علي أحمدي

هل يتجاهل بايدن تهرّب إيران من العقوبات؟

13 كانون الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

خطوط أنابيب تصدير النفط في منشأة إيرانية على شاطئ الخليج العربي | 23 شباط 2016

منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس»، في 7 تشرين الأول، بدأت الأصوات التي تنتقد إدارة بايدن بسبب طريقتها غير المناسبة في تطبيق عقوبات النفط ضد إيران تتصاعد في واشنطن. تتعدّد الاقتراحات المطروحة في الكونغرس الأميركي لحثّ الإدارة الأميركية على تحسين طريقة تنفيذ العقوبات ضد النفط الإيراني.



لا يزال الحظر الواسع المفروض على الاقتصاد الإيراني بعد قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، أو ما يُعرَف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، على حاله. لكن شهدت مبيعات النفط الإيراني زيادة قياسية.

يظنّ الجمهوريون أن إدارة بايدن تجاهلت تهرّب إيران من العقوبات الأميركية خارج الحدود الإقليمية عمداً. ربّما زادت صادرات النفط الإيراني بدرجة ملحوظة خلال عهد بايدن، لكن بدأت هذه النزعة قبل وصول إدارته إلى البيت الأبيض. تكشف البيانات أن تعافي مبيعات النفط الإيراني، بعد تسجيلها مستويات متدنّية جداً في العام 2020، بدأ في عهد ترامب.

في أواخر العام 2020، رصدت الشركات التي كانت تراقب تجارة النفط العالمية زيادات بارزة في صادرات إيران. زادت صادرات النفط الإيرانية في خريف العام 2020 بأكثر من الضعف، مقارنةً بفترات سابقة من السنة، رغم تفاوت التقديرات في هذا المجال، بسبب تطوير قدرات إيرانية أكثر تعقيداً للتهرّب من العقوبات وارتفاع الطلب الصيني.

يجب ألا ننسى أيضاً أن تراجع مستوى العقوبات لا يعني أن المقاربة الأميركية أصبحت أكثر تساهلاً في عهد بايدن. بدت تصريحات السياسة الخارجية في عهد ترامب مبهمة ومربكة على نحو مؤلم أحياناً، لكن كانت العقوبات الحاسمة ضد إيران في إطار حملة الضغوط القصوى فاعلة. يتعلّق الهدف الأساسي بفرض عقوبات على قطاعات كاملة ومجالات أساسية من الاقتصاد الإيراني لإحداث شكل من الصدمة.

في المقابل، فضّل المسؤولون في إدارة باراك أوباما مساراً يسمح بتكثيف العقوبات مع مرور الوقت. اعتبروا هذه الاستراتيجية الأفضل لدفع الدولة المستهدفة إلى تعديل سياستها. لكن تخلّى مهندسو حملة الضغوط القصوى ضد إيران في عهد ترامب عن هذه المقاربة وفضّلوا نسخة فورية من استراتيجية الأرض المحروقة، وهي تشمل فرض عقوبات متواصلة من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية، على مرّ جولات عدة أسبوعياً، ما يسمح بكبح التفاعلات الاقتصادية الإيرانية مع العالم.

فرضت إدارة ترامب من جهتها عقوبات عدة على إيران، وقد اعترفت الإدارة الأميركية في آخر سنة لها في الحُكم بأن حملتها لم تُحقّق الأهداف المنشودة.

خلال الأشهر الأخيرة من عهد ترامب، بدا وكأن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بدأ يصنّف الكيانات المستهدفة أصلاً في إطار سلطات غير نووية إضافية. اعتبر الكثيرون هذه الخطوة محاولة لتصعيب إعادة انضمام أي إدارة مستقبلية إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة». وبما أن الاتفاق يرتكز على رفع العقوبات النووية تحديداً، كان نَسْب صفة الإرهاب أو أي تصنيفات أخرى إلى كيانات اقتصادية كبرى في إيران لينشئ حواجز جديدة تحول دون تجديد الالتزام المشترك ببنود «خطة العمل الشاملة المشتركة».

