محمد خير عمر

حرب وشيكة بين إثيوبيا وإريتريا؟

16 تشرين الثاني 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

الرئيس الإريتري أسياس أفورقي (يسار) ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد | إثيوبيا، 10 تشرين الثاني 2018

على مر خمس سنوات مضطربة بين العامين 2018 و2023، انتقلت العلاقات بين إريتريا وإثيوبيا من العدائية إلى التعاون، لكنها تتخذ اليوم منحىً خطيراً وتتجه إلى حافة الحرب.

تتداخل هذه العلاقة المتبدلة مع السياسات الإقليمية وصراعات السلطة المستمرة، وهي تتمحور في المقام الأول حول طموحات إثيوبيا بالوصول إلى البحر الأحمر مجدداً، علماً أنها خسرت هذه الصلاحية في العام 1991، بعد استقلال إريتريا. وراء الأبواب المغلقة، لطالما لام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الجبهة الشعبية لتحرير تغراي على قبول استقلال إريتريا. كذلك، يقال إن آبي لام إريتريا على تعثّر اتفاق بريتوريا للسلام الذي أُبرِم بين الجبهة الشعبية لتحرير تغراي والحكومة الفدرالية وأنهى الحرب الأهلية في إثيوبيا في السنة الماضية.

في 13 تشرين الأول، عرضت وسائل الإعلام الإثيوبية خطاباً مسجلاً أمام البرلمان، حيث يؤكد آبي على أهمية البحر الأحمر لمستقبل إثيوبيا، كونه قادراً على دفع البلد نحو حقبة عظيمة أو جعله في طيّ النسيان، كما أنه عبّر عن سعي البلد إلى إنشاء قاعدة بحرية.

هذه المواقف أثارت قلق بلدان مجاورة، مثل جيبوتي والصومال، وحتى الولايات المتحدة، حيث دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، البلدَين إلى وقف الاستفزازات واحترام استقلال جميع بلدان المنطقة، وسيادتها، ووحدة أراضيها.

إذا اندلعت الحرب بين البلدَين فعلاً، قد تُركّز إثيوبيا على تحركاتها العسكرية في منطقة عصب التي تناسب الغارات الجوية وعمليات الطائرات المسيّرة وتبقى بعيدة عن وسط إريتريا. في المقابل، قد تواجه إريتريا تحديات لوجستية لتدعيم هذه المنطقة، ما قد يدفعها إلى نقل قواتها من 52 مقاطعة تحتلها في تغراي. تشير التقديرات إلى وجود تسع وحدات تابعة للقوات الإريترية في المناطق الحدودية التي تحتلها في تغراي، ما يساوي حوالى 40 ألف جندي.

قد تقرر إريتريا مهاجمة إثيوبيا واحتلال المزيد من الأراضي كخطوة استباقية. على غرار ما حصل في العام 1998، قد تطلق حادثة صغيرة أو سوء تقدير بسيط من أحد الطرفَين حرباً شاملة.

قد يسمح اندلاع الحرب لإثيوبيا بالاستيلاء مجدداً على مناطق تحتلها إريتريا أو تسيطر عليها ميليشيات أمهرة. كذلك، قد تحاول القوات المتبقية من الجبهة الشعبية لتحرير تغراي (حوالى 200 ألف عنصر لم يتخلَ بعضهم عن أسلحته بعد) استرجاع الأراضي التي تعتبرها مُلكاً لها بحُكم الدستور.

لا يبدو البلدان مستعدَين لخوض حرب شاملة بعد الخسائر الفادحة التي تكبّدها كل بلد منهما خلال صراع تغراي. قتلت تلك الحرب حوالى 600 ألف شخص، وتشير التقديرات إلى وجود أكثر من مليون نازح داخلي حتى الآن بسبب حرب تغراي، وتفيد التقارير بأن تعافي إثيوبيا بعد الصراع يكلّف 20 مليار دولار.

