الرئيس الأرجنتيني الجديد: سأعالج الأزمة بالصدمة!

02 : 00

خافيير ميلي... ينتشي بالفوز ولكن!

أجرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، والرئيس الأرجنتيني المنتخب خافيير ميلي أول، اتصالاً هاتفياً بينهما، لمناقشة اقتصاد البلاد وسط تضخّم مكوّن من ثلاثة أرقام وانخفاض العملة. قالت «غورغييفا» في تغريدة على منصة «إكس»: «ناقشنا التحديات الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد الأرجنتيني والإجراءات السياسية الحاسمة اللازمة». أضافت أن صندوق النقد الدولي سيدعم الجهود الرامية إلى خفض التضخّم في البلاد، والذي يتجاوز حالياً 140%، وتحسين ماليتها العامة ورفع النمو الذي يقوده القطاع الخاص.

وتجنّبت الأرجنتين التأخر في سداد الديون لصندوق النقد الدولي بعدما دفعت 2.6 مليار دولار في تشرين الأول ضمن برنامجها البالغ 43 مليار دولار، وهو أكبر برنامج للصندوق.

وكتب الرئيس الأرجنتيني الجديد، على موقع «إكس» بشأن المكالمة، قائلاً إن صندوق النقد على استعداد للمساعدة في العثور على الحلول الهيكلية التي تحتاجها الأرجنتين. وذكر الاقتصادي الليبرالي أنه تحدث مع «غورغييفا» عن خطته للتعديل المالي والبرنامج النقدي.

ولا يزال يتعين على الصندوق دفع 3.3 مليارات دولار للأرجنتين قبل نهاية العام في إطار خطة المساعدة.

ويعاني ثالث أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية من أجل سداد قرض ضخم بقيمة 44 مليار دولار حصل عليه من صندوق النقد الدولي عام 2018، بسبب انخفاض غير مسبوق لاحتياطات العملات الأجنبية.

وقبل زهاء 10 أعوام، كان التضخّم الذي يتجاوز نسبة 10% هو القاعدة في الأرجنتين، لكنه ازداد بشكل حاد هذا العام ليسجّل 143% على أساس سنوي، في سابقة منذ 32 عاماً، بالتوازي مع تواصل انخفاض قيمة العملة المحلية البيزو.

وكان تقرير لصحيفة «إيكونوميست» قال إن الرئيس الأرجنتيني الجديد يواجه وضعاً اقتصادياً أصعب بكثير من أي رئيس آخر خلال السنوات الأخيرة. وأفادت الصحيفة بأن الأرجنتين تعيش وضعاً سيئاً، وسط توقعات بأن يبلغ معدل التضخم في البلاد 200% بحلول أوائل العام المقبل، في حين يعيش 4 من بين كل 10 أرجنتينيين حالة من الفقر.

3 تدابير عاجلة

وذكرت الصحيفة أن الدين العام في الأرجنتين بلغ 90% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، في حين يبلغ العجز المالي نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وحسب الصحيفة، سيتعيّن على حكومة ميلي اتخاذ 3 تدابير اقتصادية طارئة:

أولاً، التقشف السريع لخفض العجز المالي، وتشكل معاشات التقاعد وإعانات دعم الوقود مجالاً واضحاً ينبغي استهدافه.

ثانياً، تحرير نظام سعر الصرف، رغم أن ذلك سيؤدي إلى انخفاض قيمة العملة وتحفيز التضخم. وهذا أمر لا مفر منه، فالأرجنتين لم تعد تمتلك كثيراً من الدولارات.

ثالثاً، تحتاج البلاد إلى إعادة هيكلة ديونها لخفضها إلى مستويات مستدامة.

