة 16 مليار دولار أخرى في أشكال أخرى من الائتمان.
وقال مصرفيان مقيمان في القاهرة إن لديهما تقارير تفيد بأن دول الخليج تناقش تخصيص حزمة دعم مالي محتملة تشمل المزيد من الودائع النقدية ودعم العملة المصرية بعد أي تخفيض لقيمتها. وذكرت تقارير غير مؤكدة في وسائل الإعلام المصرية الشهر الماضي أن دول الخليج تجري محادثات لإيداع 5 مليارات دولار أخرى لدى مصر. (سي ان بس سي)