خالد أبو شقرا

السلطة تهمّش القطاع المصرفي... تتخطى لجنة التقصي وتفرض "خسائرها"

أرقام الخراب لن تمّر في مجلس النواب

10 حزيران 2020

02 : 00

ضرب المصارف سيقضي على فرص تمويل الأعمال والاقتصاد في المستقبل (رمزي الحاج)
لا ينافس تعدد سعر صرف الدولار، إلا أرقام الخسائر المحققة. فبدلاً من أن يكون الرقم قاطعاً، تحوّل إلى وجهة نظر. للحكومة أرقامها المستندة إلى خطة "لازارد"، وللمركزي وجمعية المصارف مقاربتهما الخاصة، وللجنة التقصي وتوحيد الأرقام النيابية أرقام مختلفة عن الاثنين. لهم اختلافهم على الأرقام ولنا من بعده خراب الاقتصاد.




خيّرهم صندوق النقد الدولي بالارقام التي سيعتمدونها لتحديد وتوزيع الخسائر، فحيّرهم. إنما هذه الحيرة ليست نتيجة قصر الحيلة، بل هي نتاج معرفة عميقة بانه على كيفية تحديد هذه الارقام وتوزيعها سيبنى شكل لبنان في المستقبل ونظامه الاقتصادي.

الأرقام المفروضة

الحكومة نجحت في الاجتماع المالي الأخير في بعبدا في فرض أرقامها، وانكفأ الحاكم، تاركاً إياهم يتحمّلون المسؤولية. أما النتيجة النهائية فكانت احتساب الخسائر بـ 241 ألف مليار ليرة موزعة على الشكل التالي: 177 الف مليار ليرة على مصرف لبنان، و64 ألف مليار على المصارف التجارية. على ان يحتسب سعر صرف الدولار بـ 3500 ليرة. وهنا "جوهر الموضوع"، يقول المستشار الاقتصادي روجيه ملكي. "فوجهة نظر المصارف تقوم على ان الدين يجب ان يحتسب على سعر 1500 ليرة وليس 3500 ليرة، ذلك ان سعر الصرف المنخفض يصب في مصلحة المديون ويؤذي الدائن".

الحل الوسطي ممنوع

القرار باعتماد أرقام الحكومة اتخذ قبل الاطلاع على النتائج النهائية التي توصلت اليها لجنة التقصي وتوحيد الارقام النيابية "التي تقوم بعمل جيد"، بحسب رئيس فريق الابحاث الاقتصادي في بنك بيبلوس نسيب غبريل. "اللجنة" ونتيجة اعتماد خيارات جديدة ومقاربات مختلفة، كانت قد توصلت إلى امكانية تخفيض الكلفة من 241 الف مليار ليرة الى 81 الف مليار وذلك بالاستناد الى المعطيات التالية:

- احتساب الديون المتعثرة على القطاع الخاص بـ 14 الف مليار ليرة بدلاً من 42 الف مليار.

- عدم اجراء Haircut على سندات الخزينة بالعملة الوطنية سيوفر نحو 60 الف مليار ليرة.

- احتساب الدين على مصرف لبنان بـ 38 الف مليار ليرة بدلاً من 66 الف مليار.

وبرأي غبريل فان ما سرب من اجتماع بعبدا قبل يومين يشير إلى انه "تم فرض خطة الحكومة ونقطة على السطر". وذلك من دون انتظار نتيجة ما توصلت اليه لجنة تقصي الارقام، ولا الاخذ بعين الاعتبار مساهمة المصارف بخطة التعافي. الامر الذي سيؤدي الى تحميل الكلفة الى المودعين والمصارف، ويقضي على الفرص المستقبلية لمساهمة القطاع المصرفي بالانتعاش الاقتصادي والمساهمة بالنمو. "فكيف لقطاع تضرب رساميله ان يستمر في الحياة؟"، يسأل غبريل متعجباً.

محاسبة النواب

عضو لجنة التقصي النائب نقولا نحاس اعتبر ان دور اللجنة ليس تقريرياً بل استشارياً. وهي ان كانت لا تستطيع فرض ارقامها او وجهة نظرها على الحكومة فتستطيع محاسبتها عندما تصل الخطة الى المجلس النيابي وذلك "انطلاقاً من رؤيتنا ومقاربتنا والتوصل مع ممثلي الحكومة والمصارف إلى أرقام وسطية منطقية". وبرأيه فان "ما لمسناه في المجلس النيابي هو رفض للمقاربات المعتمدة من قبل السلطة التنفيذية".الاصلاح هو المدخل

"مرْتا، مَرْتا، إِنكِ تهْتمِّينَ بِأمُورٍ كثيرة، وَتَضْطَرِبِين! إِنَّما المطلوبُ واحِد"! يقولها رئيس تجمع رجال الاعمال اللبنانيين فؤاد رحمة ليشير إلى ان "الحكومة تُلهينا بالارقام لتجنب الدخول بالاصلاحات بشكل مباشر". فالمشكلة بحسب رحمة "لا يحلها إلا أمر واحد وهو الاصلاح". فمصادر الحصول على السيولة محدودة جداً، وهي تنحصر بين المواطنين، أي المودعين والمساهمين والمغتربين والمستثمرين، الذين لن يضخوا قرشاً قبل بدء الاصلاحات وعودة الثقة بالدولة والاقتصاد، والدائنين الذين يتمثلون اليوم بـ صندوق النقد الدولي والجهات المانحة والذين بدورهم لن يقدموا أي قرض قبل البدء بعملية الاصلاح، وخصوصاً في حدود، التعيينات والكهرباء". رحمة الذي يصر على ان المشكل في البلد سياسي وليس تقنياً اعتبر ان "معالجة الكهرباء عبر تعيين الهيئة الناظمة ومجلس ادارة الكهرباء، والانتقال الى الانتاج على الغاز، ومعالجة تضخم القطاع العام والاتفاق مع المصارف على اعادة هيكلة الديون، بتطويل الآجال وتخفيض الفائدة كلها أمور توفر علينا سنوياً أكثر من 8 مليارات دولار. وهو رقم اكثر من كاف لاستعاد النمو والمحافظة على القطاع المصرفي والانطلاق بورشة الانماء.

أمام هذا الواقع لا بد من طرح اسئلة بديهية: لماذا لم تبدأ بعد عملية الاصلاح؟ ولماذا تتشبث الحكومة بأرقامها مع علمها المسبق بامكانية اسقاطها في مجلس النواب؟ ولماذا لم تأخذ بأرقام المركزي وجمعية المصارف التي تعتبر مدخلاً للمحافظة على القطاع المصرفي وتأمين التمويل المستقبلي للاقتصاد؟

"من دون ان نحمّل ذمتنا فان الجواب هو للمماطلة وعدم النية بالدخول في برنامج مع صنوق النقد الدولي" يقول أحد المتابعين عن كثب لمسار المفاوضات.


MISS 3