وعود صادمة

وتعهّد رئيس الأرجنتين المنتخب خافيير ميلي بتطبيق العلاج بالصدمة على اقتصاد البلاد، بهدف تحقيق التوازن في ميزانية العام المقبل، في محاولة لتجنب انفلات معدل التضخم. وقال ميلي، الذي فاز مؤخراً في انتخابات الرئاسة، إنه سيجري تخفيضاً هائلاً على الإنفاق الحكومي نظراً إلى أن «الأموال غير متوفرة»، مشيراً إلى أن التقاعس عن ذلك سيؤدي إلى زيادة أخرى في أسعار المستهلك، التي تحلق فعلاً فوق مستوى 140% سنوياً، في أعلى معدل لها منذ أن خرجت الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية من آخر فترات التضخم المنفلت في بداية تسعينات القرن الماضي.

وأضاف في لقاء إذاعي مطوّل: «إذا لم نحقق الانضباط المالي، سنتّجه إلى وضع التضخّم المفرط، ولذلك سأطبق العلاج بالصدمة لتحقيق هذا الانضباط».

لا تفاصيل

لم يقدّم ميلي تفاصيل تذكر عن كيفية تحقيق التوازن في ميزانية البلاد، مشيراً إلى أن فريقه الاقتصادي، الذي لم يُحدّد بعد، سوف يتعامل مع ميزانية الديون قصيرة الأجل عند البنك المركزي. وأضاف أن مدفوعات الفائدة على سندات البيزو التي سدّدها البنك المركزي تصل إلى 10 نقاط مئوية من إجمالي الناتج المحلي.

أصرّ ميلي أثناء اللقاء على أن تخفيض الإنفاق لن يؤثر على المواطن العادي، وإنما سيؤثر على الطبقة السياسية وحلفائها. وأشار إلى أن مشروعات الأشغال العامة ستحتاج إلى رأس المال الخاص.

وأشار أثناء اللقاء الإذاعي إلى وجود «مهمة واضحة تماماً. إنني ألتزم أمام الأرجنتينيين بالقضاء على التضخّم». وأضاف أنه إن لم يفعل ذلك فسينتهي حال الأرجنتين، إلى ما وصلت إليه فنزويلا.

التخلي عن البيزو

والرئيس الجديد، مؤيد النزعة التحرّرية، كان وعد بإجراء إعادة تنظيم شاملة لعلاج آثار عقود من سوء الإدارة السياسية، وهي استراتيجية تجاوب معها شعب يعاني من اقتصاد متدهور، وأحد أسرع معدلات التضخم ارتفاعاً في العالم.

وأثناء حملته الانتخابية وعد بالتخلي عن عملة البيزو لصالح الدولار الأميركي وإغلاق البنك المركزي، فضلاً عن خفض كبير في الإنفاق العام، في محاولة لإخراج بلد عدد سكانه 46 مليون نسمة، من أزمته.

سيضع أسلوب العلاج بالصدمة الذي ينتهجه ميلي الأرجنتين على مسار محفوف بعدم اليقين، فيما يحذّر بعض الاقتصاديين من أن دولرة الاقتصاد، البالغ حجمه 622 مليار دولار، في فترة استُنزفت فيها الاحتياطيات الأجنبية قد تدفع الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية إلى موجة أخرى من التضخم المفرط.

في غضون ذلك، دعا مسؤولو صندوق النقد الدولي الحكومة الجديدة إلى إعادة ضبط الاقتصاد بسرعة، مؤكدين عدم وجود وقت كافٍ للإجراءات التدريجية.

رأي «بلومبرغ إيكونوميكس»

«رؤية ميلي الطموحة لدولة داعمة للأسواق، محدودة السلطة، عملتها الدولار، ستخضع للاختبار في نهاية المطاف. فهو لم يوضح موعد عملية الدولرة وإجراءاتها، التي ستبدو غير مجدية في المدى القريب، في ظل نقص الاحتياطيات الأجنبية.

