ألكسندر وولي

طموحات البحرية البريطانية تتوسّع رغم انحسار نطاقها

7 كانون الأول 2023

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

اسطول من البحرية الملكية البريطانية
ربما انحسرت قوة البحرية البريطانية، لكنّ طموحاتها لا تزال على حالها بعد حقبة «بريكست». تريد بريطانيا أن تكون لاعبة مؤثرة على الجانب الآخر من العالم إذا لم تُحقق هدفها في أوروبا، وهي تتكل بذلك على بعض حاملات الطائرات، وسفن الدوريات، ومجموعة من الفرقاطات والغواصات العاملة بالطاقة النووية (هجومية وبالستية). وحتى القوى العظمى الجديدة نسبياً يجب أن تعترف بأن حاملات الطائرات هي أساس بحرية المياه الزرقاء التي تستمد أهميتها من إمتيازاتها أو دورها الرمزي، ومن قدرتها على استعراض قوتها في مساحات شاسعة. في مرحلة معينة، هبّت البحرية الأميركية، التي كانت صغيرة وحديثة العهد، لمساعدة البحرية الملكية البريطانية، لكن انقلبت الأدوار اليوم.

ستمضي سفينة «برنس أوف ويلز» أكثر من ثلاثة أشهر على الساحل الشرقي للولايات المتحدة لاختبار 12 نوعاً من الطائرات، منها ثلاث طائرات مسيّرة. لكنّ نطاق وعمق العلاقة الخاصة بين هاتين القوتَين البحريتَين لا يحتاجان إلى أي اختبار. تحمل هذه العملية اسم «ويستلانت 23»، لكنها تبدو أقرب إلى فرصة تسمح لحلفاء محترفين بتمضية وقت مفيد حيث يتقاسمون التدريبات، والتبادلات، والتكنولوجيا. أصبح بعض الطيارين والمدرّبين الأميركيين مؤهلين لتنفيذ عمليات إنزال حاملات الطائرات نيابةً عن المملكة المتحدة. وعلى غير العادة، نُقِلت سفينة بريطانية إلى مدينة «نورفولك» الأميركية خلال هذه الفترة.

تنشط سفينة «برنس أوف ويلز» في المحيط الأطلسي راهناً، كما فعلت سفينتها الشقيقة سابقاً. لكن تتجه جميع الأنظار إلى مجموعة بعيدة ومختلفة من البحار. بدأت بريطانيا، التي تُعتبر بحد ذاتها حاملة طائرات ضخمة بعد حقبة «بريكست»، تتجه نحو آسيا بوتيرة تدريجية. ربما تأخرت بريطانيا في تطبيق هذه الاستراتيجية مقارنةً بغيرها، لكن استُعمِل مصطلح «منطقة المحيط الهندي والهادئ» في الأحاديث التي جمعت مختلف الأطراف المؤثرة، بدءاً من قائد حاملة الطائرات وصولاً إلى عناصر مبتدئة في السابعة عشرة من عمرها، ما يشير إلى تحوّل ملموس في السياسة الخارجية البريطانية، أو ما يُسمّى التوجه نحو محور آسيا وما يرافقه من قوة أميركية ضمنية هائلة من حيث التأثير والإقناع.

طوال سنوات، ابتعدت بريطانيا عن الآراء الأميركية الداعمة لاستعمال القوة، فأرادت بذلك أن تحافظ على تدفق ثابت للسياح وطالبي الجامعات والاستثمارات من الصين. منذ عشر سنوات تقريباً، أعلن رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، بدء «العصر الذهبي» في العلاقات الصينية البريطانية. لكن في العام 2022، ذكر رئيس الوزراء ريشي سوناك، في أول خطاب له عن السياسة الخارجية، أن ذلك العصر انتهى وأن بكين تطرح «تحديات منهجية على قيمنا ومصالحنا». تكمن الغرابة في استلام ديفيد كاميرون نفسه منصب وزير الخارجية الجديد في بريطانيا.