من غير المنطقي إذاً أن نتوقع من إدارة بايدن أن تتابع استهداف الكيانات بالوتيرة المكثفة التي استعملتها إدارة ترامب. لكن لا يعني ذلك أن إدارة بايدن لم تحاول إبطاء إيقاع بيع النفط الإيراني. بالإضافة إلى جولات عدة من العقوبات الجديدة التي تستهدف صادرات الهيدروكربون الإيرانية، والشبكات البتروكيماوية، وممارسات التحايل على العقوبات، أقنعت إدارة بايدن الدول أيضاً بالامتناع عن رفع أعلامها على السفن المتّهمة بنقل النفط الإيراني.

لفهم السبب الكامن وراء زيادة صادرات النفط الإيرانية، لا بدّ من تقييم ظروف السوق وسياق العقوبات. تتعدّد العوامل التي تفسّر ارتفاع المبيعات لهذه الدرجة.

أولاً، كانت صادرات النفط الإيرانية خلال عهد ترامب منخفضة جداً، لا بسبب العقوبات فحسب، بل نتيجة جائحة كورونا وتباطؤ الاقتصاد العالمي المرتبط بها. كانت السياسات الصينية العدائية المبنية على مبدأ «صفر إصابات» تعني أن استيراد البترول تباطأ محلياً أكثر من معظم البلدان الأخرى، وقد استمرّ هذا الوضع لفترات أطول من المعتاد. رغم نَسْب تراجع مستوى الصادرات الإيرانية خلال هذه الفترة إلى حملة الضغوط القصوى التي أطلقتها إدارة ترامب، كان معظم النجاح ينجم فعلياً عن تباطؤ الطلب العالمي.

ثانياً، أدى ارتفاع الطلب بعد انحسار الجائحة إلى فرض ضغوط جديدة على الأسعار، ما دفع المصافي الصينية الصغيرة والمستقلة، التي تسعى إلى منافسة المصافي الحكومية العملاقة منذ فترة طويلة، إلى البحث عن إمدادات نفطية أقل كلفة. يصبح عرض النفط الإيراني بأسعار مخفّضة أكثر جاذبية بكثير حين ترتفع أسعار البرميل الواحد.

ثالثاً، اتّخذت إيران والصين خطوات متنوّعة لتعزيز تعاونهما الاقتصادي في السنوات الأخيرة. وقّع البلدان على اتفاق تعاون مدّته 25 سنة في آذار 2021، وأطلقا حديثاً مجموعة اتفاقيات لتفعيل ذلك الميثاق. كذلك، انضمّت إيران إلى «اتفاقية شنغهاي للتعاون» ومجموعة «بريكس» (تتألف من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، وستة بلدان مضافة حديثاً، منها إيران). من المبرّر أن يشكك البعض بمستقبل العلاقات الاقتصادية بين الصين وإيران. لكن إذا أرادت الصين أن تكثّف مساعيها خدمةً لمصالح إيران، فسيكون التشجيع على شراء المزيد من النفط الإيراني أول خطوة محتملة لتحقيق هذا الهدف.

رابعاً، طبّقت الصين، في معظم فترات العقدَين الأخيرَين، استراتيجية حذرة في الشرق الأوسط، وهي تدعو بكين إلى عدم طرح نفسها كعائق أساسي أمام خطط الولايات المتحدة في المنطقة. هذا النهج فرض بعض الضغوط على التجارة الصينية الإيرانية، بما في ذلك الهيدروكربون. كانت هذه الاستراتيجية تهدف إلى تأخير تدهور خطير في العلاقات الصينية الأميركية. وبعدما أصبح هذا الوضع أمراً واقعاً، تلاشى السبب الأساسي الذي يجعل بكين تحدّ من استيراد النفط الإيراني.

تعليقاً على إبرام اتفاق التعاون الاقتصادي الممتدّ على 25 سنة، يقول هوا لايمينغ، السفير الصيني السابق في طهران: «منذ عهد كارتر، لطالما ذكّرت الولايات المتحدة الصين بروابطها مع إيران، وهي علاقة اعتبرها الأميركيون عائقاً أمام تطوير العلاقات الأميركية الصينية. لكن في ظل التغيّرات الجذرية الحاصلة في العلاقات الصينية الأميركية خلال الأشهر الماضية، من الواضح أن تلك الحقبة انتهت».

