رفيق خوري

جبهات موحّدة

18 تشرين الثاني 2023

02 : 00

الحروب تدور عبر المتاريس، لكنها تُدار في الكواليس. وليس ما يحدث على أرض المعارك في غزّة وعبر الجبهات «الضاغطة والمساندة» ضمن «محور المقاومة» معزولاً عن التحرّك في العواصم الإقليمية والدولية. بعض التحرّك لـ»ضبط» القتال وحتى تنظيمه. وبعضه الآخر للتفاهم على مرحلة ما بعد الحرب في ما يتجاوز غزة. وليس قليلاً ما ظهر من قراءات وتحليلات أعطيت وأريد لها أن تعطى لقول السيد حسن نصرالله إن «الكلمة للميدان». لكن المؤكد، بطبائع الأمور، أن الميدان لا يتحرّك فقط على أساس الفعل وردّ الفعل، ولا يسيّر نفسه بنفسه على طريقة «التسيير الذاتي» إلا في بعض المسائل التكتيكية. وما دام «الضغط» هو الدور الذي أعطاه السيد حسن للجبهة الجنوبية، فإنه يراوح بين حدّين: أولهما مشاغلة العدوّ وإنهاكه وتجميد ثلاث فرق من جيشه وشلّ الحياة في الجليل. وثانيهما دفع إسرائيل وحاميها الأميركي الى وقف الحرب على غزة خوفاً من توسيعها الى حرب شاملة.

ولا فائدة من الجدل والتخريجات اللفظية حول من يمسك بقرار الحرب والسلم في لبنان. فهو، في أية حال، ليس المؤسّسات الشرعية حتى عندما تكون كاملة رئاسة وحكومة ومجلساً نيابياً، لا مجرّد حكومة تصريف أعمال وبرلمان مشلول. قرار الحرب في يد طرفين: إسرائيل وفوقها أميركا، وإيران ومعها «حزب الله». ومن الوهم الأخذ بالموقف الإيراني الذي يكرّره المسؤولون في المستويات العليا والدنيا، وخلاصته أن الجمهورية الإسلامية لا تتدخّل في قرارات الفصائل المسلّحة المرتبطة بالحرس الثوري. فالفارق كبير بين حقائق الأمور وبين ما تقتضيه حسابات المرحلة والمصلحة العليا بالقول إن غزّة هي الميدان الأساسي والدور لـ»حماس والجهاد الإسلامي»، في حين أن الجبهات الباقية للمساندة. واللعبة الأميركية مزدوجة. فمن جهة تتبنّى إدارة الرئيس جو بايدن الرواية الإيرانية حول اللادور في عملية «طوفان الأقصى»، ومن جهة ثانية تبعث بالرسائل والتحذيرات الى طهران لئلا تندفع وتدفع الى توسيع الحرب وتكون العواقب وخيمة. والمرشد الأعلى علي خامنئي يقول لإسماعيل هنية بصراحة: «لن نخوض الحرب بالنيابة عنكم».

وهذا المنطق يقود الى أكبر مفارقة في تاريخ الحروب: حرب لها طابع إقليمي وتدخّلات دولية تقود إليها قرارات «مستقلة» لأطراف عدة. وحرب هي مسألة «حياة أو موت» بالنسبة الى كل من إسرائيل و»حماس» تحدث بالصدفة. عملية «طوفان الأقصى» هي فلسطينية تخطيطاً وتنفيذاً فوجئت بها إيران كما «حزب الله». المواجهة الكبرى مع الاجتياح الإسرائيلي لغزة وفظائعه الوحشية وأهدافه الاستراتيجية تتكفل بها «حماس»، وهي قادرة وكانت مستعدّة. إيران تعلن بلسان القائد في الحرس الثوري أمير علي حاجي زادة أن «الحرب اليوم توسّعت ولبنان طرف فيها، ومن الممكن أن تزداد حدّة الصراع لأن المستقبل غامض، وإيران مستعدّة لكل الأوضاع». أما المساندة بالقصف، فإنها على عاتق «المقاومة الإسلامية» في لبنان و»المقاومة الإسلامية في العراق» ضد القواعد الأميركية، والحوثيين في اليمن. وكل ذلك لأن أولويات الجمهورية الإسلامية هي الحفاظ على النظام والعمل للمشروع الإقليمي الإيراني من دون الدخول في مواجهة مباشرة، لا مع إسرائيل ولا مع أميركا، والاكتفاء بالمواجهة غير المباشرة عبر الفصائل التابعة لها. وهذه قمّة الدهاء.

أميركا «الإسرائيلية» تصطدم بالمعادلة التي سجّلها البروفسوران جون ميرشيمر وستيفن والت في كتابهما «اللوبي الإسرائيلي»: «الدعم الأميركي لإسرائيل يؤذي أميركا، والدعم الأعمى يؤذي إسرائيل». وإيران «الفلسطينية» تتصرّف على أساس أنها قادرة على العمل عكس نظرية البروفسور مارك لينش:»لا أحد يربح حرباً بالوكالة».


MISS 3