تكثر انشغالات الجيش الإثيوبي، فهو يتعامل مع تحديات عدة، لا سيما في منطقتَي أمهرة وأوروميا. بدأ الصراع في منطقة أوروميا الإثيوبية يحتدم منذ خمس سنوات، من دون أن يتنبه المجتمع الدولي للتطورات الحاصلة هناك. تتركز المشاكل داخل أوروميا بشكلٍ أساسي، لكنها تؤثر أحياناً على مناطق مجاورة مثل بني شنقول قمز، وغامبيلا، وأمهرة.

يشتق الصراع المستمر في إقليم أمهرة الإثيوبي في الأصل من مشاكل قديمة تعود إلى العام 1991، حين استلمت الجبهة الشعبية لتحرير تغراي السلطة في إثيوبيا. تعرّض سكان أمهرة للعنف والتهجير منذ وصول آبي إلى السلطة، وتركزت الاعتداءات في أوروميا وبني شنقول قمز.

إحتدم القتال في إقليم أمهرة في شهر نيسان من هذه السنة، حين حاولت الحكومة الفدرالية نزع سلاح قوات أمهرة الخاصة وميليشيا أمهرة التي حاربت إلى جانبها خلال حرب تغراي. في البداية، سيطرت ميليشيا أمهرة المعروفة باسم «فانو» على المدن الكبيرة في المنطقة، واقتحمت عدداً من السجون لإطلاق سراح المعتقلين. ردّت الحكومة الفدرالية على ما حصل بقسوة، فاستعملت الأسلحة الثقيلة، والطائرات المسيّرة، والقصف الجوي.

أدت هذه التطورات إلى اعتقال مئات الأشخاص، منهم أعضاء وطنيون وإقليميون في البرلمان، وزادت في الوقت نفسه الشكوك حول الدعم الذي يحصل عليه المسلحون. تركت الميليشيا البلدات الكبرى، وهي تستهدف الجيش راهناً عبر نصب الكمائن له على طول الطرقات في المناطق الريفية. سقط عدد كبير من الضحايا من الجهتَين ووسط المدنيين.

يبقى شعب أورومو أبرز خصم لأمهرة كونه ينافسها على النفوذ السياسي والاقتصادي، ويسيطر عناصر أورومو على الحكومة الراهنة رغم التحركات القمعية في أوروميا وتراجع شعبيتهم وسط جماعات أورومو. منذ إقرار الدستور الذي يفرض النظام الفدرالي العرقي في العام 1995، شعرت جماعات أمهرة بالتهميش، وهي تتعامل منذ ذلك الحين مع خسارة سيطرتها التاريخية على السياسة والاقتصاد والثقافة في إثيوبيا.

في غضون ذلك، تواجه إريتريا عزلة دولية واضحة، إذ ترغب بلدان كثيرة في رحيل الرئيس أسياس أفورقي. لكن لن يتنازل شعب إريتريا عن استقلاله، وقد يصطف معارضو النظام المحليون مع الحكومة للدفاع عن بلدهم، ما يزيد جرأة أسياس.

بدأ التوتر يتصاعد بين البلدَين منذ فترة، رغم تحالفهما خلال صراع تغراي. في حزيران 2021، حين اضطر آبي لسحب قواته من تغراي، لم تتلقَ قوات إريتريا خبراً مسبقاً عن هذه الخطوة، ما أدى إلى تكبّدها خسائر بشرية وتوسّع الشرخ في المواقف. استاء قادة الجيش الإثيوبي من سلوك القوات الإريترية التي أكدت تفوّقها على القادة الإثيوبيين. اتّضح هذا الوضع عند نشوء حواجز تفتيش حيث اضطرت القوات الإثيوبية لطلب الإذن من القادة الإريتريين للمرور.

عارضت إريتريا ردّ آبي على الضغوط الغربية، بما في ذلك تحقيقات بجرائم الحرب بقيادة مجلس حقوق الإنسان الإثيوبي ومكتب مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان. ألمحت هذه التحقيقات إلى تورط الأطراف المتناحرة، بما في ذلك القوات الإريترية. سرعان ما استهدفت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كيانات، وشخصيات عسكرية، ومسؤولين أمنيين في إريتريا. لكن لم تتعرض الكيانات الإثيوبية لعقوبات مماثلة.

