اليوغا... لتخفيف القلق ونوبات الصرع؟

02 : 00

قد تصبح بعض الوضعيات الجسدية أفضل وسيلة للسيطرة على نوبات الصرع.

تذكر دراسة جديدة أن ممارسة اليوغا قد تمنع تكرار نوبات الصرع بالقدر نفسه، وتُخفّف القلق ومشاعر العار التي ترافق مرض الصرع عموماً. نُشرت نتائج البحث في مجلة «نيورولوجي» الصادرة عن الأكاديمية الأميركية لعلم الأعصاب.

تقول المشرفة الرئيسية على الدراسة، مانجاري تريباتي، عالِمة أعصاب في مؤسسة العلوم الطبية لعموم الهند في نيودلهي: «غالباً ما يشعر المصابون بالصرع بالعار، ما قد يقنعهم بأنهم مختلفون عن غيرهم بسبب حالتهم الصحية، وقد تؤثر هذه المشكلة على نوعية حياتهم. تنعكس وصمة العار هذه على حياة المريض بطرق متعددة، بما في ذلك العلاج، وزيارات قسم الطوارئ، وتدهور الصحة النفسية. تكشف دراستنا أن ممارسة اليوغا قد تُخفف أعباء الصرع وتُحسّن نوعية الحياة الإجمالية عبر تخفيف الشعور بالعار».



تفاصيل الدراسة

راقب الباحثون عدداً من المصابين بالصرع في الهند. بلغ متوسط أعمارهم 30 عاماً. قيّم العلماء وصمة العار التي تصيبهم استناداً إلى أجوبتهم على أسئلة حول التعرض للتمييز، والشعور باختلافهم عن الآخرين، وتقييمهم لحجم مساهماتهم في المجتمع. ثم حددوا 160 شخصاً تنطبق عليهم معايير وصمة العار. كان المشاركون يصابون بما معدلّه نوبة صرع واحدة أسبوعياً، وأخذوا نوعَين من الأدوية المضادة للصرع على الأقل.

ثم اختار الباحثون عشوائياً بعض المشاركين وطلبوا منهم تلقي علاج باليوغا أو الخضوع لجلسة يوغا مزيفة. شمل علاج اليوغا تمارين لتليين العضلات، وتحسين التنفس، والتأمل، وبعض العبارات الإيجابية.

في المقابل، تألفت جلسات اليوغا المزيفة من تمارين تشبه حركات اليوغا نفسها، لكن لم يتلقَ المشاركون تعليمات حول عنصرَين أساسيَين من اليوغا يقال إنهما يطلقان استجابة الاسترخاء: التنفس البطيء والمتناغم، والتنبه إلى حركات الجسم وأحاسيسه خلال الجلسة.

شاركت كل مجموعة في سبع جلسات جماعية وخاضعة للمراقبة تراوحت مدتها بين 45 و60 دقيقة، طوال ثلاثة أشهر. طُلِب من المشاركين خلال هذه الفترة أن يمارسوا اليوغا في المنزل، بمعدل خمس مرات أسبوعياً على الأقل، طوال 30 دقيقة في كل مرة، تزامناً مع تعقب نوبات الصرع وجلسات اليوغا في مذكراتهم. بعد مرور ثلاثة أشهر على بدء العلاج باليوغا، راقب الباحثون المشاركين لثلاثة أشهر أخرى.

نتائج الدراسة عن الصرع واليوغا

لاحظ الباحثون تراجع الشعور بالعار لدى من مارسوا اليوغا مقارنةً بالآخرين. حتى أن نوبات الصرع التي أصابت هذه الفئة من المشاركين بعد مرور ستة أشهر تراجعت بنسبة تفوق الخمسين في المئة وبأكثر من أربع مرات مقارنةً بمن شاركوا في جلسات يوغا مزيفة.

كذلك، برز تراجع واضح في أعراض القلق لدى من مارسوا اليوغا مقارنةً بغيرهم. لاحظ العلماء تحسناً على مستوى التدابير المرتبطة بنوعية الحياة والاسترخاء الذهني.

توضح تريباتي: «هذه الاستنتاجات تزيد الحاجة إلى التفكير بعلاجات ونشاطات مختلفة لمن يصابون بالصرع ويشعرون بالعار من حالتهم. قد لا تسهم اليوغا في تخفيف وصمة العار فحسب، بل إنها تُحسّن نوعية الحياة وترفع مستوى الاسترخاء الذهني أيضاً. كذلك، يمكن تسجيل حصص اليوغا مسبقاً بسهولة وتقاسمها مع المرضى عبر الإنترنت من خلال استعمال أبسط الموارد وبأقل تكاليف ممكنة».