لم تصل بريطانيا بعد إلى المكانة التي بلغتها الولايات المتحدة للدفاع عن تايوان (مع أن البيت الأبيض في عهد جو بايدن لا يرقى إلى مستوى الموقف الأميركي في ملف تايوان أيضاً)، لكن بدأت المملكة المتحدة تواكب التطورات. جاءت «المراجعة البريطانية المتكاملة للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية» في العام 2021 لتسلّط الضوء على شراكات بريطانيا الاقتصادية، والدبلوماسية، والأمنية، وحضور البلد في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. يتعلق جزء من أهم الشراكات باتفاق الغواصات النووية المعروف باسم «أوكوس» بين المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وأستراليا، وبنشر بعض السفن السطحية في المنطقة. حتى اليوم، ينحصر الوجود البريطاني البحري في المنطقة ببعض سفن الدوريات التي ترفع علم البلد أكثر مما تستعرض القوة.

تتابع الحكومة البريطانية الترويج لتوجّهها نحو منطقة المحيط الهادئ وتُجدّد موقفها الأمني المبني على شعار «بريطانيا العالمية»، مع أن معظم الالتزامات الدفاعية لا تزال محدودة حتى الآن. في الشهر الماضي، أعلن البرلمان أن بريطانيا تحتاج إلى توسيع التزاماتها الدفاعية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ أو الانسحاب منها كلياً. لكنّ بريطانيا ليست وحدها في هذا الموقف.

تتعدد الأحداث التي سبقت هذه التطورات. في منتصف الثلاثينات، واجه المخططون في البحرية الأميركية مشكلة مستعصية في المحيط الهادئ. هددت اليابان، التي لم تعد ملزمة بقيود المعاهدة المرتبطة ببناء السفن، بتجاوز قدرة البحرية الأميركية على الدفاع عن مصالحها في الشرق الأقصى، إلا إذا تغيرت الموازين مجدداً في حال أُبرِمت اتفاقية غير رسمية مع بريطانيا لتقاسم الأعباء. اليوم، بدأت بكين تتفوق على البحرية الأميركية، وها هي تُهدد مجدداً بإخراجها من غرب المحيط الهادئ. نتيجةً لذلك، بدأت القوات البحرية الحليفة والصديقة توحّد صفوفها مثل الحقبات الغابرة بهدف التصدي للصين.

على متن سفينة «برنس أوف ويلز» مثلاً، خُصّص وقت طويل وأكثر من 200 عملية إنزال لدمج طائرة «ڤي-22 أوسبري» مع عمليات الطيران التي تقوم بها حاملة الطائرات البريطانية. رُصِدت هذه العمليات في أجزاء مختلفة من سطح السفينة. تمحورت التدريبات حول طيّ الأجنحة وإدخالها إلى حظيرة الطائرات في الأسفل، وكانت تهدف إلى استكشاف قدرة طاقم البحرية الملكية على الاحتفاظ بها. لم تكن دقة تلك التجارب مُعدّة للاستعراض الإعلامي، علماً أن البحرية الملكية لا تدير مجموعاتها الخاصة من طائرات «أوسبري».

تُعتبر سفينة «برنس أوف ويلز» واحدة من حاملتَي طائرات جديدتَين ذات سطح واسع يديرهما البريطانيون، إلى جانب سفينة «كوين إليزابيث» التي تبقى من أكبر سفن البحرية الملكية على الإطلاق وتستعملها المملكة المتحدة في المجموعات الهجومية من حاملات الطائرات. بنظر الأميركيين، لا تدخل هذه المركبات في خانة ناقلات الأساطيل، بما يشبه فئة «جيرالد ر. فورد» التي تكلّف مليارات الدولارات، بل إنها أقرب إلى السفن البرمائية ذات السطح الواسع. هي تشمل مصاعد للتزلج بدل المنصات الفاخرة. تكون طائرات «ف-35 بي» من النوع العمودي المتخصص بالإقلاع والهبوط، وليست من نوع طائرات «ف-35 سي» التقليدية التي بدأت تطغى على الأجنحة الجوية لحاملات الطائرات الأميركية. وتأكيداً على التشابه بين سفينة «برنس أوف ويلز» والسفن البرمائية الأميركية، يبدو أنها مزوّدة أيضاً بمعدات تسمح لها بإنزال مشاة البحرية الملكية أو قوات الجيش البريطاني على الشواطئ انطلاقاً من مروحياتها الخاصة التي تحمل الجنود.

