رابط بين استعمال الهاتف الذكي وتراجع عدد الحيوانات المنوية وعقم الرجال

02 : 00

يبدو أن عقم الذكور بات يشكّل نصف حالات العقم الإجمالية تقريباً. بدأت هذه المشكلة تطرح مخاوف متزايدة في مجال الصحة العامة، فقد لاحظ الخبراء تراجعاً بنسبة 50% في عدد الحيوانات المنوية لدى الرجال على مر عقود عدة. لاستكشاف الموضوع، بدأ الباحثون يقيّمون عوامل بيئية متنوعة قد تؤثر على نوعية الحيوانات المنوية، منها التعرّض للأشعة، والعوامل المسؤولة عن اختلال الغدد الصماء، والعادات المرتبطة بأسلوب الحياة (الحمية الغذائية، الضغط النفسي، الكحول، المخدرات، التدخين...).

حلل علماء من جامعة جنيف والمعهد السويسري للصحة الاستوائية والعامة تأثير استعمال الهواتف الخلوية ومكان وضعها على خصوبة الرجال.

إمتدت هذه الدراسة الجديدة على 13 سنة، واستنتجت أن استعمال الهاتف الذكي قد يرتبط بتراجع عدد الحيوانات المنوية الإجمالي لدى الرجال في بداية سن الرشد.

إستعان الباحثون بـ2886 رجلاً تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عاماً، بين العامين 2005 و2018، في مراكز للتجنيد العسكري. انقسمت الدراسة على ثلاث مراحل: بين 2005 و2007، وبين 2008 و2011، وبين 2012 و2018. جمع خبراء من المختبر عينات من الحيوانات المنوية وسجلوا كميتها، وعددها الإجمالي، وحركتها.

أجاب المشاركون على أسئلة حول الصحة الإنجابية والعامة، والمستوى التعليمي، والعادات المرتبطة بأسلوب الحياة، وسُئِلوا أيضاً عن وتيرة استعمالهم لأجهزتهم. تراوحت الأجوبة المتعلقة بإيقاع استعمال الأجهزة بين مرة أسبوعياً وأكثر من عشرين مرة يومياً.

أجاب 2764 شخصاً على الأسئلة. وزّع الباحثون هؤلاء المشاركين على خمس مجموعات، بحسب وتيرة استعمال الهواتف الخلوية.

كان متوسط الحيوانات المنوية لدى من يستعملون هواتفهم مرة أسبوعياً أعلى من الذين يستخدمونها أكثر من عشرين مرة يومياً. كذلك، كشفت أول مرحلة من الدراسة رابطاً أكثر وضوحاً بين استخدام الهاتف الذكي وعدد الحيوانات المنوية مقارنةً بالمراحل اللاحقة. يبدو أن هذه النزعة تتماشى مع تطور التقنيات الجديدة وانتقالها من شبكة الجيل الثاني إلى الجيل الثالث ثم الرابع، ما يشير إلى تراجع إنتاج الطاقة في الهواتف الخلوية.

وفق منظمة الصحة العالمية، قد يحتاج الرجل إلى أكثر من سنة لإنجاب طفل مع شريكته إذا كان عدد حيواناته المنوية أقل من 15 مليون في الميليمتر. كذلك، تتراجع فرص الحمل بدرجة إضافية إذا أصبحت كمية الحيوانات المنوية أقل من 40 مليوناً في الميليمتر.

تكشف الأبحاث أن عدد الحيوانات المنوية انخفض إلى 47 مليوناً في الميليمتر بعدما كان 99 مليوناً، لا سيما في البلدان الغربية.

تعليقاً على الموضوع، يقول الدكتور حسين أحمد من المملكة المتحدة (لم يشارك في البحث الجديد): «تتعدد العوامل التي تؤثر على عدد الحيوانات المنوية، منها تعاطي المخدرات أو أخذ بعض الأدوية، ومعاقرة الكحول، والتدخين، والضغط النفسي، وقلة الحركة الجسدية. بشكل عام، بات العالم يتكل على الأدوية أكثر من أي وقت مضى. تعود هذه النزعة المستجدة في معظمها إلى التقدم الصحي على مستوى تشخيص الأمراض ومعالجتها، بالإضافة إلى زيادة الضغط النفسي والأعباء المرتبطة بأسلوب الحياة المعاصر. عند جمع هذين العاملَين، يزيد عدد المصابين بالضغط النفسي، فيتلقون الأدوية لمعالجة حالتهم. نظرياً، تؤدي الإصابة بدرجة من الضغط النفسي الذي يتطلب علاجاً طبياً معيّناً إلى مضاعفة احتمال أن يواجه الرجال مشاكل على مستوى الخصوبة».

