أنييس روتيفل

فاريبا عادلخاه: هل سأعرف يوماً السبب الحقيقي وراء اعتقالي؟

5 كانون الأول 2023

المصدر: la croix

02 : 00

إعتُقِلت الباحثة الفرنسية الإيرانية فاريبا عادلخاه في إيران، بين حزيران 2019 وشباط 2023، حين كانت تقوم بأبحاث أنثروبولوجية في بلدها الأم. تروي في هذه المقابلة تجربتها في السجن وتتطرق إلى أسئلتها التي لا تزال عالقة حول أسباب اعتقالها.



كنتِ تقومين بأبحاث في مدينة «قم» الدينية الإيرانية بصفتك عالِمة أنثروبولوجيا عند اعتقالك في 5 حزيران 2019. حُكِم عليك بالسجن لمدة عشر سنوات قبل تخفيض الحُكم لاحقاً إلى خمس سنوات، ثم صدر عفو بحقك في شباط 2023 لكنك لم تعودي إلى فرنسا قبل 18 تشرين الأول الماضي. لماذا؟

صدر العفو في شباط 2023 بمناسبة ذكرى الثورة، لكن لم تتم تبرئتي للأسف كما كنت أتمنى... بعد إطلاق سراحي، بقيتُ في طهران لأنني كنتُ آمل أن أسترجع ما استولى عليه من اعتقلوني والأغراض التي تركتُها في شقتي في مدينة «قم»، حيث عشتُ طوال سنة. أجريتُ هناك آخر أبحاثي الأنثروبولوجية حول دور الشيعة الأفغان في مسيرة الإمام الخميني. هكذا أصبحتُ أشبه بطالبة دينية. حصل ذلك قبل اعتقالي مباشرةً.

هل كان اعتقالك على صلة بمواضيع أبحاثك؟

هل سأعرف يوماً السبب الحقيقي وراء اعتقالي؟ لا أدري. لكنهم استجوبوني أيضاً حول الأبحاث التي أجريتُها في عمق المجتمع الأفغاني.

ما الفرق بين العفو عنك وتبرئتك من التُهَم؟

كانت تبرئتي لتعني أنهم ارتكبوا خطأً وأنني لم أرتكب ما اتهموني به. أما العفو عني، فهو يعني بكل بساطة أنني تحررتُ بقرار من السلطات، ما يعني أني أملك سجلاً جنائياً حتى الآن.

هل شعرتِ بأنك معرّضة للخطر بعد اعتقالك؟

أحمل ذكريات مختلطة عن تلك المرحلة، لكني أتذكر أنني وقفتُ أمام جدار وأنا معصوبة العينين وكنت مضطرة للرد على الأسئلة. راحوا يكررون عبارة «أسرعي بالإجابة». كان الوضع بغيضاً لأنني لم أفهم سبب ما يحصل. ثم وصل شخص آخر... قد يكون المدعي العام. هو لم يعتبر أجوبتي مُرضِية. ثم اصطحبوني إلى مكان آخر. رأيتُ ثلاثة شبّان مرحين وهم يستمتعون بوقتهم على حاسوبي. أظن أن تلك اللحظة كانت الأصعب. كانوا ينتهكون خصوصية حياتي وأبحاثي. فهمتُ حينها أنني خسرتُ جميع الجوانب الخاصة من حياتي.

هل شعرتِ بالإحباط في أي لحظة؟

أصعب ما في الأمر هو ألا أفهم ما يحصل. لم أكن قلقة من أي شيء آخر لأنني كنتُ أؤمن في داخلي ببراءتي وصدقي. كل ما فعلتُه هو إجراء الأبحاث. لم أشأ أن أصدّق أن الجمهورية الإسلامية لا تشمل إلا أشخاصاً مثل الذين اعتقلوني. كنت أتوقع أن يحضر مسؤول في لحظة معيّنة ويقول: «كنا مخطئين». ما زلتُ ساذجة الآن مثل أول يوم من اعتقالي. أتمنى أن أقول بأعلى الصوت يوماً إنني كنت أقوم بأبحاثي بكل بساطة.