أخيراً، تورّطت أطراف جديدة في العمليات التجارية المحظورة منذ بدء حملة العقوبات ضد روسيا. تُعتبر روسيا حتى الآن أكبر اقتصاد تستهدفه حملة عقوبات غربية بهذه الوتيرة المكثفة. حصل توسّع بارز في قيود التصدير أيضاً ضد الصين خلال عهد بايدن، ما ينذر بإطلاق حملة عقوبات مستقبلية فيما تحاول واشنطن منع ما تعتبره عواصم غربية عدة نزعة صينية إلى تحريف الوقائع. بعدما أصبحت العقوبات أداة الغرب الاختيارية في هذه الحقبة الجديدة من المنافسة بين القوى العظمى، من المتوقّع أن تحصل بكين وموسكو وشركاؤهما التجاريون حول العالم على حوافز مالية متزايدة لتسهيل عمليات التجارة المحظورة.

ونظراً إلى غياب الشفافية، يمكننا أن نكتفي بإطلاق التوقّعات حول تراجع نزعة الدول والشركات إلى تجنّب التجارة المحظورة، لكن تشير بعض الأدلة إلى وجود تلك النزعة.

يثبت ميل الدول التي تُعتبر عموماً حليفة للغرب إلى استعمال صلاحياتها للتهرّب من العقوبات المفروضة على روسيا أن هذا النمط لن يبقى محصوراً في الإطار الروسي على الأرجح. ويكشف إقدام بلد مثل الهند على تقليص متطلبات تأمين الموانئ واللجوء إلى هياكل تمويل غير تقليدية لتسهيل تسليم النفط الروسي أن العالم بدأ يتكيّف مع بيئة جديدة ترتفع فيها مخاطر العقوبات، لكنه لا يطبّق الأسلوب الذي يفضّله الغرب بالضرورة.

في نهاية المطاف، لا يمكن اعتبار زيادة مبيعات النفط الإيراني أو تباطؤ تصنيفات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية حججاً مناسبة للتأكيد على تساهل إدارة بايدن مع إيران. لا شيء يؤكد تحقيق نتائج أفضل في ظل الظروف الآنف ذكرها بفضل مواقف إدارة ترامب الأكثر عدائية. سبق وأعلن مطبّقو العقوبات أن الدول المستهدفة تميل إلى التكيّف مع العقوبات خلال فترة من الزمن. قد لا تتعافى تلك البلدان بالكامل، لكن يميل أثر العقوبات إلى بلوغ ذروته في مرحلة ما، قبل أن يتراجع بدرجة معيّنة. تبقى أي لعبة جزئية ولامتناهية، حيث تتكيّف الأطراف المستهدفة مع المستجدات، محدودة على مستويات عدة.

إذا أراد بايدن أن يستهدف مبيعات النفط الإيراني مثلاً، يمكنه أن يهاجم «الأسطول الشبح» المؤلّف من سفن تحمل النفط الخام، فضلاً عن الوسطاء الإقليميين في جنوب شرق آسيا (وهي خطوة اتخذها بدرجة معينة)، ولا ننسى المصافي الصينية التي تُعتبر من أبرز الجهات التي تشتري النفط الإيراني.

لكن لم يتضح بعد إلى أيّ حدّ يتأثر هؤلاء الوسطاء بالأسواق الغربية أو المؤسسات المالية، علماً أن السفن الشبح ومصافي النفط لا تتأثر بها بشكل عام. لهذا السبب، قد لا تكون تصنيفات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية فاعلة بالقدر المطلوب. إذا استُعمِلت العقوبات ضد شركات صينية متنوّعة على صلة بقطاع النفط الإيراني من دون تحقيق النتيجة المرجوّة، فهل ستصبح الأطراف المشابهة الأخرى أكثر أم أقل ميلاً إلى التواصل مع إيران؟ سبق وأصبحت كيانات صينية متنوعة مستهدفة، بما في ذلك شركات لوجستية تتعرّض لكمّ هائل من العقوبات، لكن يبدو أنها تتابع المتاجرة بالنفط الإيراني.

يمكن الاستفادة على الأرجح من حملة أوسع تستهدف المؤسسات المالية التي تخدم مصافي النفط، لكن تتطلّب هذه العملية استهداف النظام المالي الصيني بدرجة لا تبدو واشنطن مستعدّة لها في الوقت الراهن. في النهاية، تجدر الإشارة إلى أن إدارة ترامب كانت تملك فرصة لاتخاذ هذه الخطوات كلها، لكنها لم تفعل.


MISS 3