آراش ريزينجاد

7 أسباب تمنع إيران من القتال إلى جانب "حماس"

6 كانون الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

اعتُبِرت الحرب في غزة منذ بدايتها انعكاساً محتملاً لصراع مباشر بين إيران وإسرائيل. يتابع «حزب الله» التهديد بفتح جبهة جديدة في الحرب، وقد رحّب المتشدّدون الإيرانيون بتدخّل بلدهم المباشر.

في الشهر الماضي، تطرّق وزير الخارجية الإيراني السابق، جواد ظريف، إلى رسالة كتبها مسؤولون متطرفون إلى المرشد الأعلى الإيراني، في محاولة منهم لإقناعه بالمشاركة في الصراع ضد إسرائيل إلى جانب «حماس».



يبدو احتمال اندلاع حرب إقليمية واسعة منخفضاً. رغم الشعارات التي يردّدها المتشدّدون الإيرانيون، يبقى واقع التفكير الاستراتيجي الإيراني أكثر تحفظاً. من المتوقع أن تتجنّب طهران خوض الحرب مع إسرائيل نيابةً عن «حماس» لسبعة أسباب على الأقل.

أولاً، لا تستطيع جمهورية إيران الإسلامية أن تكسب دعم المجتمع لشن حرب جديدة، كما فعلت خلال حربها مع العراق خلال الثمانينات. في تلك الفترة، سمحت تعبئة الموجات البشرية بوتيرة مكثفة وعوامل مؤثرة أخرى بمقاومة الجيش العراقي، وهي التي أجبرت بغداد على الانسحاب من الأراضي الإيرانية. لكن بعد مرور بضعة عقود، تراجع دعم المجتمع للنظام السياسي بدرجة كبيرة. غداة احتجاجات السنة الماضية والأزمة الاقتصادية التي تنجم جزئياً عن العقوبات الأميركية، توسّعت مشاعر الاستياء وسط فئة الشباب وأبناء الطبقة الوسطى في المدن.

ثانياً، بدأ المعسكر المعتدل في الحكومة الإيرانية يحذر من تدخّل إيران المباشر في الحرب منذ فترة. عملياً، أدّت الحرب في غزة إلى تعميق الانقسامات السياسية في طهران. وفق تقييم أجراه المتشدّدون الإيرانيون حول طبيعة التهديدات المطروحة، يرتبط تدمير «حماس» تلقائياً بانهيار «حزب الله» في المرحلة اللاحقة، وصولاً إلى شن هجوم عسكري ضد إيران في نهاية المطاف. لهذا السبب، يدعم هذا الفريق استهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا على يد عملاء إيران الشيعة. تتعارض هذه الرؤية بشدة مع وجهة نظر المسؤولين المعتدلين، وعلى رأسهم ظريف، فقد حذر هذا الأخير مراراً من العواقب المدمّرة لتورّط إيران المحتمل في أي حرب مع الولايات المتحدة. يظنّ ظريف أن أي موقف إيراني أكثر تشدّداً بشأن غزة قد يطلق صراعاً مميتاً مع الولايات المتحدة، وهو تطوّر سترحّب به إسرائيل. لا يزال ظريف يتمتع بتأثير قوي وسط النخب السياسية في الجمهورية الإسلامية، وحتى المجتمع الإيراني ككل، رغم تهميشه من حكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

ثالثاً، يبدو أن الفشل الإسرائيلي الواضح في منع هجوم «حماس» في 7 تشرين الأول لم يغيّر حسابات طهران الاستراتيجية تجاه إسرائيل. رغم اتكال الإسرائيليين على تقنيات الدفاع المتطورة تكنولوجياً، مثل نظام «القبة الحديدية» للدفاع الصاروخي، وجّهت «حماس» ضربة عسكرية واستخبارية موجعة ضدهم، ما أدى إلى انهيار سياسة الردع التي يطبّقها البلد. لكنّ هذا الوضع لا يغيّر رأي إيران بإسرائيل أو ديناميات السلطة في المنطقة. جاءت عملية «حماس» لتزعزع استراتيجية الردع الإسرائيلية القديمة والقوية، لكنها لا تمنح إيران أي فرصة لتحدّي إسرائيل عبر استعمال قوة الصواريخ. قد تفترض إيران أيضاً أن إسرائيل ستعتبر تجديد نظام ردعها أولوية وجودية تبرّر أخذ مجازفات عسكرية أو سياسية استثنائية.

