مصطفى علوش

عن إسرائيل شاحاك ووطأة التاريخ اليهودي على إسرائيل

30 تشرين الثاني 2023

02 : 00

«إذا الإنسان كفّ الشرّ عني

فسقياً في الحياة له وَرَعيا

ويدرس إن أراد كتاب موسى

ويضمرُ إن أحبَّ ولاء شعيا»

(أبو العلاء المعري)

إسرائيل شاحاك هو إسرائيلي بولندي ولد في وارسو، وهو من الناجين من الهولوكوست ومن غيتو وارسو بالذات. يحمل دكتوراه بالكيمياء العضوية وعمل محاضراً في المادة في الجامعة العبرية في القدس، وهو رئيس سابق لإحدى الجمعيات الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان والحقوق المدنية. عرف عنه نقده الصريح للحكومة الإسرائيلية وللمجتمع الإسرائيلي على وجه العموم. كما أنّ كتاباته حول اليهودية أثارت الكثير من الجدل، وقد وصفه البعض بمعاداته للسامية على إثرها.

حتى وفاته في 2 تموز 2001، في القدس، إنصب شاحاك على ترجمة مقتطفات من الصحف الإسرائيلية العبرية إلى الإنكليزية وتعميم هذه الترجمات في الولايات المتحدة وأوروبا، قناعة منه بضرورة إطلاع الرأي العام الغربي والنخب الثقافية والسياسية على طبيعة الصهيونية، فكراً وممارسة. وفي بدايات هذه المرحلة، استعان ببعض طلابه العرب لترجمة بعض المختارات من المصادر الصهيونية إلى العربية. عمل باستمرار على تنفيذ مشروعه بتعرية حقيقة الصهيونية والفكر الإستعماري والديني الذي يدفعها. توفي شاحاك مخلفاً ارتياحاً واسعاً في أوساط الصهاينة والساسة في إسرائيل. مع ذلك، فإنّ كتبه، بالرغم من توفرها باللغة العربية، نادراً ما تم تداولها بين العرب. على كل الأحوال، ليست القراءة من عاداتنا الشائعة.

قارن شاحاك بين تجربته الشخصية وهو طفل تحت الحكم النازي بأوضاع الفلسطينيين تحت الاحتلال، واستنتج أنّ الصهيونية تتصرف بطريقة تشبه النازية. ومن ثم كان من مؤسسي العصبة الإسرائيلية لمواجهة العنف الديني، لكنّه تركها بعد حرب حزيران 1967 لأنّ أعضاءها رفضوا تعميم مبادئهم على الفلسطينيين تحت الاحتلال. أسس بعدها العصبة الإسرائيلية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكانت تضم فلسطينيين ويهوداً، للمطالبة بحقوق متساوية لسكان فلسطين. هذا ما دعا المستوطنين في الخليل إلى المطالبة بشنقه لخيانته اليهود. لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في مسعاه فقام بإنتاج وإخراج شريط سينمائي باللغة الإنكليزية يبيّن فيه الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق غير اليهود ومن ضمنها التعذيب الجماعي في الضفة الغربية بمختلف أشكالها، ظناً منه بأنّ هذا الأمر قد يؤدي الى توعية المواطنين الأميركيين بخصوص دعمهم لدولة تمارس العنصرية العنيفة. وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 كتب شاحاك عدة تقارير تصف الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين في لبنان.

من بعدها بدأ بمشروع أكثر جذرية بالبحث الأكاديمي عن أصول العنصرية اليهودية كديانة، ومن ثم واقع الصهيونية كعقيدة سياسية تستخدم الدين لتحقيق أهدافها في السيطرة والقهر. أكد في بحثه أنّ الصهيونية هي منظومة مبنية على الفصل العنصري والعدائية العنصرية كعقيدة سياسية. رأى شاحاك أنّ الصهيونية هي الوجهة التطبيقية العملية لمعاداة السامية لكونها تعزل نفسها عن باقي البشر كما أراد الأوروبيون فعله معهم في الغيتو. لكن شاحاك عاد وشدد على أنّ الضحايا الحقيقيين للصهيونية هم السكان العرب الذين تمت محاولة محوهم بالكامل في سبيل عزل اليهود عن الآخرين.

من ثم لم يوفر حتى العقائد اليهودية بمختلف مصادرها ليشدد على أنّ الدين اليهودي المستند إلى التوراة العبرية والتلمود والميشنا، إضافة إلى الاجتهادات الصوفية العديدة، يعتبر البشر بشكل عام «غويم»، إلا إذا ولد أحدهم من أم يهودية. أما الغويم فألطف تفسير له هو البشر من غير اليهود، أي من جنس آخر وطينة أخرى غير التي جُبل منها اليهود. لكن هذا التصنيف يذهب إلى اعتبار أنّ الغويم ليسوا من البشر أساساً، بل هم بمستوى الحيوانات بالمقارنة مع اليهود. لكن الإشكال هو أنّه بما أنّ الغويم هم ليسوا من البشر، فيصبح حلالاً لليهود استعمالهم لخدمتهم، جسدياً ومعنوياً. فيحل قتلهم أو استعبادهم، وكل ذلك بناءً على فتاوى دينية. لكن، بالطبع، فإنّ هذا الأمر لا ينسحب على كل اليهود ولا على كل رجال دينهم، لكن الرأي العنصري المتطرف هو السائد اليوم، وهو ما يقود ويدير السياسات الصهيونية في فلسطين. بالطبع فإنّ ذلك قد فهمه شاحاك، وكتب سبعة كتب عن الأصولية اليهودية وعن وطأة التاريخ اليهودي على مجتمعهم وتفكيرهم بالعلاقة مع الآخر.

وفهم شاحاك أيضاً بأنّ المجتمع الغربي بشكل عام واقع تحت وطأة الفكر المسيحي الصهيوني من جهة وفكرة التعويض لليهود عن العنصرية الغربية بحقهم. لكن البعض أيضاً واقع تحت بروبغندا أنّ إسرائيل دولة ديموقراطية مزروعة في المشرق العربي الذي تحميه ديكتاتوريات متخلفة. وامتزج كل ذلك مع الإسلاموفوبيا المنبثقة من مظاهر التطرف العنيف الإسلامي الذي انطلق بشكل فاقع منذ عملية برجيْ نيويورك، وما تبعه من داعشيات وطالبانيات على مدى العقدين الماضيين.

لم يعش شاحاك ليرى كل ذلك، لكنه يبقى مصدراً موضوعياً وأكاديمياً علمياً لفهم حقيقة الفكر العنصري الذي يسيطر على إسرائيل وحكامها اليوم. حبذا لو يقرأه بعضنا لنفهم ما نحن بصدده.


MISS 3