لكن يعترف الباحثون بأن دراستهم كانت محدودة على بعض المستويات، فقد ذكر المشاركون أنفسهم وتيرة النوبات التي تصيبهم وقد لا يتذكرون جميع المعلومات بدقة.

منافع اليوغا

يقول سانديبان باتي، أستاذ مساعد في علم الأعصاب من كلية «ماكفرن» للطب في جامعة «يو تي هيلث» (لم يشارك في الدراسة الجديدة): «يؤثر الضغط النفسي بقوة على تفاقم نوبات الصرع. عند السيطرة على الضغط النفسي بالشكل المناسب، يمكن تحسين تداعيات المرض، بما في ذلك نوعية الحياة عموماً. وعند الإصابة بالصرع، يلعب الضغط النفسي دوراً بالغ الأهمية عبر تسريع النوبات وإضعاف نوعية النوم».

يوضح راين غلات، مدرب متخصص بصحة الدماغ ومدير برنامج «فيت برين» في معهد علم الأعصاب للمحيط الهادئ في كاليفورنيا (لم يشارك في البحث الجديد): «تضاف نتائج هذه الدراسة إلى مجموعة سابقة من الأدلة التي تشير إلى المنافع النفسية للممارسات التي تُشغّل العقل والجسم معاً، مثل اليوغا. قد تشمل الدراسات المستقبلية مجموعات مختلفة تقارن بين اليوغا والتأمل وعلاجات نموذجية من نوع آخر لتحسين طريقة فهم منافع اليوغا ومقاربات أخرى لتخفيف الضغط النفسي. لا بد من إجراء أبحاث إضافية لفهم الآلية التي تجعل اليوغا تفيد المصابين بالصرع، لكن قد تبرز آثار أخرى أيضاً على مستوى الضغط النفسي، والنشاط الدماغي، ووظيفة الناقلات العصبية، وفق دراسة من العام 2012».

تأثيره على صحتك النفسية

تقول الدكتورة جوليان بوليتشي، مديرة قسم صرع الأطفال وعلم الأعصاب في مستشفى جزيرة ستاتن الجامعي في نيويورك، وخبيرة في ممارسة اليوغا لم تشارك في الدراسة الجديدة: «خضعت آثار اليوغا لدراسات مكثفة، لكن تُعتبر الدراسة الجديدة مختلفة لأنها تُركّز على وصمة العار التي ترافق هذه الحالة. مع ذلك، تتعدد الأسئلة العالقة حتى الآن. تحمل أسباب التحسّن جانباً أكثر أهمية. هل يتعلق السبب بتصالح المرضى مع أنفسهم عموماً، أم بتراجع ضغطهم النفسي أو قلقهم أو توترهم، أم بزيادة سيطرتهم على نوبات الصرع؟ قد تُمهّد هذه الأسئلة لاستكشاف مسائل أكثر إثارة للاهتمام في هذه الدراسة. لا تؤثر اليوغا على حالة المرضى النفسية بكل بساطة. تبيّن أن التنفس المنتظم والتأمل الموجّه يحفزان الجهاز العصبي السمبثاوي عبر العصب المبهم. كذلك، كان لافتاً أن يسهم تنشيط العصب المبهم عبر أجهزة تنظيم ضربات القلب العصبية المُوجّهة في تخفيف حدة نوبات الصرع مع مرور الوقت وتقليص أثرها. في الوقت نفسه، يسمح تنشيط العصب المبهم بتقصير مدة النوبات ومرحلة التعافي وتخفيف حدة النوبة. تبقى هذه الفكرة مجرّد فرضية، لكن يبدو الرابط بين هذه الأنماط مثيراً للاهتمام. أنا شخصياً أستطيع التأكيد على قوة اليوغا المهدّئة. أخيراً، قد تسمح تقنيات التنفس المنتظمة بتخفيف القلق والضغط النفسي أيضاً. أنا أشارك في جلسات قصيرة ومنتظمة من التنفس المُركّز في عيادات الصرع والقلق وألجأ إليها مع المصابين بالصداع النصفي لإثبات سهولة هذه التقنيات. يفضّل الجميع طبعاً العلاجات غير الدوائية لمعالجة مشاكلهم».


MISS 3