إلى جانب القتال الداخلي ضدّ «حركة الشباب الإسلامية»، تُقاتل الدولة الصومالية أيضاً ضدّ جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند) التي أعلنت إستقلالها من جانب واحد عام 1991، لكن قليلة هي الدول التي اعترفت بها، وتعتبر إثيوبيا أبرز دولة تتّجه للاعتراف بها بعد توقيع مذكرة تفاهم بين رئيس الوزراء الإثيوبي ورئيس أرض الصومال في كانون الأوّل 2023، تنصّ على موافقة الأخيرة تأجير أكثر من 20 كلم في ميناء بربرة المطلّ على مدخل البحر الأحمر لمدّة 50 عاماً للبحرية الإثيوبية، مقابل اعتراف أديس أبابا رسميّاً بأرض الصومال كدولة مستقلّة.
هذا الاتفاق يفتح باب الشراكات التجارية والسياسية والعسكرية بين أرض الصومال وإثيوبيا، ما يمكنه أن ينعكس سلباً على الدول الأفريقية المطلّة على خليج عدن والبحر الأحمر، كمصر وإريتريا والصومال، فمِن الطبيعي أن يكون هناك تفكير جدّي لدى هذه الدول، وأهمّها الصومال التي اعتبرت الاتفاق مساساً بسيادتها، لردع الأفكار التوسعية الإثيوبية، أوّلاً عبر الضغط الديبلوماسي من خلال تجييش الدول الإقليمية والمحافل الدولية، وثانياً بالطرق العسكرية التي يُمكن أن تكون من الأوراق الصعبة لدى الدولة الصومالية من دون إبرام معاهدات دفاع مشترك مع دول إقليمية كبيرة مثل مصر أو دولية.
إحتمالية التصعيد العسكري بين الجيشين الصومالي والإثيوبي ليست معدومة، وذلك في حال فقدان الأمل من الديبلوماسية، خصوصاً مع إعلان مستشار كبير للرئيس الصومالي أخيراً أنّ مقديشو «مستعدّة لخوض الحرب» لمنع أديس أبابا من الاعتراف بالإقليم الإنفصالي. لذلك، لا بدّ من توضيح قدرات الجيشين لتبيان إمكانية الصومال من استخدام الضغط العسكري. فحسب تقييم عام 2024 لمؤشّر «غلوبل فايرباور»، يحتلّ الجيش الإثيوبي المرتبة 49 من أصل 145 عالميّاً، في حين يحتلّ الجيش الصومالي المرتبة 142.
الفرق بالقوّة العسكرية واضح وكبير بين الجيشين، هذا يعود لعدّة عوامل، أهمّها عديد الجيش الإثيوبي الذي يبلغ 162 ألف فرد في الخدمة الفعلية، من دون وجود إحتياط، فضلاً عن أفراد القوات العسكرية لأرض الصومال الذي يبلغ 13 ألف فرد، مقابل 15 ألف فرد في الخدمة الفعلية و2000 من القوات شبه العسكرية فقط للجيش الصومالي، من دون وجود إحتياط. أمّا بالنسبة إلى القوات الجوية، فالصومال لا تملك أي نوع من الطائرات، مقابل 31 طائرة حربية لإثيوبيا من طراز «ميغ 23» (9 مقاتلات) و»سو 27» (14 مقاتلة للمهمّات الحربية و6 للتدريب)، ومقاتلتَي «سو 30»، فضلاً عن 6 طوافات قتالية سوفياتية الصنع من طراز «مي 24».
وبالنسبة إلى القوات البرّية، الصومال لا تمتلك أي دبابة، مقابل 680 دبابة للجيش الإثيوبي، معظمها سوفياتية الصنع من طراز «تي 72» و»تي 55» و»تي 62». وتمتلك إثيوبيا أكثر من 10 آلاف آلية مدرّعة مقابل 1856 للجيش الصومالي، والأهمّ أنّ الأخير لا يمتلك أي مدفع، مقابل أكثر من 700 مدفع متعدّد المهام للجيش الإثيوبي. أمّا بالنسبة إلى القوّة البحرية، فالصومال تمتلك 11 مركباً تركي الصنع مخصّصة للدوريات البحرية وليس للعمليات الحربية، بينما لا تمتلك إثيوبيا أي قوّة بسبب افتقادها للحدود البحرية، لكن مع تطوّر العلاقات مع أرض الصومال ليس مستبعداً أن تعمل على تطوير قدراتها البحرية.
لذلك، فإنّ القدرات العسكرية الصومالية متدنيّة جدّاً مقابل الجيش الإثيوبي الذي يعرف هذا الواقع. وبالتالي، وفي ظلّ الأوضاع الأمنية في البحر الأحمر، تُريد إثيوبيا أن يكون لها تأثير في المنطقة، خصوصاً في مضيق باب المندب، فهذا الاتفاق سيؤدّي إلى تطوير التعاون الأمني مع أرض الصومال لتحقيق الاستقرار وضمان أمن البحر الأحمر، لتُصبح بذلك شريكة للدول التي لها مصالح في ساحل خليج عدن والبحر الأحمر، بالإضافة إلى تقليل اعتمادها على منفذ بحري واحد هو ميناء جيبوتي الذي يُكلّفها أعباء اقتصادية.
تستغلّ إثيوبيا ضعف السلطة الصومالية، لتوسيع نفوذها والوصول إلى مدخل البحر الأحمر عبر شواطئ أرض الصومال، ما يؤمّن لها نفوذاً إقليميّاً في القارة الأفريقية. فمنذ إنفصال إريتريا عنها في العام 1993، الذي حوّلها إلى دولة حبيسة لا تملك حدوداً بحرية، تسعى إثيوبيا إلى حصولها على منفذ بحري، وهذا ما سيؤمّنه هذا الاتفاق، فضلاً عن طموحها ببناء قاعدة عسكرية في ميناء بربرة.
لكن الصومال ليست وحيدة في مواجهة الطموحات الإثيوبية، فعلاقات أديس أبابا مع القاهرة متوتّرة منذ شروع إثيوبيا ببناء سدّ النهضة على نهر النيل الذي يُهدّد مصر بالعطش، وهذا الاتفاق يزيد من التوتّر، فإمكانية إنشاء إثيوبيا قاعدة عسكرية على شواطئ البحر الأحمر يُعتبر تهديداً لأمن الحركة البحرية عبر قناة السويس، فضلاً عن إمكانية استخدام مسألة القاعدة العسكرية كورقة ضغط على مصر مقابل قضية سدّ النهضة.