رفيق خوري

مجموعة أفيال في غرفة ضيقة

ليس العمل الرسمي على إدارة وضع غير طبيعي في لبنان سوى مهمة مستحيلة. لكن هذا ما حدث، مع الأسف، ولا يزال مستمراً بعد إغراق الوطن الصغير في بحر من الأزمات، وفرض التكيف الصعب مع إبقائه في وضع غير طبيعي. أما الإغراق، فإنه على أيدي حراس الهيكل الذين فتحوه امام الصراعات الإقليمية والدولية واحتمى كل واحد منهم بقوة خارجية من دون أن يقرأ في كتاب مصالحها الواسعة، في رهان على أن تدعم مصالحه الصغيرة التي هي نقيض المصلحة الوطنية وبناء الدولة. وأما الفرض، فإنه جاء بمزيج من سياسة القوة وضعف السياسة والتواطؤ والعجز عن إقامة تحالف عريض تدعمه كتلة شعبية تاريخية. والنتيجة هي بالطبع التخبط في ما سماه انغلز «إدارة الأشياء» بدل «حكم الأشخاص»، والعجز حتى عن تحمل الحد الادنى من مسؤوليات السلطة التي لم تعد سلطة لها علاقة بإدارة شؤون الناس، حيث المتحكم هو مافيا سياسية ومالية وميليشيوية.

ذلك إن الشغور الرئاسي المفروض بقوة تمسك بمفاصل السلطة وتعمل من خارجها في آن، ليس العامل الوحيد في الوضع غير الطبيعي، على الرغم من محورية الدور الرئاسي كما كشفت التجارب، وسط كثير من البكاء على صلاحيات الرئيس. وليس قليلاً عدد العوامل الأخرى المهمة، وبعضها مهم جداً، في الوضع غير الطبيعي. فما نشكو منه ليس فقط وجود «فيل في الغرفة» حسب التعبير الكلاسيكي بل ايضاً وجود مجموعة أفيال كبيرة في غرفة ضيقة اسمها لبنان. «مقاومة إسلامية» هي جزء من «محور المقاومة» بقيادة ايران، تمسك بقرار الحرب وتقرر مساندة «حماس» في حرب غزة بفتح الجبهة الجنوبية للقصف الصاروخي من فوق رأس الجيش والقوات الدولية والبرلمان وحكومة تصريف الأقوال لا الأعمال، وإعادة منظمات فلسطينية الى العمل العسكري من الجنوب بعد التجربة المرة السابقة، وتشارك في حرب سوريا ولها دور في العراق واليمن وسواهما كقوة إقليمية. ومصارف تقامر بأموال المودعين مع مصرف لبنان والسلطة للحصول على أرباح، تسيطر على قرار السلطة وتمنع محاسبتها على السطو وتمتنع عن إعادة الهيكلة. ولا احد يعرف كيف يمكن إنقاذ الإقتصاد في البلد من دون حياة مصرفية.

قوات دولية مهمتها في الجنوب «حفظ السلام» محكومة بالعجز عن القيام بالمهمة. إدارة مشلولة ومضطربة، بصرف النظر عن الفساد. برلمان عاطل عن التشريع وانتخاب رئيس للجمهورية. حكومة لا تستطيع تقديم إنجاز جدي، ولا ان تستقيل، ولا أن توقف صفقات وزراء، ولا أن تُقيل وزيراً يرفض القيام بواجباته. وجيش مهدد بأن يصبح بعد شهر بلا قائد في غياب رئيس الجمهورية، وسط التخبط في الإقدام على حل وتجاوز الحسابات الصغيرة للبعض. فكيف يمكن ان يدار مثل هذا الوضع اللاطبيعي، مع إصرار قوى وازنة على منع العودة الى الوضع الطبيعي. وحتى على اعتباره الوضع الطبيعي؟

قديماً قال شاعر عربي: تعجبين من سقمي صحتي هي العجب.