نصره الكبير سيمنحه رصيداً سياسياً لتنفيذ أجندته الاقتصادية، لكنه لن يحميه من الكلفة السياسية الناجمة عن التدابير التي يجب عليه تنفيذها للوفاء بتعهداته»، بحسب أدريانا دوبيتا، المحللة الاقتصادية المتخصصة في شؤون أميركا اللاتينية.

سينصبّ الاهتمام في الفترة الحالية على الآلية التي سينفذ بها ميلي أشد إجراءاته إثارة للجدل، بمساعدة قلة من النواب المؤيدين في كونغرس منقسم.

واستنفد البنك المركزي الاحتياطيات الأجنبية كلها تقريباً لدعم البيزو، ما يعني أن خفضاً كبياً في قيمة العملة بات أمراً منتظراً في أي وقت.

وقال دانييل كرنر، مدير شؤون أميركا اللاتينية بشركة «أوراسيا غروب» (Euroasia Group)، إن «مدة طويلة من عدم اليقين بدأت. لا يملك ميلي فريقاً، وتنفيذ خطته أمر بالغ الصعوبة، كما سيواجه معارضة حاشدة من البداية».

تقليص مؤسسات الدولة

أمضى ميلي الذي يبلغ 53 عاماً، مدة واحدة كنائب في المجلس التشريعي، ولا يملك خبرة في السلطة التنفيذية، إلا أنه بنى حملته الانتخابية بربط تاريخ التضخم المرتفع في الأرجنتين بفساد النخبة السياسية، وحدث ذلك عبر شتائم مليئة بالألفاظ النابية كالها في البرامج الحوارية على شاشات التلفزيون.

في معرض تفسير تعهّده بتقليص مؤسسات الدولة بشكل كبير، كرّر ميلي أنه سيمزّقها إرباً، بينما يمسك بمنشار كهربائي، وهو ما أصبح رمزاً لتحديه الوضع الراهن، في مسيرات شعبية ضخمة.

ورغم عدم وجود هيكل لحزبه، حلّ ميلي في المرتبة الأولى في انتخابات آب التمهيدية، ليصدم المؤسسة السياسية، ويكشف غضب الناخبين من قادتهم الحاليين.

إستحقاقات قروض

تواجه الأرجنتين عبئاً آخر يتمثل في دفعات لسداد القروض الخارجية قيمتها 22 مليار دولار في العام المقبل، تشمل الفائدة المستحقة لحاملي السندات الدولية وصندوق النقد الدولي، وسيطلب الأخير «فائضاً كبيراً في الحساب الجاري وسط خط تحقيق الاستقرار»، بحسب مارتن كاستلانو، مدير بحوث أميركا اللاتينية في «معهد التمويل الدولي».

يستدعي السجل الاقتصادي المريع للأرجنتين قدراً من الراديكالية، لكن ربما ليس من النوع الذي يعرضه ميلي. فقد وصف تغير المناخ بأنه «كذبة اشتراكية»، ويريد إتاحة الاستخدام القانوني والمسؤول للأسلحة النارية، ولم يكتفِ بخفض الإنفاق العام بشدة، بل يريد وقف برامج بأكملها، ومنها برنامج الرعاية الصحية العامة، وإلغاء وزارات عديدة. مقارنة ببقية أجندته لنسف النظام، فإغلاق البنك المركزي-أو «القضاء عليه» حسبما يفضل ميلي القول- يكاد يبدو مطلباً معتدلاً.

تبعات الدولرة

لاقتصاد أُسيئت إدارته لفترة طويلة، من الصدفة أن توجد حاجة منطقية للدولرة، حيث يمكن القول إنها تحدث تلقائياً؛ إذ تدّخر الأرجنتين الدولارات وتتعامل بها بأقصى ما يمكنها. ومواصلة تلك العملية والتخلي عن البيزو رسمياً سيجعلان من المستحيل على الحكومة تمويل الإنفاق العام بطباعة النقد، وهو خيار فضلت تنفيذه بشكل متكرر. فتجاوز التضخم معدل 100% واستمراره في الارتفاع هما النتيجة المتوقعة للإفراط في الاقتراض الحكومي وما يطلق عليه الهيمنة المالية على البنك المركزي. في الأوضاع المناسبة، يمكن للحكومات التي تحرم نفسها من ذلك الخيار أن تحقّق درجة من التقييد قد يستحيل بلوغها دون ذلك. الأمر ليس مجرد نظرية؛ فلننظر إلى الماضي والحاضر، إذ أتت فكرة الدولرة في بنما والسلفادور بنتائج جيدة.