تعمّق الشرخ بين البلدين بعد توقيع اتفاق سلام بين الجبهة الشعبية لتحرير تغراي والحكومة الفدرالية في تشرين الثاني 2022، ولم يتم تمثيل إريتريا أو قادة إقليم أمهرة في ذلك الاتفاق.

يُعتبر وضع أمهرة محورياً في هذا الصراع بين الدولتَين. شعرت إريتريا وميليشيات أمهرة بأن آبي غدر بهم بعد توقيعه على اتفاق بريتوريا للسلام. حارب الطرفان ضد الجبهة الشعبية لتحرير تغراي، واستاء كلاهما من عدم القضاء على هذه الحركة نهائياً. تسيطر ميليشيات أمهرة على المنطقة التي كانت تُعرَف سابقاً بغرب تغراي، ما يعني أنها تستطيع الوصول إلى إريتريا مباشرةً. قد تستغل إريتريا موارد أمهرة لزعزعة استقرار إثيوبيا، بينما تضطر إثيوبيا لإغلاق حدودها مع إريتريا لمنع وصول الدعم إلى ميليشيات أمهرة.

تُصِرّ ميليشيات أمهرة على التمسك بالأراضي التي استرجعتها خلال صراع تغراي. يُعتبر احتمال عودة هذه المناطق إلى الجبهة الشعبية لتحرير تغراي مصدر تهديد، فقد تتمكن الجبهة حينها من الوصول إلى السودان، وهو تطوّر يثير قلق إريتريا لأنّ تغراي ستحصل في تلك الحالة على مساعدات مباشرة عبر السودان، حتى أنها قد تهاجم إريتريا عن طريق السودان إذا اندلعت الحرب بين الطرفَين.

في 1 أيار الماضي، أصدر آبي بياناً عاماً حول اغتيال رئيس فرع أمهرة الإقليمي من «حزب الازدهار» الذي ينتمي إليه، على يد متطرفين من أمهرة يقال إنهم يتلقون الدعم من إريتريا. حذر آبي بأسلوب صارم من «القوات غير الإثيوبية» (إنه تلميح محتمل إلى إريتريا)، فدعاها إلى وقف تدخلها في شؤون إثيوبيا الداخلية والامتناع عن زعزعة استقرار البلد. هو أوصاهم أيضاً بالتركيز على شؤونهم الخاصة، وشدد على وفرة التحديات التي يواجهونها.

صدر هذا البيان غداة مواجهة مزعومة بين آبي ووفد من جنرالات الجيش وكبار المسؤولين الإريتريين الذين زاروا إثيوبيا في بداية نيسان 2023. خلال ذلك الاجتماع، طالبهم آبي بوقف دعمهم لقوات أمهرة.

في غضون ذلك، بدأ آبي يُصعّد مواقفه، فقد ذكرت التقارير أنه أعلن عدم اكتفائه باسترجاع ميناء عصب، فهو ينوي استعادة أرض إريتريا كلها. في تقييم للصراع داخل إقليم أمهرة، تطرّق رئيس الأركان العسكرية الإثيوبية إلى ضرورة وضع إريتريا في مصاف الخصوم. ثم جاء موقف رئيس أوروميا الإقليمي ليصبّ الزيت على النار، فهو أعلن أن مهرجان «إيريتشا»، الذي تنظّمه جماعات أورومو في جوار مجرى مائي، سيُقام قريباً بالقرب من ضفاف البحر الأحمر والمحيط الهندي.

يشير المسار الراهن إلى صدام محتمل قد يترافق مع تداعيات إقليمية مدمّرة. تبقى جميع الخيارات واردة، وستكون الجهود الدبلوماسية الحذرة من جانب الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي أساسية لمنع أي نتيجة كارثية. آخر ما يحتاج إليه القرن الأفريقي هو اندلاع حرب جديدة.


MISS 3