أنتِ فرنسية إيرانية ومقيمة في فرنسا، لكنك تترددين كثيراً على إيران لإجراء أبحاثك. هل غيّر اعتقالك نظرتك إلى هويتك الحقيقية؟

أنا لستُ فرنسية بمعنى الكلمة لأني لا أعرف الكثير عن هذا البلد. لكني باريسية وستراسبورغية أيضاً، فقد تلقّيتُ أول جزء من دراستي هناك. أنا بنيتُ حياتي في فرنسا بنفسي، وهي أغلى ما أملك. كنتُ أتمنى أن تتم تبرئتي في إيران كي أشعر بحرية حقيقية كباحثة. لكني لا أشعر بذلك بعد صدور العفو بحقي. تبقى التُهَم ملتصقة بنا بعد اتهامنا. أنا أُعرّف عن نفسي عبر عملي. مهنتي هي التي أعطتني استقلاليتي، وجعلتني أنضج، وسمحت لي بالعمل مع زملاء لا يكفون عن إغنائي. لكن كما يحصل مع الباحثين الآخرين، لا مفر من أن تتداخل حياتي المهنية مع حياتي الخاصة. أصبح زملائي جزءاً من عائلتي. لقد اعتقلوني بسبب الحرية العلمية. صمدتُ رغم كل شيء بفضل الدعم الذي حظيتُ به في فرنسا طوال أربع سنوات من الذين يعتبرونني «سجينة العلم». طالبتُ برؤية ملفي المؤلف من 800 صفحة لأن هذا الأمر من حقي، لكنهم لم يعطوني إياه. أخبرني محاميّ بأن ملفي فارغ. أريد أن أعرف إذاً سبب حرماني من مهنتي وأصدقائي طوال أربع سنوات ونصف.

نُقِلتِ لاحقاً إلى قسم النساء في السجن.

نُقِلتُ إلى هناك في بداية كانون الثاني، بعدما حوّلوا التهمة الموجّهة ضدي من «تجسس» إلى «تواطؤ مع العدو». هذا التغيير سمح بإصدار قرار العفو بحقي لأن الجاسوس لا يمكن العفو عنه لأي سبب.

كيف كانت حياتك مع زميلاتك في الزنزانة خلال فترة اعتقالك؟

تفرض أقدم السجينات قواعد الحياة المشتركة هناك (فترات الصمت، ساعات الاستيقاظ، أوقات تحضير الطعام، موعد إطفاء الأضواء...). غالباً ما تنتمي أولئك النساء إلى منظمة «مجاهدي خلق» الإيرانية. يمكن اعتبار مجتمع السجينات عيّنة مصغّرة عن إيران بجميع شوائبها، ومخاوفها، ولحظات فرحها، وأزماتها اليومية، وانقساماتها الإيديولوجية أيضاً.

جرت انتخابات في السجن وانتخبوك ممثلة عن السجينات...

إنتخبوني كممثلة للمهجع لدى طاقم السجن ومدرائه. حصل ذلك قبل ثلاثة أشهر من إطلاق سراحي. يقضي دورنا بحل الخلافات، والتفاوض بشأن قواعد الحياة المشتركة، ونقل مطالب السجينات إلى الخارج. لإطالة مدة المكالمات الهاتفية مثلاً، احتجنا إلى خوض مفاوضات طويلة. تُعيّن ممثلة السجينات أيضاً المسؤولة عن المطبخ وتُحدد ساعات استعمال الغسالة والذهاب إلى المكتبة...

هل تواجدت أي شخصيات سياسية أخرى معك في السجن؟

كانت فايزه هاشمي رفسنجاني مسجونة هناك منذ عشر سنوات. أُطلِق سراحها قبل إعادتها إلى السجن مجدداً. إنها امرأة حيوية وصاخبة جداً. كانت تجلب لنا كل ما ينقصنا. هي التي أمّنت أثقال دمبل في صالة الرياضة، وهي من نظّمت مسابقة كرة الطاولة عبر إثارة حماسة الجميع وخلق لحظات سعيدة ومليئة بالضحك والدموع. في أحد الأيام، حضّرت لنا طبق الفسنجون الإيراني المصنوع من دجاج، وشراب الرمان، والجوز، لكنها أضافت إليه الفستق (عائلة رفسنجاني جمعت ثروتها من تجارة الفستق). رفضت بعض السجينات الحضور إلى المائدة لأنهن لم يرغبن في تناول طبق من صنع واحدة من أفراد عائلة رفسنجاني! يحق لهنّ فعل ذلك. كان السجن نسخة مصغّرة من إيران فعلاً.