العقبة الرئيسية هي أن إلغاء السياسة النقدية المستهترة قد يلغي أيضاً النوع المرغوب منها؛ أي استخدام تقلّبات أسعار الفائدة أو سعر الصرف أو كليهما معاً، لتحقيق الاستقرار في الطلب الإجمالي والحماية من الصدمات الاقتصادية، وستفقد الحكومة أيضاً رسوم سك العملة المستحقة عن طبع المال، وتحتاج إلى رفع الضرائب لتعويض الفارق.

يصف ميلي رسوم سك العملة بأنها سرقة، لكن برنامجه لا يلغيها، بل ستحصل الولايات المتحدة على الإيرادات عوضاً عن الأرجنتين.

رهان غير مضمون

بينما قد ترفع الدولرة من مستوى الانضباط، فإنها لا تضمن تحقيق ذلك. فتستمرّ قدرة الحكومة على اقتراض مبالغ بالدولار تفوق قدرتها على السداد، وسيحل أجل دفع الثمن في نهاية المطاف، لا في شكل التضخم المرتفع المزمن فحسب، بل في تخلّف شامل عن سداد القروض وكل التكاليف المرتبطة بها.

لا تحتاج الحكومات القادرة على التعامل مع الضرائب والإنفاق بشكل مسؤول إلى دولرة اقتصادها. فلن تتمكن تلك الحكومات من الاستمرار في ارتكاب الأخطاء في وجود بنوكها المركزية أو دونها. السؤال الذي يجب طرحه على ميلي ومنافسيه ليس ما إذا كانت الدولرة فكرة ملائمة للأرجنتين أم لا، لكن ما إذا كان يمكن استئمانهم على اتخاذ قرار اقتصادي صحيح في الوضع الحالي أم لا. إذا كان رد فعل الأسواق المالية على فوز ميلي في الانتخابات بمثابة دليل، فالرد على برنامجه هو رفض قاطع.

أسماء الكلاب


ميلي أعزب ولديه بعض الكلاب أطلق عليها أسماء محللين اقتصاديين، وسيكون أول رئيس للأرجنتين يحمل مؤهلات أكاديمية للعمل خبيراً اقتصادياً يُنتخب لأعلى منصب في الدولة، وهي مقومات سيحتاج إليها لتنفيذ المهمة الضخمة المتمثلة في إنقاذ الدولة المُعرّضة للأزمات، عند توليه المنصب رسمياً.

الصين والبرازيل

يُعد فوز ميلي المؤيد لنظرية السوق الحرة، في الوقت نفسه خسارة للبرازيل والصين، أكبر شريكين تجاريين للأرجنتين. وطالما كرّر ميلي خلال حملته الانتخابية أنه سيجمد العلاقات مع القوتين الاقتصاديتين لأنهما «اشتراكيتان».

بل تمادى ميلي لدرجة وصفه الصين بأنها «قاتلة»، ثم أوضح أنه سيسمح -رغم ذلك- بحرية التجارة بين الشركات الخاصة، ما يوضح التحدي الذي يواجهه في تحويل خطابه الانتخابي إلى واقع، في وقت تجاوز حجم التجارة الإجمالية مع الصين والبرازيل 55 مليار دولار في العام الماضي، ما يقارب 3 أضعاف قيمة التجارة مع الولايات المتحدة، ثالث أكبر شريك تجاري للأرجنتين.

MISS 3