دماغك... بين الضغط النفسي والهدوء

02 : 00

تكشف دراسة جديدة أن منطقتَين أساسيتَين في الدماغ تؤثران على تجارب الضغط النفسي واسترجاع الهدوء!

يعطي الضغط النفسي آثاراً متفاوتة على العقل والجسم في الزمن المعاصر، منها ارتفاع مستوى اليقظة وتسارع ضربات القلب.

في الأزمنة الغابرة، كان الضغط النفسي الذي ينشأ حين يواجه البشر حيوانات مفترسة أو أي أعداء آخرين يساعدهم على النجاة ومتابعة حياتهم. لكن في العالم المعاصر، قد تعطي الآثار النفسية والفيزيولوجية للضغط النفسي نتائج عكسية في ظروف شائكة مثل الامتحانات أو مقابلات العمل أو المواعيد الغرامية الأولى. حتى أن الضغط النفسي المزمن يرتبط بتدهور الصحة الجسدية والنفسية.

لكن يستطيع البشر لحسن الحظ تطوير استراتيجيات تكيفية لتخفيف وطأة التجارب العصيبة. تتعدد الاستراتيجيات الناجحة في هذا المجال، منها التعبير عن المشاعر المضطربة، شفهياً أو خطياً، وإعادة تقييم الظروف العصيبة لرؤيتها من منظور إيجابي، والانتباه الواعي.

لاستكشاف الروابط العصبية الكامنة وراء مشاعر الضغط النفسي، استعملت الدكتورة إليزابيث غولدفارب، عالِمة بحثية مساعِدة في مركز "يال" للضغط النفسي في جامعة "يال" في "نيوهافن"، تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لمسح أدمغة 60 متطوعاً حين كانوا ينظرون إلى سلسلة من الصور المزعجة أو الحيادية أو المريحة للأعصاب. نُشِر تقرير عن الدراسة في مجلة "تواصل الطبيعة".

عرض الباحثون صوراً تثير التوتر أمام المشاركين، منها كلب شرس ووجوه مشوّهة ومراحيض قذرة. أما الصور الحيادية أو المهدئة، فشملت أشخاصاً يقرأون في الحديقة ومناظر طبيعية متنوعة.

بعد مشاهدة كل مجموعة من الصور، طلب الباحثون من المشاركين الضغط على أزرار لتقييم مستوى ضغطهم النفسي على مقياس يتراوح بين 1 و9 (الدرجة الأولى تشير إلى غياب الضغط النفسي، والدرجة التاسعة تشير إلى أعلى درجات التوتر). قيّم المتطوعون أيضاً مستوى هدوئهم أو استرخائهم.





الذاكرة لتنظيم العواطف؟

أراد العلماء معرفة مدى تغيّر روابط منطقة الحُصَين في الدماغ نسبةً إلى مستوى الضغط النفسي الذي يعيشه المشاركون. الحُصين هيكل دماغي على شكل فرس البحر، وهو يقع في عمق الفص الصدغي داخل كل نصف كرة مخية ويؤدي دوراً أساسياً على مستوى العواطف والذاكرة.

اكتشف الباحثون شبكتَين مختلفتَين من المناطق الدماغية التي تُركّز على الحُصين، وقد زادت روابطهما أو ضعفت بحسب مستويات الضغط النفسي لدى المشاركين في الدراسة.

حين شعروا بالتوتر، زادت قوة الروابط في الشبكة التي شملت بنية في قاعدة الدماغ اسمها الوطاء، ما أدى إلى إطلاق هرمونات متعددة، بما في ذلك هرمون الكورتيزول المرتبط بالضغط النفسي.

وحين استرجع المتطوعون الهدوء، زادت قوة الروابط بين الحُصين وشبكة تشمل قشرة الفص الجبهي الظهرية، بالقرب من كل نصف كرة مخية.

ترتبط قشرة الفص الجبهي الظهرية بالوظائف المعرفية أو "التنفيذية"، بما في ذلك اتخاذ القرارات والاستراتيجيات التكيفية التي يستعملها الناس لتنظيم عواطفهم.

تكشف الدراسات السابقة أن هذا الجزء من القشرة الأمامية يؤثر على الاسترخاء الذهني وإعادة تقييم العواطف (تسمح هذه العملية أحياناً بتذكّر روابط أكثر إيجابية).

في بعض الحالات، زادت قوة الروابط بين الحُصين وقشرة الفص الجبهي الظهرية أثناء مشاهدة صور مزعجة. بدا وكأن هذه الروابط تُضعِف حدة الضغط النفسي في الفترة اللاحقة. يفترض الباحثون أن هؤلاء المشاركين نبشوا ذكريات ساعدتهم على تخفيف استجابة الضغط النفسي.

توضح غولدفارب: "على غرار نتائج حديثة مفادها أن تذكّر التجارب الإيجابية قد يخفف استجابة الضغط النفسي في الجسم، يثبت بحثنا أيضاً أن الشبكات الدماغية المرتبطة بالذاكرة قد تُستعمَل لإطلاق استجابة عاطفية أكثر مرونة تجاه الضغط النفسي".

مقاربات علاجية في الأفق؟

تكشف أبحاث أخرى أن القشرة الأمامية لدى المصابين باضطرابات نفسية مثل القلق قد تفشل في تنظيم عواطفهم في الأوقات العصيبة.

تقول المشرفة الرئيسة على الدراسة، راجيتا سينها: "قد تساعدنا هذه النتائج على ابتكار مقاربات علاجية ذات أهداف متعددة، منها تقوية الروابط بين الحُصين والقشرة الأمامية أو إضعاف الإشارات التي تصل إلى مراكز الضغط النفسي".

تؤثر الروابط القائمة بين القشرة الأمامية وأجزاء دماغية أخرى على الاكتئاب أيضاً. نشرت مجلة "ميديكل نيوز توداي" حديثاً دراسة مفادها أن تحفيز الجزء الأيسر من قشرة الفص الجبهي الظهرية في القشرة الأمامية عبر حقل مغناطيسي، أي استعمال تقنية التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة، قد يخفف حدّة الاكتئاب.

أخيراً، يذكر المشرفون على الدراسة الجديدة أن بحثهم يثبت أهمية منطقة الحُصين، لكن تنشط آليات دماغية مختلفة على الأرجح في حالات نفسية أخرى، على غرار الإدمان مثلاً.



MISS 3