توماس ديستريا

مُنافسة محتدمة بين زيلينسكي والجنرال زالوجني

14 كانون الأول 2023

المصدر: Le Monde

02 : 00

زيلينسكي وزالوجني في خيرسون | أوكرانيا، تشرين الثاني ٢٠٢٢

لم يسبق أن بلغ الغموض المحيط بالتوتر السائد بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقائد الجيش فاليري زالوجني هذا المستوى منذ بداية الغزو الروسي. حرصت مصادر الرئاسة على إنكار أي شكل من الخلاف بين الرجلَين الأكثر شعبية في أوكرانيا خلال الحرب، لكن لم تنجح أي تصريحات علنية حتى الآن في إخماد الجدل الذي يزيد قلق الشعب مع مرور الوقت.



تكثر التعليقات التي تتطرق إلى هذه الخلافات في وسائل الإعلام الأوكرانية. في تقرير نشره موقع «أوكراينسكا برافدا»، في 30 تشرين الثاني، تقول ألينا ميكايلوفا، الأرملة الشابة للملازم الأسطوري ديمترو كوتسوبايلو الذي كان يُعرَف بلقبه الحربي «دا فنشي» وقُتِل في مدينة «باخموت» الأوكرانية، في آذار الماضي: «لا يتوقف الانتصار على حجم الترسانة العسكرية الأوكرانية، بل على وحدة الحكومة والشعب والجيش». لكن تضيف هذه العالِمة السياسية التي انتُخِبت كعضو في مجلس البلدية في كييف: «إذا اختفى عنصر واحد على الأقل من هذه المعادلة، لن يملك أحد أي سلطة فاعلة، ولن يعود الشعب موجوداً على الأرجح، وسينتشر الجيش الروسي في جميع أراضينا».

حماية الوحدة أولاً

لا يخفي بيترو بوركوفسكي، مدير «مؤسسة المبادرات الديمقراطية إيلكو كوتشيريف»، قلقه من الوضع القائم فيما يواجه بلده صعوبة كبرى في تعبئة مجموعة جديدة من الجنود. يحذر هذا المحلل السياسي من عواقب ما يحصل وانعكاسه على صورة أوكرانيا على الساحة الدولية، فيقول: «يجب أن تحافظ الحكومة على الوحدة والتماسك بين العسكريين والقادة المدنيين. لن يدعم أحد بلداً يفتقر إلى التوافق بين القادة العسكريين والسياسيين».

هذه ليست المرة الأولى التي يصبح فيها التوتر بين الرئيس وقائد الجيش محط جدل علني في أوكرانيا. يقول فولودومير فيسينكو، محلل سياسي ومدير مركز الدراسات السياسية «بينتا»، إن المكتب الرئاسي يكنّ شكلاً من «الغيرة السياسية» تجاه فاليري زالوجني منذ سنة ونصف بسبب شعبيته التي تفوق شعبية الرئيس، ولو بدرجة بسيطة: «هم لا يحبون المنافسة داخل حكومة الرئيس. وحتى لو قال المقربون من زالوجني إنه لا يحمل أي طموح سياسي، يظن داعموه أنه قد يصبح رئيساً ناجحاً».

كان فولوديمير زيلينسكي قد اكتفى بالموافقة على القرارات العسكرية في أولى أشهر الغزو، لكنه لم يكفّ عن التدخل في هذه القرارات مباشرةً في المراحل اللاحقة. في مقالة نشرها موقع «أوكراينسكا برافدا» حول العلاقة القائمة بين الرجلَين، يوم الإثنين 4 كانون الأول، يؤكد كتّاب التحقيق الصحافي إقدام الرئيس الأوكراني على «إنشاء قنوات اتصال موازية مع قادة مختلف فروع الجيش»، بما في ذلك قائد القوات البرية ألكسندر سيرسكي، وقائد القوات الجوية ميكولا أوليشاك، في محاولة منه لتجاوز قائد الجيش.

في اليوم نفسه، تطرّق مستشار الرئيس الخاص، ميكايلو بودولياك، إلى مسألة تنظيم الصفوف على الجبهة الأوكرانية، فأكّد في تعليق نشرته منصة «إكس» على «ضرورة إحداث تعديلات في التكتيكات المعتمدة، لا سيما تحسين الدفاع المضاد للصواريخ في البنى التحتية الأساسية»، إذ تُحتّم ظروف الشتاء وتحليلات القدرات العسكرية الأوكرانية والروسية هذا النوع من التعديلات برأيه.

تقرير عسكري مدوٍّ

حتى المرحلة الأخيرة، كانت المنافسة بين الأوساط السياسية والعسكرية لا تزال ضمنية. لكن اتخذ الوضع منحىً ساماً منذ شهر، بعد نشر تقرير عسكري بقلم فاليري زالوجني، إلى جانب مقابلة يتكلم فيها عن الظروف القائمة في جبهة القتال في المجلة البريطانية «ذا إيكونوميست»، في 1 تشرين الثاني. ترك الاستنتاج الذي توصّل إليه الجنرال حول فشل الهجوم المضاد، الذي انطلق في بداية شهر حزيران الماضي، صدىً قوياً في أنحاء البلد.

