المهندس هادي كساب إسماعيل

أهالي غزة بين القطاف السياسي والموت

18 تشرين الثاني 2023

20 : 30

بعيداً من الحسابات الإقليمية التي تُعتبر إحدى أهم الأسباب في ولادة الكيان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية والتي قابلها نشأة الحركات الجهادية في فلسطين وجوارها العربي، إلا أنه لا بد من التوقف عند أحداث غزة التي تتعرض منذ السابع من أكتوبر إلى إبادة جماعية أمام الرأي العام والمجتمع الدولي الذي مازال يبحث في كيفية إيجاد الحلول من أجل إيقاف الحرب الهمجية ضد سكان قطاع غزة في الوقت الذي تُرتكب فيه أكبر المجازر بحق الشعب الفلسطيني الذي تعاطفت معه كل بقاع الأرض بمختلف انتماءاتها جراء الحرب الإجرامية التي تفتك بالحجر والبشر.



لا شك بأن معظم دول العالم العربي تمتلك المقومات العسكرية والاقتصادية القادرة على إيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي حصد حتى اليوم ما يزيد عن عشرة آلاف ضحية نتيجة الغارات العشوائية وسط الصمت العربي المُخزي الذي يُخيم على الزعامات العربية التي سمحت بطريقة غير مباشرة للجيش الإسرائيلي بأن يخوض الحرب بكل جرأة كردة فعل على عملية طوفان الأقصى دون التمييز بين المدنيين والعسكريين الفلسطينيين.



أمام المشهد الإجرامي الذي يشهد عليه أهالي غزة الذين يصارعون الحياة على أسرة الموت وفي ظل العدوان الإجرامي الذي تعدى حدود الفطرة البشرية، تقف معظم الزعامات العربية عاجزة عن تقديم الواجبات الإنسانية واستبدالها بالخطابات الرنانة التي تصدح في المحافل الدولية وعلى الشاشات الإعلامية وكأنها مناسبة سنوية من أجل استعراض الأدمغة السياسية والفنون الكلامية.



ما يحدث داخل غلاف غزة من ُممارسات إجرامية تُنافي كل الشرائع الدينية والأعراف الدولية والذي ترفضه كل المنظمات الحقوقية سيما تلك التي تُناشد بحماية حقوق الإنسان ونشر السلام في العالم. فذنب الشعب الفلسطيني بأن يعيش بين جرثومة استيطانيه تسعى لابتلاع أرضه من جهة وجرثومة سياسية تتحكم بمصيره محولة أرضه إلى ساحة حرب وتصفية حسابات من جهة ثانية، كما لبنان وسوريا والعراق واليمن التي عاشت وعانت كما الشعب الفلسطيني اليوم.



فالجرائم الإنسانية التي يرتكبها العدوان الإسرائيلي لن تتوقف عند حدود غلاف غزة فحسب، بل ستطال كامل الجوار العربي إذا ما استمرت إسرائيل في حربها وسيحصد معظم زعاماته التي نأت بأنفسها عن أحداث غزة إن لم يكن هناك تحرك فعلي يفرض بالقوة إيقاف العمليات العسكرية وفتح الممرات أمام المساعدات الإنسانية للدخول إلى قطاع غزة وإنقاذ ما تبقى من الأهالي الذين يرزحون تحت رحمة الطائرات الحربية والقنابل الأشبه بالذرية.



إن الشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من البنيان العربي، له الحق بأن يعيش كباقي شعوب العالم وأن ينعم بالأمن والاستقرار بعيدًا من بحر الدماء الذي روى أرض فلسطين منذ الانتفاضة الأولى، فمن حق هذا الشعب أن يُبصر الحياة بعيداً من القصف والتهجير وأن يحلم بمستقبل تنبثق فيه رائحة الحياة لا الموت.



فالأمة العربية مُطالبة اليوم قبل الغد أن تصحو من سكرتها في ظل المجازر التي تُرتكب بحق شرفها, بعيدًا من رمي الاتهامات، بل العمل على تحمل المسؤولية الكاملة والتحرك السريع والفوري بكل الوسائل المتاحة من أجل إيقاف النيران الهمجية، فهذه أقل الواجبات تجاه الشعب الفلسطيني، وإلا فإنها بصمتها ستكون أول من يحفر المقبرة للمنطقة العربية في المستقبل القريب، ولن يكون هناك رادع من أي اجتياح لأراضي المنطقة العربية وسوف تكون نتائجه أسوأ مما تشهده غزة بآلاف المرات.



لا يمكن لأي مركز إحصائي في العالم بأن يحصي عدد الخسائر البشرية التي خسرها العرب ولا يوجد أي محكمة في العالم يُمكنها أن تُقدر حجم العقاب الذي تستحقه إسرائيل نتيجة المجازر التي ارتكبتها بحق الشعوب العربية على مدى الأعوام الماضية، فأقل ما يُمكن وصفه بحق هذا الكيان أنه جرثومة خبيثة تسكن في خاصرة العرب. وهنا يبقى السؤال من سيكون عراب المفاوضات وصاحب القطاف السياسي الثمين ما بعد حرب غزة؟

MISS 3