تكثر القطاعات والمنتجات الاستهلاكية التي تستعمل مواد بولي وبيرفلوروألكيل. تُعتبر هذه العناصر الكيماوية «أبدية»، وقد بدأ الخبراء يتخلون عنها تدريجاً بسبب ارتباطها الشديد بعدد من الآثار الصحية، بما في ذلك تدهور نوعية الحيوانات المنوية. لكن تقبع هذه العناصر الكيماوية في البيئة وداخل أجسام البشر. تذكر مراجعة من العام 2022 أنها تتراكم بمستويات قابلة للرصد في أنحاء الجسم وداخل سوائل جسدية مثل السائل المنوي.

تعاون الباحثون لإجراء هذه الدراسة الواسعة والمستعرضة حول استخدام الهواتف الخلوية ونوعية الحيوانات المنوية. استمر جمع البيانات عن آلاف الرجال في سويسرا لأكثر من عشر سنوات.

يبقى الاتكال على بيانات تستند إلى كلام المشاركين عائقاً يحول دون التأكيد على الاستنتاجات النهائية. لتجاوز هذا العائق في الأبحاث المستقبلية، أطلق الباحثون دراسة أخرى حيث يُنزّل المشاركون تطبيقاً على هواتفهم الذكية.

إقتصرت هذه الدراسة على رجال تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عاماً. لكن لم يستكشف أحد بعد آثار المجالات الكهرومغناطيسية للترددات الراديوية التي تبثها الهواتف الخلوية لدى الرجال الأكبر سناً.

يوضح الدكتور نيل بولفين المتخصص بالطب التجديدي في نيويورك (لم يشارك في البحث الجديد): «النتائج ليست جازمة بالكامل. لكن بما أن الرابط كان ضعيفاً في العام 2023 مقارنةً بما كان عليه بين العامين 2005 و2007، من المتوقع أن يتراجع أثر استخدام الهواتف الخلوية على الخصوبة لدى الرجال الأصغر سناً مقابل زيادة أثره لدى كبار السن، لأن الفئة الثانية من الرجال كانت أكثر ميلاً إلى استعمال الهواتف الخلوية بين 2005 و2007».

يقول طبيب المسالك البولية، جاستن هيومان، إن الرجال الأكبر سناً قد يكونون الأكثر عرضة للمخاطر لأنهم يتعرضون لأشعة الهواتف الخلوية لفترة أطول ويتأثرون بتراكمات العوامل البيئية وعادات أسلوب الحياة المعاصر.

يضيف هيومان: «لا تزال الآلية الدقيقة التي تفسّر هذا الأثر محط جدل، لكن يؤكد هذا الرابط على ضرورة استخدام الهواتف بحذر، لا سيما عند استعمال أقدم نماذج الهواتف كونها تبث انبعاثات إضافية».

يوضح الباحثون: «نظراً إلى غياب أي أدلة واضحة على وجود رابط سلبي بين استخدام الهواتف الخلوية وخصوبة الرجال، فضلاً عن زيادة استخدام تلك الهواتف بوتيرة هائلة في العقد الماضي، تتضح الحاجة إلى إجراء أبحاث إضافية عن هذا الموضوع. كذلك، ثمة حاجة إلى إجراء دراسات قائمة على المراقبة مستقبلاً لتقييم آثار التعرّض للمجالات الكهرومغناطيسية للترددات الراديوية على مستوى الخصيتين ومحور الغدد النخامية والكظرية والتناسلية، ما يسمح لنا بتحليل الرابط بين استخدام الهاتف الخلوي، والتعرض للمجالات الكهرومغناطيسية للترددات الراديوية، ونوعية الحيوانات المنوية، وتحسين طريقة فهمنا لآلية عمل تلك المجالات وتأثيرها على الجهاز التناسلي لدى الرجال».

قد تكون الدراسة السويسرية مثيرة للاهتمام وقد تطلق أبحاثاً أخرى، لكن تتأثر معدلات الضغط النفسي والخصوبة بعناصر عامة أخرى تستحق الاستكشاف. تتعدد العوامل التي تنعكس على الضغط النفسي ومعدلات الخصوبة، منها العوامل الاقتصادية، وأخبار العالم السلبية، وضغوط مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعني أن عدداً متزايداً من الأفراد يتعامل مع ضغط نفسي متفاقم يتطلب علاجاً طبياً. يتساءل بعض الخبراء أيضاً عن احتمال أن يؤثر استخدام الهاتف الخلوي بحد ذاته على خصوبة الرجال.

في النهاية، يستنتج بولفين: «لا يمكن التوصل إلى أي استنتاج نهائي حول هذه المسألة لأننا نعيش اليوم في عالمٍ يفرض علينا استعمال الهواتف الخلوية بشكلٍ متكرر. لكن يصعب استخلاص استنتاجات جازمة من هذه الدراسة، نظراً إلى تعدد العوامل التي تؤثر على الخصوبة. تشير هذه الدراسة إلى تأثير تلك العوامل على عدد الحيوانات المنوية فعلاً، لكنها لم ترصد أي رابط مع عوامل كثيرة أخرى».


MISS 3