رابعاً، لا تُعتبر «حماس»، ولا حتى «حزب الله»، جزءاً من عملاء إيران كما يظنّ الكثيرون، بل من الأدق اعتبارهما من حلفاء إيران خارج إطار الدول الرسمية. ما من علاقة بين طهران و»حماس» من أعلى المراتب إلى أدناها مستوى. وحتى لو تماشت تحركات «حماس» مع توجهات إيران، قد تختلف مقاربتهما. هذا ما حصل بكل وضوح خلال الحرب الأهلية السورية، حين دعمت «حماس» الثوار السُّنة ضد الأسد. ذكرت الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية أن كبار المسؤولين الإيرانيين ما كانوا على علم بعملية «حماس». وفي منتصف تشرين الثاني، زعمت وكالة «رويترز» أن المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، أخبر زعيم «حماس»، إسماعيل هنية، بأن الحكومة الإيرانية لن تشارك في الحرب إلى جانب الجماعة الفلسطينية لأنها لم تتلقَ أي تحذير حول الهجوم ضد إسرائيل.

خامساً، لم يعلن شركاء إيران الاستراتيجيون في موسكو وبكين دعمهم الكامل لحركة «حماس». سعت إيران إلى مطابقة مواقفها مع توجهات الصين وروسيا بموجب «سياسة التطلع إلى الشرق»، ولا شك في أنها ستتردّد في إفساد علاقاتها مع هذين البلدَين. يبدو أن طهران تطبّق في غزة سياسة مشابهة لتلك التي تبنّتها بعد مراقبة نهج الانتظار والترقب من جانب الصين وروسيا غداة استيلاء حركة «طالبان» على كابول منذ سنتين. تحاول إيران بهذه الطريقة أن تتجنب عزل نفسها بسبب أزمات دولية كبرى.

سادساً، ربما تأمل إيران في أن تقطع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل في حال اندلاع الحرب على نطاق أوسع، لكن يبقى هذا الاحتمال مستبعداً. لا يحمل الرأي العام العربي تأثيراً كبيراً على سياسات بلدانهم الخارجية.

أخيراً، يتعلق أهم عامل يؤثر على تردّد إيران الواضح في المشاركة في الحرب بوجهة نظر خامنئي من الصراعات الإقليمية. على عكس الفكرة السائدة في الغرب، يتعامل المرشد الأعلى الإيراني مع الصراعات الإقليمية بطريقة واقعية، لا إيديولوجية. بعدما كان خامنئي رئيس الجمهورية الإسلامية خلال الحرب المدمرة مع العراق، هو يدرك جيداً عواقب الحرب، لا سيما مع الولايات المتحدة. هذا الوعي دفع إيران إلى اختيار ردّ مدروس نسبياً بعدما أقدمت الولايات المتحدة على اغتيال الجنرال قاسم سليماني، رئيس «فيلق القدس» السابق في الحرس الثوري الإيراني. يتماشى هذا السلوك مع استراتيجيته العامة للتعامل مع الأزمات الإقليمية. قبل أكثر من عشرين سنة، حين قُتِل الدبلوماسيون الإيرانيون في شمال أفغانستان على يد أول إمارة أنشأتها «طالبان» وبدا الرأي العام في إيران أكثر دعماً لتنفيذ تدخّل واسع، ساهم خامنئي وحسن روحاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي في تلك الفترة، في منع تصعيد الوضع.

هذه الأسباب المترابطة السبعة تفسّر تردّد الجمهورية الإسلامية في توريط نفسها في الحرب لمساعدة «حماس». لكن قد تسرّع الحرب في غزة برنامج إيران النووي. تعتبر أصوات مؤثرة في إيران، لا سيما في معسكر المتشددين، أن أهم أداة يملكها البلد لمنع تدمير «حماس» تتوقف على قراره باكتساب قدرات نووية شاملة. يظنّ هؤلاء أن الورقة الرابحة التي تملكها إيران تكمن في تهديدها بتطوير أسلحة نووية وإثبات دعمها القوي لحلفائها، بما يشبه دعمها السابق نظام الأسد في سوريا. حصد هذا المنطق زخماً قوياً حين اعتبر وزير التراث الإسرائيلي المتطرف، عميحاي إلياهو، إسقاط «شكل من القنبلة الذرية» فوق قطاع غزة «خياراً وارداً لقتل الجميع هناك».

لكن لا تعني هذه المعطيات كلها أن إيران باتت مستعدة للتخلي عن «حماس» التي تُعتبر من أوراقها الاستراتيجية الرابحة في غزة. بدل الوقوف على الهامش، من المتوقع أن تتابع طهران فرض الضغوط على إسرائيل والولايات المتحدة في آن، عن طريق «حزب الله «وعملائها الشيعة في العراق وسوريا، لكن من دون تصعيد الصراع وتحويله إلى حرب إقليمية شاملة.


MISS 3