رمال جوني

سوق بنت جبيل التراثية تستعيد نشاطها: "بروفة الهدنة"

1 كانون الأول 2023

02 : 01

عادت سوق بنت جبيل الأسبوعية. لم تمنع طائرة التجسّس MK التجّار من بسط بضائعهم داخل مساحة السوق التراثية القديمة في المدينة، تحدّوا الأوضاع الأمنية، فالظروف المعيشية لا تسمح بمزيد من الإقفال.

يعتبر التجار أو الباعة المتجوّلون، ممن ينقلون بضاعتهم من سوق شعبية إلى أخرى في القرى، أنّ خطوتهم «مغامرة»، ومع ذلك قرّروا المضيّ فيها قُدماً، على قاعدة «ما حدا مات ناقص عمر».

حركة لا بأس بها شهدتها السوق التي أقفلت قرابة شهرين بسبب الحرب، فالناس خرجوا لشراء الضروريات على ما يقول «سعد»، أحد باعة سوق بنت جبيل، يصف الحال «بالصعبة»، ويعتبر أنّ «إقفال السوق الشعبية جريمة في حقّ التجار، فنحن نعتمد على هذه الأسواق في حياتنا».

يتنقّل سعد بين سوق بنت جبيل والطيبة والنبطية والعباسية ومعظم الأسواق الشعبية في الجنوب، هذا عمله منذ كان في السادسة عشرة من عمره، حين كان يتجوّل في الأسواق مع والده، يعتبر أنّ سوق بنت جبيل هي الأشهر والأكثر تراثاً، ومقصد سكان كل قرى بنت جبيل تقريباً، وتمتاز بأسعارها الشعبية، التي رغم الغلاء «بقيت شعبية»، على حد قوله.

تتنوّع البضائع في السوق بين الألبسة والخضار والمواد الغذائية والأدوات المنزلية، وفي العادة تكتظ بالوافدين، «بالطبع الحركة ما زالت محدودة»، يقول البائع يوسف «كثيرون من أبناء القرى ما زالوا في قرى النزوح، والهدنة لم تقنعهم»، ويشير إلى أنه التقى كثراً من أبناء بنت جبيل في سوق النبطية.

منذ الثالثة فجراً حضر «يوسف» إلى السوق بصحبة بضاعته، لا ينكر أنّ «الخوف كان حاضراً، خصوصاً أنّ طائرة MK لم تفارق الأجواء، يقول»لم أجد أحداً حتى اللحّامة ممّن يفترض أن يفتحوا باكرا تأخّروا، ومع ذلك عدنا إلى السوق، لأننا نعتمد عليها في حياتنا، ومن دونها كيف نؤمّن مصاريفنا؟».

عكست عودة سوق بنت جبيل الشعبية وقبلها سوق الطيبة ارتياحاً لدى الأهالي ممّن ظلوا في المدينة، استبشروا خيراً بأنّ الأمور تتّجه نحو التعافي، ولو ببطء.

أمام بسطته لبيع العسل والخرّوب وغيرها يقف أبو محمد شرارة، يشعل سيجارته ويتأمل حركة المارّة، ويقول: «بداية مقبولة، ولو لم نشهد حركة بيع، فالناس يعانون أزمة اقتصادية حقيقية، الله يعينهم»، ويردف «نأمل أن تنتهي الحرب، ونعود إلى حياتنا الطبيعية».

لم يحل النهار دون سماع أصوات القذائف، ومن بينها صوت صاروخ «باتريوت» في راميا، وسمع صدى صوته داخل سوق بنت جبيل، ومع ذلك لم يتأثر أحد، وعلى ما أشار أحد المواطنين «اعتدناها ولن نخاف ولن ننزح، ونحاول أن نواصل حياتنا كالمعتاد».

بدت السوق وكأنها بروفة في فترة الهدنة، التي يراها الباعة «فسحة أمل»، ولو خجولة، ويتفاءلون بعودة الروح من جديد.

لا يخفي مختار بنت جبيل محمد عسيلي فرحته بعودة السوق إلى واقعها، لأنها تعزز صمود الأهالي، و»هي رسالة للعدو الإسرائيلي أنّ الناس حاضرون وبزخم أكبر». ويشير إلى أنّ للسوق «رمزيتها التراثية والتاريخية في المنطقة، وفي العادة تشهد اكتظاظاً وزحمة كبيرين تحديداً في فترة الصيف مع عودة المغتربين وارتفاع أعداد المصطافين»، لكنه يؤكد أنّ «حركة السوق اليوم ولو كانت عادية، تشكّل خطوة من أجل تحريك العجلة الاقتصادية وتعزيز التنمية الاقتصادية أيضاً، ما يدفع النازحين للعودة إلى قراهم».

ما لا شكّ فيه أنّ الحياة تعود إلى بعض القرى ولو بشكل محدود، والرهان اليوم على ما بعد انتهاء الهدنة. فهل ندخل في جولة حرب جديدة أم أنها انتهت؟.


MISS 3