عندما وُضعتِ تحت الإقامة الإجبارية طوال 14 شهراً حيث اضطررتِ لارتداء سوار إلكتروني، أصبحتِ أكثر حرية لكنك غرقتِ في الوحدة خلال هذه الفترة. لماذا؟

كنتُ موجودة في منزلي، لكنّ أحداً لا يستطيع زيارتي. كنتُ مضطرة لانتظار الشخص الذي يجعلني أوقّع على وثيقة تؤكد حضوري يومياً. لم أكن أستطيع الخروج إلا في إطار 300 متر حول المنزل، ما يعني أن أمرّ من أمام مقهى وسوق ومعهد للموسيقى. كان أستاذان يحضران لإعطائي الدروس في موقف السيارات لأنني أعجز عن استقبالهما في منزلي: الأول أستاذ غناء، والثاني يعلّم العزف على آلة السهتار. كنتُ أستطيع استعمال الإنترنت والهاتف، لكني كنت أفتقر إلى الحياة الاجتماعية. أردتُ أن يكلّمني الناس! غرقتُ في وحدة شديدة. كان ذلك الوضع أصعب من التواجد في السجن حيث كنتُ محاطة بالناس وحيث تتحول الخلافات بحد ذاتها إلى أداة لتقوية علاقاتنا. ثم عدتُ إلى السجن بسبب «انتهاكي لقواعد المراقبة القضائية»، وهي تهمة خاطئة بالكامل. لكني تمكنتُ من الاجتماع برفيقاتي على الأقل.

كيف سمعتِ عن حركة الاحتجاج على ارتداء الحجاب؟

سمعنا بموت مهسا أميني في أيلول 2022 بفضل المكالمات الهاتفية ومعلومات من أفراد عائلاتنا. لكننا كنا نشاهد أيضاً أخبار التلفزيون الحكومي ونحاول استخلاص الاستنتاجات مما نسمعه، علماً أن الرقابة مفروضة على ما يُعرَض على التلفزيون. رحنا نهتف بعبارة «المرأة، الحياة، الحرية» في باحة السجن مراراً. كان احتمال تعرّضنا للضرب بالعصي ممكناً، لكننا تابعنا الهتاف رغم كل شيء.

عند عودتك إلى فرنسا ومقابلة زملائك في معهد الدراسات السياسية في باريس، رحتِ تنشدين أغنية لافتة. ما كان معناها؟

كنت أردد أغنية «نافذتَين» التي اعتدتُ على تكرارها أمام صبا كورد أفشاري، أصغر المعتقلات معي. عندما كنتُ في الاحتجاز المؤقت، كانت متواجدة في الزنزانة المقابلة لي. كانت تبلغ 19 عاماً عند وصولها، وقد حُكِم عليها بالسجن لخمس سنوات لأنها لم تكن ترتدي الحجاب. كانت تبكي في معظم الأوقات وتطلب رؤية والدتها. تتكلم هذه الأغنية عن نافذتَين مندمجتَين في جدار واحد لكن تعجز الواحدة عن إمساك يد الأخرى إلى أن ينهار الجدار يوماً. كانت القصة تُعبّر عن وضعنا. سرعان ما أصبحتُ «مغنية» السجن. كلما حصلت حالة وفاة في عائلة واحدة من المعتقلات، كنا نجتمع ونردد آيات من القرآن، ثم أبدأ بالغناء.

رحتُ أنشد تلك الأغنية في باريس تكريماً لذكرى من تركتُهم وراء القضبان في إيران. يتعرض المفكرون للانتقادات لأنهم لا يحملون رأياً سياسياً واضحاً. لكني أريد استرجاع هذا الحق. تُمنَع النساء من الغناء في الأماكن العامة في إيران منذ 45 سنة. لا يمكن أن يُعبّر المفكرون عن معارضتهم إلا عن طريق الغناء.

هل تفكرين بالعودة إلى إيران مستقبلاً؟

أنا لم أضع حظراً نهائياً على إيران. فرنسا تمثّل استقلاليتي وأحلامي. أما إيران، فهي تربطني بأهلي وماضيّ، ولا يمكن أن تمنعني الجمهورية الإسلامية من العودة إلى هناك. لن أعطيها الحق بحرماني من بلدي الأم. أنا أتمتع بالحرية الأكاديمية التي تسمح لي بالذهاب إلى هناك للقيام بأبحاثي. خرجتُ من البلد بطريقة قانونية وأظن أنني أملك الحق بالعودة إليه.


MISS 3