أكّد الجنرال أن أوكرانيا لا تملك في الوقت الراهن الوسائل التي تسمح لها بتحقيق الانتصار وتغيير ميزان القوى على جبهة القتال، حيث يخوض الجيشان العدوّان قتالاً عنيفاً جداً. أضاف قائلاً: «على غرار ما حصل خلال الحرب العالمية الأولى، يبدو أننا بلغنا مستوىً تكنولوجياً جعلنا نصل إلى طريق مسدود». لتجنب العودة إلى ظروف حرب الاستنزاف التي تعجز أوكرانيا عن الفوز بها، تكلّم الجنرال عن ضرورة إحراز تقدّم تكنولوجي كبير، وتلقي مساعدات إضافية من الحلفاء، وإصلاح نظام تعبئة العناصر.

كانت ردة فعل الرئاسة الأوكرانية فورية وصارمة. بدءاً من 4 تشرين الثاني، انتقد نائب رئيس هيئة الأركان، إيهور جوفكا، تقرير الجنرال زالوجني وقال إن العسكريين يُفترض ألا يدلوا بهذا النوع من التصريحات لأنهم يسهّلون بهذه الطريقة عمل المعتدين. في اليوم نفسه، أنكر الرئيس الأوكراني علناً كلام فاليري زالوجني، وأكد عدم وصول الوضع إلى طريق مسدود على جبهة القتال.

ترافقت هذه المواقف التي تنتقد قائد الجيش مع تغيرات بارزة في صلب الجهاز العسكري. في 3 تشرين الثاني، أُقيل قائد قوات العمليات الخاصة، فيكتور خورينكو، من منصبه من دون أن تقدّم الرئاسة أي مبررات لتفسير هذا القرار. أعلن خورينكو أمام الصحافة أنه لا يعرف أسباب إقالته وأن فاليري زالوجني عجز عن تبرير ما حصل.

في 19 تشرين الثاني، أقال زيلينسكي أيضاً رئيسة القوات الطبية في الجيش الأوكراني، تاتيانا أوستاشينكو. كان هذا القرار «حتمياً» برأي المحلل السياسي بيترو بوركوفسكي، لأن تلك المرأة تعرّضت لانتقادات علنية بسبب عجزها عن تنظيم عمل القوات الطبية منذ أشهر، لكن تبقى إقالة قائد قوات العمليات الخاصة لغزاً غامضاً بالنسبة إليه.

في غضون ذلك، انتقد نائبان من الكتلة البرلمانية التابعة لحزب زيلينسكي، «خادم الشعب»، القيادة العسكرية علناً وغياب التخطيط لنشاطات القوات المسلحة. حتى أن أحدهما، وهي النائبة ماريانا بيزوهلا المنتسبة إلى لجنة الدفاع في البرلمان، طالبت بإقالة الجنرال فاليري زالوجني.

عبّر ميكايلو بودولياك عن امتعاضه مما يحصل من مكتبه الواقع في حيّ المقر الرئاسي الذي يخضع لحراسة مشددة، فقال: «لا وجود لأي صراع، ولا يمكن أن تنشأ الصراعات أصلاً نظراً إلى وجود نظام هرمي واضح: الرئيس زيلينسكي هو القائد الأعلى وزالوجني يخضع له. نتيجةً لذلك، يتواصل الرجلان بشكلٍ مباشر ومنتظم يومياً عبر قنوات مختلفة». تعليقاً على تصريحات ماريانا بيزوهلا، يقول المستشار إنها ممثّلة للشعب ويحق لها أن تُعبّر عن موقفها: «لا شك في أنها لاحظت المشاكل التي يواجهها الجيش وقررت أن تتكلم عن هذا الموضوع. لكن من المستغرب طبعاً أن تدلي بهذا النوع من التصريحات لأن ضبط النفس مطلوب في زمن الحرب». مع ذلك، لم تكفّ تلك النائبة عن انتقاد قائد القوات المسلّحة، حتى أنها اقترحت اختيار أفضل شخصية لاستبداله عبر استطلاع نشرته حديثاً على «فيسبوك».

مواقف هدفها اختبار ردود الأفعال

تعليقاً على مواقف بيزوهلا، يقول الصحافي وعالِم السياسة فيتالي بورتنيكوف: «ربما يحرّضها أحد على الإدلاء بهذه التعليقات، أو ربما تريد التعبير عن رأيها بكل بساطة. في مطلق الأحوال، لا يحمل النواب في حزب الرئيس أي أهمية من دون زيلينسكي. إذا لاحظوا أن أي عامل يُهدد سلطة رئيسهم، قد يتحركون بلا تردد لأنهم يفكرون بمستقبلهم الخاص». لكن تظن النائبة سولوميا بوبروفسكا من حزب المعارضة «هولوس» أن بيزوهلا هي «جزء من أجندة تهدف إلى اختبار الوضع واستكشاف ردود أفعال الناس، مع أن مكتب الرئاسة قادر على إسكات النواب حين يشاء منذ سنتين».

أخيراً، يظن المحلل السياسي بيترو بوركوفسكي، منذ شيوع الاستنتاج المرتبط بفشل الهجوم المضاد، أن «البيروقراطيين يبحثون عن شخص يلومونه. هم يملكون خيارَين: تقاسم المسؤولية، أو رفض هذه المسؤولية ورميها على الآخرين. أظن أن هذا النقاش لا يزال مستمراً في الأوساط الرئاسية». من وجهة نظر سولوميا بوبروفسكا، يجب أن تُعطى الأولوية لتوحيد الصفوف قبل أي شيء آخر: «نحن بأمسّ الحاجة إلى رؤية الرئيس والجنرال معاً. يمكنهما أن يقوما بكل ما يريدانه وراء الكواليس، لكن يُفترض أن يتوحّدا أمام الشعب حتى تحقيق النصر».


MISS 3