لكن قد تستفيد البحرية الأميركية من جميع أنواع الأسطح البحرية وأرضيات الطيران في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ الشاسعة. أصبحت قوتها الناقلة مستنزفة وضعيفة بعد تأجيلات متكررة لتشغيل مجموعات «فورد»، إذ يبقى وصول السفن البرمائية الجديدة بطيئاً ومن المتوقع أن ينكمش الأسطول الأميركي العام قبل أن يبدأ بالنمو مجدداً.

في غضون ذلك، تستطيع الصين أن تتكل على ثلاث حاملات طائرات في أسطولها، فضلاً عن وصول ناقلة أخرى قريباً على الأقل. تشهد نوعية تلك الحاملات الصينية تحسناً واضحاً أيضاً. كانت مزودة في البداية بمصاعد تزلج، وهي موجودة راهناً في سفن مناسبة تحمل تصاميم خاصة، وتقترب السفن من حجم «جيرالد فورد» وتشمل منصات وأسلاكاً حاجزة، بالإضافة إلى طائرات فاعلة وأخرى فتاكة. في الوقت نفسه، تتكل الصين على مجموعة من الحلفاء. في الفترة الأخيرة، نفّذت القوات البحرية الصينية والروسية عدداً من التدريبات المشتركة، وجرى بعضها بالقرب من ألاسكا وفي محيط اليابان.

ليس صعباً أن نلاحظ إلى أي حد تسهم سفينة «برنس أوف ويلز» في تجديد توازن الوضع. ينطبق ذلك أيضاً على قوة الدفاع الذاتي البحرية اليابانية التي تنشغل الآن بتحويل حاملتَي مروحيات («إيزومو» و»كاغا») إلى حاملات طائرات حقيقية تستطيع تشغيل مركبات «ف-35 بي» (إنها أول حاملة طائرات تُصنّعها اليابان منذ الحرب العالمية الثانية).

بدأ المخططون في البنتاغون ومنطقة المحيطَين الهندي والهادئ يراقبون حاملة الطائرات البريطانية الجديدة والأفواج التابعة لها باعتبارها مجموعة يمكن تدريبها كي تصبح جزءاً من الموارد القيّمة والمفيدة. يصعب اعتبار «ويستلانت 23» إلا نسخة من اتفاق «أوكوس» في مجال حاملات الطائرات. من المتوقع أن تصبح سفينة «برنس أوف ويلز» الناقلة الهجومية البريطانية الجاهزة للعام 2024، وأن تحصل على مجموعتها الجوية الخاصة، بما في ذلك طائرات «ف-35 بي»، وأن تنتشر في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ بحلول العام 2025.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، قد تبقى هذه الأعداد بعيدة كل البعد عن حجم القوات البحرية الأميركية التي شملت 6 آلاف سفينة وأنهت الحرب العالمية الثانية، أو البحرية التي تألفت من 600 سفينة وأنهت الحرب الباردة. لكن توجهت البحرية البريطانية إلى اليابان لتقديم المساعدة في بداية القرن العشرين، فغطّت منطقة المحيط الهادئ في فترة الاضطرابات هناك. ثم تدخّل الأميركيون لمساعدة البريطانيين في الحرب العالمية الأولى، قبل أن يتبادلوا المساعدة في الحرب العالمية الثانية. حان الوقت على ما يبدو لتوحيد الصفوف مجدداً.


MISS 3